هل الايمان يزيد وينقص ؟؟
هل الايمان يزيد وينقص ؟؟
_______________
-زيادة الايمان ونقصانه
-الأدلة من القرآن على زيادة الإيمان ونقصانه:
-الأدلة من السنة على زيادة الإيمان ونقصانه:
-الآثار السلفية عن الصحابة ومن بعدهم في زيادة الإيمان ونقصانه:
-أسباب زيادة الإيمان ونقصانه:
-والمروي عن الإمام مالك في زيادة الإيمان ونقصانه:
____________________________________
فإن الحق الواجب اعتقاده والإيمان به، أن الإيمان يزيد بالإخلاص والطاعات والمسارعة إلى رضوان الله، وتقديم مرضاته وتتبع محابَّه حتى يَستكمل الإيمان في العبد.
وكذا عكسه بأن الإيمان ينقص ويقل كلما ارتكب العبد المحرمات واقترف المنهيات، وفرغ قلبه من تحقيق معاني الألوهية ومعاني أسماء الله وصفاته، وأمره وشرعه حتى يزول الإيمان بالكلية، فتستحكم الشهوات والشبهات عليه؛ فيكون القلب عندئذ أسودَ لا بياض فيه.
يدل على ذلك الأدلة الشرعية والواقع المشاهد.
وذلك أن المؤمن المتقي لله، إنما يتقيه ويؤمن به لقوة الوازع الديني في قلبه.
والعاصي – وهو فاعل الذنب الصغير-، والفاسق – وهو فاعل الكبيرة – لا يعصي ربه إلا بعد ضعف وازع الدين في قلبه!
ومن فضل الله علينا وعلى الناس تكامل دلالة الكتاب الكريم والسنة النبوية المطهرة، والآثار السلفية عن الصحابة ومن بعدهم في تأكيد هذه المسألة، وهذا طرف من ذلك.
الأدلة من القرآن على زيادة الإيمان ونقصانه:
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فمن ذلك:
قوله تعالى في أول الأنفال: إِنَمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ ءَايَتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ [الأنفال:2].
2- وقوله سبحانه في أواخر آل عمران: الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقالُوا حَسْبُنَا اللهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ [آل عمران: 173].
3- وفي آخر التوبة: وَإِذَا مَآ أُنزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُم مَّن يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إيماَنًا فَأَمَّا الَّذِينَ ءَامَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَهُمْ يًسْتَبْشِرُونَ * وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْسًا إِلَى رِجْسِهِمْ وَمَاتُوا وَهُمْ كَافِرُونَ [التوبة: 124-125].
فالمؤمنون يزدادون إيماناً بنزول القرآن والمنافقون يزدادون كفراً ورجساً وينقص إيمانهم إن كان بقي منه شيء قبل نزوله!
4-وفي سورة الأحزاب: وَلَمَّا رَءَا الْمُؤْمِنُونَ الأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلاَّ إِيمَانَا وَتَسْلِيمًا[الأحزاب:22].
5-وفي أول الفتح: هُوُ الَّذِى أَنزَلَ السَّكِينَةَ فِى قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيماَنًا مَّعَ إِيمَنِهِمْ[الفتح:4].
6-وفي سورة المدثر: لِيَسْتَيْقِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَيَزْدَادَ الَّذِينَ ءَامَنُوا إِيمَانًا [المدثر:31].
7-وكما يزيد الإيمان – كما رأينا فيما مضى من نصوص، فإنه يزيد بزيادة أفراده كالخشوع كما في آية السجدة من الإسراء: وَيَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعًا [الإسراء:109].
8-وزيادة الهدى والهداية كما في قوله في سورة مريم: وَيَزِيدُ اللهُ الّذِينَ اهْتَدَوْا هدًى [مريم:76].
وفي سورة محمد: وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَءَاتَهُمْ تَقْوَاهُمْ [محمد:17].
وقوله عن الفتية أصحاب الكهفِ: إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ ءَامَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ [الكهف:13].
فما زاد شيء إلا نقص، بدليل كونه قبل الزيادة أنقص منه بعدها.
9-وكما أن الكفر يزيد كما في قوله تعالى في آيتي المائدة: وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيرًا مِّنْهُم مَّآ أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ طُغْيَنًا وَكُفْرًا [المائدة:64]. قُلْ يَأَهْلَ الْكِتَبِ لَسْتُمْ عَلَى شَىْءٍ حَتَّى تُقِيمُوا التَّوْرَاةَ وَالإِنْجِيلَ وَمَآ أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ وَلَيَزِيدَنَّ كَثيِرًا مِّنْهُم مَّآ أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ طُغْيَنًا وَكُفْرًا فَلاَ تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْكَفِرِينَ[المائدة:68].
وقوله في الإسراء: وَمَا جَعَلْنَا الرُّءْيَا الَّتِى أَرَيْنَكَ إِلاَّ فِتْنةً لِّلنَّاسِ وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْءَانِ وَنُخَوِّفهُمْ فَمَا يَزِيدُهُمْ إِلاَّ طُغْياَنًا كَبِيرًا [الإسراء:60].
وفي آل عمران: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ ثًمَّ ازْدَادُوا كُفْرًا لَّن تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الضَّآلُّونَ [آل عمران:90].
وفي النساء: إِنَ الَّذِينَ ءَامَنُوا ثُمَّ كّفَرُوا [ النساء:137].
فكذلك الإيمان يزيد حتى يبلغ أعلى درجاته، والكفر يزيد حتى يسفل إلى أدنى دركاته.
10-أيضاً مما يدل على زيادة الإيمان عند أهله تفاضلهم فيه، بكون بعضهم أفضل من بعض.
كما قال سبحانه عن الأنبياء: وَلَقَدْ فَضَّلْنَا بَعْضَ النَّبيِيِّنَ عَلَى بَعْضٍ [الإسراء:55].
وفي البقرة: تَلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ مِّنهُم مَّن كَلَّمَ اللهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَتٍ وَءَاتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِنَتِ وَأَيَّدْنَهُ بِرُوحِ الْقُدُسْ [البقرة:253].
وفي الإسراء: انْظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَلَلأَخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلاً [الإسراء:21].
وفاضل سبحانه بين الصحابة في آية الحديد: لاَيَسْتَوْي مْنكُم مَّنْ أَنفَقَ مِن قَبْلِ الْفَتْحِ وَقاَتَلَ أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِّنَ الَّذينَ أَنفَقَوا مِن بَعْدُ وَقَاتَلُوا [الحديد:10].
وفاضل بين المجاهدين وغيرهم في سورة النساء: لاَّ يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُوْلِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فَضَّلَ اللهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُلاًّ وَعَدَ اللهُ الْحُسْنَى وَفَضَّلَ اللهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْرًا عَظِيمًا * دَرَجَاتٍ مِّنْهُ وَمَعْفِرَةً وَرَحْمَةَ وَكَانَ اللهُ غَفُورًا رَّحِيمًا [النساء:95-96].
ومن ذلك قوله: الَّذِينَ ءَامَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَهَدُوا فِي سَبِيلِ اللهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةَ عِندَ اللهِ وَأولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ [التوبة:20].
وفاضل بين درجات العلماء أهل الإيمان بقوله في سورة المجادلة: يَرْفَعِ اللهُ الَّذِينَ ءَامَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَتٍ وَاللهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ [المجادلة:11].
ومايز سبحانه بين أهل الطاعة والمعصية بقوله في سورة الجاثية: أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئاتِ أَن نَّجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ ءَامَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَآءً مَّحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَآءَ مَا يَحْكُمُونَ [الجاثية:21]، وفي سورة الواقعة ذكر أصحاب اليمين، ثم أصحاب الشمال، ثم السابقين. وكل هذه المفاضلات للتمايز في زيادة الإيمان
الأدلة من السنة على زيادة الإيمان ونقصانه:
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فهي أيضاً متنوعة:
---------------
1-فمنها ما في الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن، ولا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن، ولا ينهب نُهبة ذات شرف يرفع الناس إليه فيها بأبصارهم حين ينتهبها وهو مؤمن)) وهذا لفظ مسلم.
فنفى عنه كمال الإيمان الواجب بفعل هذه الكبائر، مما دل على نقص الإيمان بفعلها.
وهكذا كل ما ورد من نفي كمال الإيمان الواجب أو المستحب تدل على زيادته، ومن ثمَّ نقصانه!
2-ومنها ما عقده البخاري في صحيحه من كتاب الإيمان باباً في تفاضل أهل الإيمان بالأعمال وذكر فيه:
حديث أبي سعيد رضي الله عنه مرفوعاً: ((يدخل أهل الجنة الجنة، وأهل النار النار، ثم يقول عز وجل: أخرجوا من كان في قلبه مثقال حبة من خردل من إيمان..)) الحديث متفق عليه.
مما يدل على أنه أنقص المؤمنين إيماناً، ولو كان الإيمان لا يزيد ولا ينقص لاستحق أهله كلهم الجنة، وبدرجات متساوية!
3-وحديث أبي سعيد رضي الله عنه أيضاً أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((بينا أنا نائم، رأيت الناس يُعرضون عليَّ وعليهم قمص، منها ما يبلغ الثدي، ومنها ما دون ذلك، وعرض عليَّ عمر بن الخطاب وعليه قميص يجره قالوا: فما أوَّلت ذلك يا رسول الله؟ قال: الدين)) متفق عليه.
ورؤيا الأنبياء حق، فدل على زيادة الإيمان في أقوام، ونقصانه في آخرين.
4-حديث أبي سعيد الخدري وابن عمر وأبي هريرة رضي الله عنهم، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((ما رأيت من ناقصات عقل ودين أذهب للبِّ الرجل الحازم من إحداكن، قلن وما نقصان ديننا وعقلنا يا رسول الله؟ قال: أليس شهادة المرأة مثل نصف شهادة الرجل، قلن: بلى؟ قال: فذلك من نقصان عقلها، أليس إذا حاضت لم تصلِّ ولم تصم، قلن: بلى قال: فذلك من نقصان دينها)) وهذا لفظ البخاري
فهو وإن كان النقص ليس من فعلهن، لكن من صلى وصام كان أكمل إيماناً منهن بهذا الاعتبار لصلاته وصيامه، وتأمل الترجمة التي تحت الحديث عند مسلم!
5-حديث ابن مسعود رضي الله عنه – عند مسلم في المجاهدة –وفيه: ((فمن جاهدهم بيده فهو مؤمن، ومن جاهدهم بلسانه فهو مؤمن، ومن جاهدهم بقلبه فهو مؤمن، وليس وراء ذلك من الإيمان حبة خردل)). ويفسره ويبين مدلوله حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم: ((من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان)) رواه مسلم
فدل على أن الإيمان لا يزال يضعف بتخلف تلك المراتب وهو النقصان، وتحصيلها هو زيادته.
6-ومثله حديث أبي أمامة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((من أحب لله وأبغض لله، وأعطى لله، ومنع لله، فقد استكمل الإيمان))
7-ومثله حديث أبي هريرة وغيره رضي الله عنهم مرفوعاً: ((أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم أخلاقاً)) رواه أحمد وأهل السنن.
الآثار السلفية عن الصحابة ومن بعدهم في زيادة الإيمان ونقصانه:
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وهي كثيرة جداً ضمَّنها الأئمة في مصنفاتهم في الإيمان فمن ذلك:
1-أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان ربما يأخذ بيد الرجل والرجلين من أصحابه فيقول: قم بنا نزدد إيماناً.
2-وكان معاذ يقول لرجل: اجلس بنا نؤمن ساعة. أي نزدد إيماناً، لم يعن أنه كان غير مؤمن قبلها!
3-وعن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: من فقه العبد أن يتعاهد إيمانه وما نقص منه، ومن فقه العبد أن يعلم: أيزداد هو أم ينقص؟
4-وأما ابن مسعود رضي الله عنه فكان يقول في دعائه: ((اللهم زدنا إيماناً ويقيناً وفقهاً)).
5-وعبد الله بن رواحة رضي الله عنه كان يأخذ بيد نفر من أصحابه فيقول: ((تعالوا فلنؤمن ساعة، تعالوا فلنذكر الله ولنزدد إيماناً، تعالوا نذكر الله بطاعته لعل الله يذكرنا بمغفرته)).
6-وقال عمير بن حبيب الخطمي وغيره من الصحابة: ((الإيمان يزيد وينقص، فقيل له وما زيادته ونقصانه؟ فقال: إذا ذكرنا الله وحمدناه وسبحناه فتلك زيادته، وإذا غفلنا ونسينا وضيعنا فذلك نقصانه))وعنهم في الباب كثير، وعمَّن بعدهم أكثر.
7-ولذا روى اللالكائي بسند صحيح عن الإمام البخاري أنه قال: ((لقيت أكثر من ألف رجل من العلماء بالأمصار، فما رأيت أحداً منهم يختلف في أن الإيمان : قول وعمل ويزيد وينقص)) اهـ
ولذا نقل ابن عبد البر – في التمهيد – الإجماعَ على ذلك فقال: ((أجمع أهل الفقه والحديث على أن الإيمان قول وعمل، ولا عمل إلا بنية. والإيمان عندهم يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية، والطاعات كلها عندهم إيمان)) اهـ
والمقصود تكاثر القول عن الأوائل في تحقيق زيادة الإيمان ونقصانه وهي من الكثرة بمكان.
وهذه المسألة أعني مسألة زيادة الإيمان ونقصانه أظهر المسائل التي تبين آثار الاختلاف في الإيمان، وهي المحك الذي يفترق عليه حقيقة قول أهل السنة والجماعة مع مخالفيهم في مسائل الإيمان التي هي بالأسماء والأحكام.
أسباب زيادة الإيمان ونقصانه:
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وهي الأسباب التي إذا حصلها العبد وسعى في طلبها وفعلها تقرباً إلى الله زاد إيمانه بذلك، وإن كان على ضدها نقص، ومنها:
1-التقرب إلى الله والتعرف إليه بتحقيق التوحيد بألوهيته وربوبيته وأسمائه الحسنى وصفاته العلى.
فإنه ولا شك كلما ازداد بها تحقيقاً ازداد إيماناً.
2-فعل الفرائض والنوافل والإحسان فيها، والإصابة في صفاتها، والمكاثرة والمسارعة والمداومة في ذلك.
3-ترك المعاصي والمنهيات تقرباً إلى الله وابتغاء وجهه سبحانه.
4-النظر والاعتبار في آيات الله الشرعية، ومنها العلم، وآياته الكونية المورث للعلم والعمل، ولين القلب.
5-الإقبال على الدار الآخرة والسعي لها، والزهد في الدنيا والإعراض عن زخرفها بملاحظة ما أعده الله لعباده الصالحين المستكملين للإيمان، وما أعده لإرضائهم.
6-التزام السنة النبوية والعض عليها بالنواجذ، ولو مع قلة المعاون علماً وفهماً وعملاً ودعوة.
7-كثرة سؤال الله والتضرع إليه بالثبات على دينه، حسن العاقبة وسؤاله الهداية وحسن العمل وقبوله والاستزادة من الخير، والانطراح بين يديه لاسيما في الأوقات الفاضلة المستجابة.
أسباب زيادة الإيمان ونقصانه:
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وهم طوائف، ولربما توحد قولهم في هذه المسألة لكن اختلفت بينهم حقيقته، ومنهم:
1-المرجئة فقالوا الإيمان لا يزيد ولا ينقص، واعتبروا زيادته في الآيات والأحاديث تجدد أمثاله
2-الوعيدية من الخوارج والمعتزلة: فقالوا الإيمان يزيد ولا ينقص، لأنه لا يتبعض فنقصه ذهابه كله.
أما تجويزهم زيادته فمن جهة اختلاف الناس في وجوب التكاليف في وقت وحال دون أخرى
والحق كما سبق أن الإيمان يزيد بالطاعات حتى يكتمل، وينقص بالمعاصي والذنوب حتى يزول بالمكفر منها.
* المروي عن الإمام مالك في زيادة الإيمان ونقصانه:
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وعن غيره من الفقهاء من أتباع التابعين، فإن الإمام مالك في رواية عنه أنه لم يوافق في إطلاق النقصان على الإيمان.
فإنه في رواية محمد بن القاسم عنه توقف في النقصان ولم يقل به..
ووافقه على ذلك جماعة من الفقهاء، لأنهم وجدوا ذكر الزيادة في القرآن ولم يجدوا ذكر النقص.
وبعض السلف رحمهم الله عدل عن لفظ الزيادة والنقصان إلى لفظ التفاضل، فقال: أقول الإيمان يتفاضل ويتفاوت.
ويروى هذا عن عبد الله بن المبارك كما يروى عنه موافقة الجمهور من السلف بالقول بزيادته ونقصانه كما حكاه عنه النووي.
هذا وقد وجّه العلماء وأجابوا عن قول الإمام مالك السابق في التوقف بالنقصان بعدة أجوبة منها:
1-أن لفظ الزيادة ورد في النصوص، دون لفظ النقصان، فلم يقل به.
وهذا جواب قاله الشيخ ابن تيمية عن مالك ومن وافقه رحمهم الله.
2-توقف مالك بالنقصان لئلا يكون شكاً مخرجاً عن اسم الإيمان.
3-أو لئلا يتأول القول بالنقصان على قول الخوارج والوعيدية، الذين يكفرون بالمعاصي ويخرجون بها عن الإيمان. وهذان الجوابان حكاهما النووي في شرحه لمسلم.
4-ربما كان قوله ذلك قديماً، رجح عنه بعد ذلك ولاسيما بعد تأمله لحال المرجئة وبدعتهم، لما عُرف عنه بعدُ من ردِّه عليهم، وإنكاره عليهم كما أنكر على حماد بن أبي حنيفة وغيره منهم.
5-وربما هو وَهْمٌ من ناقليه، لما يعرض للمدرس في درسه من التوقف في مسائل، لا لعدم الجواب فيها عنده، وإنما لزيادة تأمل فيها ونظر وبحث، أو لعارض يعرض له في خاطره يسترسل معه.. ونحو ذلك.
* والقول الراجح عن مالك في ذلك :
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وعلى كل حال فإن الاحتمالات متطرقة للرواية التي توقف فيها مالك عن القول بنقصان الإيمان، وهي رواية محمد بن القاسم.
كيف وقد روى جمهور أصحابه روايات أخرى صرح فيها الإمام مالك بزيادة الإيمان ونقصانه، كما في رواية عبد الرزاق بن همام الصنعاني، وعبد الله بن وهب، ومعمر بن عيسى، وعبد الله بن نافع
فعلى هذه الروايات الكثيرة عنه العمل، وهي موافقه لما يرد على الأولى من الاحتمال والتأويل؛ لما فيها من ثبوت النقصان في الإيمان عنه رحمه الله.
قال شيخ الإسلام في الأوسط: ((… وهذه إحدى الروايتين عن مالك، والرواية الأخرى عنه، وهو المشهور عند أصحابه، كقول سائرهم (يعني الأئمة): أنه يزيد وينقص))
____________________________
-الأدلة من السنة على زيادة الإيمان ونقصانه:
-الآثار السلفية عن الصحابة ومن بعدهم في زيادة الإيمان ونقصانه:
-أسباب زيادة الإيمان ونقصانه:
-والمروي عن الإمام مالك في زيادة الإيمان ونقصانه:
____________________________________
فإن الحق الواجب اعتقاده والإيمان به، أن الإيمان يزيد بالإخلاص والطاعات والمسارعة إلى رضوان الله، وتقديم مرضاته وتتبع محابَّه حتى يَستكمل الإيمان في العبد.
وكذا عكسه بأن الإيمان ينقص ويقل كلما ارتكب العبد المحرمات واقترف المنهيات، وفرغ قلبه من تحقيق معاني الألوهية ومعاني أسماء الله وصفاته، وأمره وشرعه حتى يزول الإيمان بالكلية، فتستحكم الشهوات والشبهات عليه؛ فيكون القلب عندئذ أسودَ لا بياض فيه.
يدل على ذلك الأدلة الشرعية والواقع المشاهد.
وذلك أن المؤمن المتقي لله، إنما يتقيه ويؤمن به لقوة الوازع الديني في قلبه.
والعاصي – وهو فاعل الذنب الصغير-، والفاسق – وهو فاعل الكبيرة – لا يعصي ربه إلا بعد ضعف وازع الدين في قلبه!
ومن فضل الله علينا وعلى الناس تكامل دلالة الكتاب الكريم والسنة النبوية المطهرة، والآثار السلفية عن الصحابة ومن بعدهم في تأكيد هذه المسألة، وهذا طرف من ذلك.
الأدلة من القرآن على زيادة الإيمان ونقصانه:
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فمن ذلك:
قوله تعالى في أول الأنفال: إِنَمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ ءَايَتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ [الأنفال:2].
2- وقوله سبحانه في أواخر آل عمران: الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقالُوا حَسْبُنَا اللهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ [آل عمران: 173].
3- وفي آخر التوبة: وَإِذَا مَآ أُنزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُم مَّن يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إيماَنًا فَأَمَّا الَّذِينَ ءَامَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَهُمْ يًسْتَبْشِرُونَ * وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْسًا إِلَى رِجْسِهِمْ وَمَاتُوا وَهُمْ كَافِرُونَ [التوبة: 124-125].
فالمؤمنون يزدادون إيماناً بنزول القرآن والمنافقون يزدادون كفراً ورجساً وينقص إيمانهم إن كان بقي منه شيء قبل نزوله!
4-وفي سورة الأحزاب: وَلَمَّا رَءَا الْمُؤْمِنُونَ الأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلاَّ إِيمَانَا وَتَسْلِيمًا[الأحزاب:22].
5-وفي أول الفتح: هُوُ الَّذِى أَنزَلَ السَّكِينَةَ فِى قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيماَنًا مَّعَ إِيمَنِهِمْ[الفتح:4].
6-وفي سورة المدثر: لِيَسْتَيْقِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَيَزْدَادَ الَّذِينَ ءَامَنُوا إِيمَانًا [المدثر:31].
7-وكما يزيد الإيمان – كما رأينا فيما مضى من نصوص، فإنه يزيد بزيادة أفراده كالخشوع كما في آية السجدة من الإسراء: وَيَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعًا [الإسراء:109].
8-وزيادة الهدى والهداية كما في قوله في سورة مريم: وَيَزِيدُ اللهُ الّذِينَ اهْتَدَوْا هدًى [مريم:76].
وفي سورة محمد: وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَءَاتَهُمْ تَقْوَاهُمْ [محمد:17].
وقوله عن الفتية أصحاب الكهفِ: إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ ءَامَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ [الكهف:13].
فما زاد شيء إلا نقص، بدليل كونه قبل الزيادة أنقص منه بعدها.
9-وكما أن الكفر يزيد كما في قوله تعالى في آيتي المائدة: وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيرًا مِّنْهُم مَّآ أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ طُغْيَنًا وَكُفْرًا [المائدة:64]. قُلْ يَأَهْلَ الْكِتَبِ لَسْتُمْ عَلَى شَىْءٍ حَتَّى تُقِيمُوا التَّوْرَاةَ وَالإِنْجِيلَ وَمَآ أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ وَلَيَزِيدَنَّ كَثيِرًا مِّنْهُم مَّآ أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ طُغْيَنًا وَكُفْرًا فَلاَ تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْكَفِرِينَ[المائدة:68].
وقوله في الإسراء: وَمَا جَعَلْنَا الرُّءْيَا الَّتِى أَرَيْنَكَ إِلاَّ فِتْنةً لِّلنَّاسِ وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْءَانِ وَنُخَوِّفهُمْ فَمَا يَزِيدُهُمْ إِلاَّ طُغْياَنًا كَبِيرًا [الإسراء:60].
وفي آل عمران: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ ثًمَّ ازْدَادُوا كُفْرًا لَّن تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الضَّآلُّونَ [آل عمران:90].
وفي النساء: إِنَ الَّذِينَ ءَامَنُوا ثُمَّ كّفَرُوا [ النساء:137].
فكذلك الإيمان يزيد حتى يبلغ أعلى درجاته، والكفر يزيد حتى يسفل إلى أدنى دركاته.
10-أيضاً مما يدل على زيادة الإيمان عند أهله تفاضلهم فيه، بكون بعضهم أفضل من بعض.
كما قال سبحانه عن الأنبياء: وَلَقَدْ فَضَّلْنَا بَعْضَ النَّبيِيِّنَ عَلَى بَعْضٍ [الإسراء:55].
وفي البقرة: تَلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ مِّنهُم مَّن كَلَّمَ اللهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَتٍ وَءَاتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِنَتِ وَأَيَّدْنَهُ بِرُوحِ الْقُدُسْ [البقرة:253].
وفي الإسراء: انْظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَلَلأَخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلاً [الإسراء:21].
وفاضل سبحانه بين الصحابة في آية الحديد: لاَيَسْتَوْي مْنكُم مَّنْ أَنفَقَ مِن قَبْلِ الْفَتْحِ وَقاَتَلَ أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِّنَ الَّذينَ أَنفَقَوا مِن بَعْدُ وَقَاتَلُوا [الحديد:10].
وفاضل بين المجاهدين وغيرهم في سورة النساء: لاَّ يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُوْلِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فَضَّلَ اللهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُلاًّ وَعَدَ اللهُ الْحُسْنَى وَفَضَّلَ اللهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْرًا عَظِيمًا * دَرَجَاتٍ مِّنْهُ وَمَعْفِرَةً وَرَحْمَةَ وَكَانَ اللهُ غَفُورًا رَّحِيمًا [النساء:95-96].
ومن ذلك قوله: الَّذِينَ ءَامَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَهَدُوا فِي سَبِيلِ اللهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةَ عِندَ اللهِ وَأولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ [التوبة:20].
وفاضل بين درجات العلماء أهل الإيمان بقوله في سورة المجادلة: يَرْفَعِ اللهُ الَّذِينَ ءَامَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَتٍ وَاللهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ [المجادلة:11].
ومايز سبحانه بين أهل الطاعة والمعصية بقوله في سورة الجاثية: أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئاتِ أَن نَّجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ ءَامَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَآءً مَّحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَآءَ مَا يَحْكُمُونَ [الجاثية:21]، وفي سورة الواقعة ذكر أصحاب اليمين، ثم أصحاب الشمال، ثم السابقين. وكل هذه المفاضلات للتمايز في زيادة الإيمان
الأدلة من السنة على زيادة الإيمان ونقصانه:
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فهي أيضاً متنوعة:
---------------
1-فمنها ما في الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن، ولا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن، ولا ينهب نُهبة ذات شرف يرفع الناس إليه فيها بأبصارهم حين ينتهبها وهو مؤمن)) وهذا لفظ مسلم.
فنفى عنه كمال الإيمان الواجب بفعل هذه الكبائر، مما دل على نقص الإيمان بفعلها.
وهكذا كل ما ورد من نفي كمال الإيمان الواجب أو المستحب تدل على زيادته، ومن ثمَّ نقصانه!
2-ومنها ما عقده البخاري في صحيحه من كتاب الإيمان باباً في تفاضل أهل الإيمان بالأعمال وذكر فيه:
حديث أبي سعيد رضي الله عنه مرفوعاً: ((يدخل أهل الجنة الجنة، وأهل النار النار، ثم يقول عز وجل: أخرجوا من كان في قلبه مثقال حبة من خردل من إيمان..)) الحديث متفق عليه.
مما يدل على أنه أنقص المؤمنين إيماناً، ولو كان الإيمان لا يزيد ولا ينقص لاستحق أهله كلهم الجنة، وبدرجات متساوية!
3-وحديث أبي سعيد رضي الله عنه أيضاً أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((بينا أنا نائم، رأيت الناس يُعرضون عليَّ وعليهم قمص، منها ما يبلغ الثدي، ومنها ما دون ذلك، وعرض عليَّ عمر بن الخطاب وعليه قميص يجره قالوا: فما أوَّلت ذلك يا رسول الله؟ قال: الدين)) متفق عليه.
ورؤيا الأنبياء حق، فدل على زيادة الإيمان في أقوام، ونقصانه في آخرين.
4-حديث أبي سعيد الخدري وابن عمر وأبي هريرة رضي الله عنهم، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((ما رأيت من ناقصات عقل ودين أذهب للبِّ الرجل الحازم من إحداكن، قلن وما نقصان ديننا وعقلنا يا رسول الله؟ قال: أليس شهادة المرأة مثل نصف شهادة الرجل، قلن: بلى؟ قال: فذلك من نقصان عقلها، أليس إذا حاضت لم تصلِّ ولم تصم، قلن: بلى قال: فذلك من نقصان دينها)) وهذا لفظ البخاري
فهو وإن كان النقص ليس من فعلهن، لكن من صلى وصام كان أكمل إيماناً منهن بهذا الاعتبار لصلاته وصيامه، وتأمل الترجمة التي تحت الحديث عند مسلم!
5-حديث ابن مسعود رضي الله عنه – عند مسلم في المجاهدة –وفيه: ((فمن جاهدهم بيده فهو مؤمن، ومن جاهدهم بلسانه فهو مؤمن، ومن جاهدهم بقلبه فهو مؤمن، وليس وراء ذلك من الإيمان حبة خردل)). ويفسره ويبين مدلوله حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم: ((من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان)) رواه مسلم
فدل على أن الإيمان لا يزال يضعف بتخلف تلك المراتب وهو النقصان، وتحصيلها هو زيادته.
6-ومثله حديث أبي أمامة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((من أحب لله وأبغض لله، وأعطى لله، ومنع لله، فقد استكمل الإيمان))
7-ومثله حديث أبي هريرة وغيره رضي الله عنهم مرفوعاً: ((أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم أخلاقاً)) رواه أحمد وأهل السنن.
الآثار السلفية عن الصحابة ومن بعدهم في زيادة الإيمان ونقصانه:
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وهي كثيرة جداً ضمَّنها الأئمة في مصنفاتهم في الإيمان فمن ذلك:
1-أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان ربما يأخذ بيد الرجل والرجلين من أصحابه فيقول: قم بنا نزدد إيماناً.
2-وكان معاذ يقول لرجل: اجلس بنا نؤمن ساعة. أي نزدد إيماناً، لم يعن أنه كان غير مؤمن قبلها!
3-وعن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: من فقه العبد أن يتعاهد إيمانه وما نقص منه، ومن فقه العبد أن يعلم: أيزداد هو أم ينقص؟
4-وأما ابن مسعود رضي الله عنه فكان يقول في دعائه: ((اللهم زدنا إيماناً ويقيناً وفقهاً)).
5-وعبد الله بن رواحة رضي الله عنه كان يأخذ بيد نفر من أصحابه فيقول: ((تعالوا فلنؤمن ساعة، تعالوا فلنذكر الله ولنزدد إيماناً، تعالوا نذكر الله بطاعته لعل الله يذكرنا بمغفرته)).
6-وقال عمير بن حبيب الخطمي وغيره من الصحابة: ((الإيمان يزيد وينقص، فقيل له وما زيادته ونقصانه؟ فقال: إذا ذكرنا الله وحمدناه وسبحناه فتلك زيادته، وإذا غفلنا ونسينا وضيعنا فذلك نقصانه))وعنهم في الباب كثير، وعمَّن بعدهم أكثر.
7-ولذا روى اللالكائي بسند صحيح عن الإمام البخاري أنه قال: ((لقيت أكثر من ألف رجل من العلماء بالأمصار، فما رأيت أحداً منهم يختلف في أن الإيمان : قول وعمل ويزيد وينقص)) اهـ
ولذا نقل ابن عبد البر – في التمهيد – الإجماعَ على ذلك فقال: ((أجمع أهل الفقه والحديث على أن الإيمان قول وعمل، ولا عمل إلا بنية. والإيمان عندهم يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية، والطاعات كلها عندهم إيمان)) اهـ
والمقصود تكاثر القول عن الأوائل في تحقيق زيادة الإيمان ونقصانه وهي من الكثرة بمكان.
وهذه المسألة أعني مسألة زيادة الإيمان ونقصانه أظهر المسائل التي تبين آثار الاختلاف في الإيمان، وهي المحك الذي يفترق عليه حقيقة قول أهل السنة والجماعة مع مخالفيهم في مسائل الإيمان التي هي بالأسماء والأحكام.
أسباب زيادة الإيمان ونقصانه:
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وهي الأسباب التي إذا حصلها العبد وسعى في طلبها وفعلها تقرباً إلى الله زاد إيمانه بذلك، وإن كان على ضدها نقص، ومنها:
1-التقرب إلى الله والتعرف إليه بتحقيق التوحيد بألوهيته وربوبيته وأسمائه الحسنى وصفاته العلى.
فإنه ولا شك كلما ازداد بها تحقيقاً ازداد إيماناً.
2-فعل الفرائض والنوافل والإحسان فيها، والإصابة في صفاتها، والمكاثرة والمسارعة والمداومة في ذلك.
3-ترك المعاصي والمنهيات تقرباً إلى الله وابتغاء وجهه سبحانه.
4-النظر والاعتبار في آيات الله الشرعية، ومنها العلم، وآياته الكونية المورث للعلم والعمل، ولين القلب.
5-الإقبال على الدار الآخرة والسعي لها، والزهد في الدنيا والإعراض عن زخرفها بملاحظة ما أعده الله لعباده الصالحين المستكملين للإيمان، وما أعده لإرضائهم.
6-التزام السنة النبوية والعض عليها بالنواجذ، ولو مع قلة المعاون علماً وفهماً وعملاً ودعوة.
7-كثرة سؤال الله والتضرع إليه بالثبات على دينه، حسن العاقبة وسؤاله الهداية وحسن العمل وقبوله والاستزادة من الخير، والانطراح بين يديه لاسيما في الأوقات الفاضلة المستجابة.
أسباب زيادة الإيمان ونقصانه:
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وهم طوائف، ولربما توحد قولهم في هذه المسألة لكن اختلفت بينهم حقيقته، ومنهم:
1-المرجئة فقالوا الإيمان لا يزيد ولا ينقص، واعتبروا زيادته في الآيات والأحاديث تجدد أمثاله
2-الوعيدية من الخوارج والمعتزلة: فقالوا الإيمان يزيد ولا ينقص، لأنه لا يتبعض فنقصه ذهابه كله.
أما تجويزهم زيادته فمن جهة اختلاف الناس في وجوب التكاليف في وقت وحال دون أخرى
والحق كما سبق أن الإيمان يزيد بالطاعات حتى يكتمل، وينقص بالمعاصي والذنوب حتى يزول بالمكفر منها.
* المروي عن الإمام مالك في زيادة الإيمان ونقصانه:
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وعن غيره من الفقهاء من أتباع التابعين، فإن الإمام مالك في رواية عنه أنه لم يوافق في إطلاق النقصان على الإيمان.
فإنه في رواية محمد بن القاسم عنه توقف في النقصان ولم يقل به..
ووافقه على ذلك جماعة من الفقهاء، لأنهم وجدوا ذكر الزيادة في القرآن ولم يجدوا ذكر النقص.
وبعض السلف رحمهم الله عدل عن لفظ الزيادة والنقصان إلى لفظ التفاضل، فقال: أقول الإيمان يتفاضل ويتفاوت.
ويروى هذا عن عبد الله بن المبارك كما يروى عنه موافقة الجمهور من السلف بالقول بزيادته ونقصانه كما حكاه عنه النووي.
هذا وقد وجّه العلماء وأجابوا عن قول الإمام مالك السابق في التوقف بالنقصان بعدة أجوبة منها:
1-أن لفظ الزيادة ورد في النصوص، دون لفظ النقصان، فلم يقل به.
وهذا جواب قاله الشيخ ابن تيمية عن مالك ومن وافقه رحمهم الله.
2-توقف مالك بالنقصان لئلا يكون شكاً مخرجاً عن اسم الإيمان.
3-أو لئلا يتأول القول بالنقصان على قول الخوارج والوعيدية، الذين يكفرون بالمعاصي ويخرجون بها عن الإيمان. وهذان الجوابان حكاهما النووي في شرحه لمسلم.
4-ربما كان قوله ذلك قديماً، رجح عنه بعد ذلك ولاسيما بعد تأمله لحال المرجئة وبدعتهم، لما عُرف عنه بعدُ من ردِّه عليهم، وإنكاره عليهم كما أنكر على حماد بن أبي حنيفة وغيره منهم.
5-وربما هو وَهْمٌ من ناقليه، لما يعرض للمدرس في درسه من التوقف في مسائل، لا لعدم الجواب فيها عنده، وإنما لزيادة تأمل فيها ونظر وبحث، أو لعارض يعرض له في خاطره يسترسل معه.. ونحو ذلك.
* والقول الراجح عن مالك في ذلك :
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وعلى كل حال فإن الاحتمالات متطرقة للرواية التي توقف فيها مالك عن القول بنقصان الإيمان، وهي رواية محمد بن القاسم.
كيف وقد روى جمهور أصحابه روايات أخرى صرح فيها الإمام مالك بزيادة الإيمان ونقصانه، كما في رواية عبد الرزاق بن همام الصنعاني، وعبد الله بن وهب، ومعمر بن عيسى، وعبد الله بن نافع
فعلى هذه الروايات الكثيرة عنه العمل، وهي موافقه لما يرد على الأولى من الاحتمال والتأويل؛ لما فيها من ثبوت النقصان في الإيمان عنه رحمه الله.
قال شيخ الإسلام في الأوسط: ((… وهذه إحدى الروايتين عن مالك، والرواية الأخرى عنه، وهو المشهور عند أصحابه، كقول سائرهم (يعني الأئمة): أنه يزيد وينقص))
____________________________
ليست هناك تعليقات