يقولون أن من يشتغل ويتكلم في أمور الكفر والمكفرات وتكفير الكفار لا يحفظ من القرآن إلا جزء كذا وكذالاو من السنة إلا كذا وكذا
يقولون أن من يشتغل ويتكلم في أمور الكفر والمكفرات وتكفير الكفار والحكام الجاثمين على رقاب الناس اليوم لا يحفظ من القرآن إلا جزء كذا وكذا، ولا من السنة إلا كذا وكذا، ولا يعرف كذا وكذا، ولا يحسن كذا وكذا، ولا يستطيع أن يعدد شروط أو أركان أو واجبات أو مندوبات كذا وكذا !!! ويُعيرونهم بذلك
وجواب هذا الكلام من أوجه :
___________________
___________________
الوجه الأول :
________
________
إن هذا من الكذب والظلم , وأهل السنة يقولون الذي لهم والذي عليهم، وأما هذه الأساليب من تجهيل الخصوم فهذا ديدن من لا يريد أن يجابه الحجة بالحجة والدليل بالدليل، وهذه الأساليب لهي أكبر ستار للفرار من البحث العلمي. وكثيرٌ منهم تحمر أُنوفهم غيظاً لما يرون من سعت حفظ الشباب المبارك للمتون العلمية بل وبأرقام الصفحات، وفطنتهم في كثيرٍ من الفنون والمجالات ، لكن كما قيل : الإنصاف حُلت الأشراف، والأشراف أقل الأصناف . قال الإمام مالك رحمه الله في الإنصاف : لم أجد في الناس أقل منه، فأردت المداومة عليه . أهـ [ الديباج المذهب 1/96 ] هذا في زمانه رحمه الله فكيف بزماننا ؟!!
نحن ولله الحمد والمنة نمتثل أمر الله تعالى حين قال : ( يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين للهِ شُهداء بالقسط ولا يجرِمنكم شنئانُ قومٍ على ألا تعدلوا اعدلوا هوَ أقربُ للتقوى ) [ المائدة : 8 ] متأسين بسلفنا الأوائل ؛ قال أبو عمر ابن عبد البر : من بركة العلم وآدابه الإنصاف فيه، ومن لم ينصف لم يفهم ولم يتفهم . أهـ [ جامع بيان العلم وفضله ص 208 ] وقال الزيلعي : ما تحلى طالب العلم بأحسن من الإنصاف.أهـ [ نصب الراية 1/355 ]
قال شيخ الإسلام ابن تيميه رحمه الله : حدثني ابن الخضيري عن والده الخضيري, إمام الحنفية في زمنه، قال : كان فقهاء بخارى يقولون في ابن سينا ، كان كافراً ذكياً . أهـ [ الدرر السنية 9/423 ] فبالرغم من تكفيرهم إياه إلا أنهم شهدوا له بالذكاء, فشتان : بين إنصاف السلف، وإجحاف الخلف ؟!
نحن ولله الحمد والمنة نمتثل أمر الله تعالى حين قال : ( يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين للهِ شُهداء بالقسط ولا يجرِمنكم شنئانُ قومٍ على ألا تعدلوا اعدلوا هوَ أقربُ للتقوى ) [ المائدة : 8 ] متأسين بسلفنا الأوائل ؛ قال أبو عمر ابن عبد البر : من بركة العلم وآدابه الإنصاف فيه، ومن لم ينصف لم يفهم ولم يتفهم . أهـ [ جامع بيان العلم وفضله ص 208 ] وقال الزيلعي : ما تحلى طالب العلم بأحسن من الإنصاف.أهـ [ نصب الراية 1/355 ]
قال شيخ الإسلام ابن تيميه رحمه الله : حدثني ابن الخضيري عن والده الخضيري, إمام الحنفية في زمنه، قال : كان فقهاء بخارى يقولون في ابن سينا ، كان كافراً ذكياً . أهـ [ الدرر السنية 9/423 ] فبالرغم من تكفيرهم إياه إلا أنهم شهدوا له بالذكاء, فشتان : بين إنصاف السلف، وإجحاف الخلف ؟!
ولك يا أخا المنهج والعقيدة أن تتمثل ببيت أبي العلاء المعري حين قال:
لما رأيت الجهل في الناس فاشياً تجاهلتُ حتى ظُنّ أني جاهلُ !
لما رأيت الجهل في الناس فاشياً تجاهلتُ حتى ظُنّ أني جاهلُ !
الوجه الثاني :
__________
__________
إننا لا ننكر وجود من يجهل الكثير من أمور الدين، وما ذلك إلا لاشتغالهم برأس الأمر ؛ التوحيد وأصول الدين، ودراسة هذه الأمور مقدمٌ في الشريعة على دراسة غيره، ولقد بينا في غير موضع أن تكفير الكافرين هو من أمور التوحيد التي لا يُنشغل عنها بغيرها، فالكفر بالطاغوت أولاً
و الإيمان بالله ثم مباني الإسلام وشرائعه، فعلى المرء أن يتعلم الأهم فالمهم . قال تعالى ( ولكن كونوا ربانيين بما كنتم تعلِّمون الكتاب وبما كنتم تدرسون ) [ آل عمران : 79 ] قال البخاري رحمه الله : ويقال: الربّاني الذي يُرَبِّي الناس بصِغار العلم قبل كباره. أهـ
و الإيمان بالله ثم مباني الإسلام وشرائعه، فعلى المرء أن يتعلم الأهم فالمهم . قال تعالى ( ولكن كونوا ربانيين بما كنتم تعلِّمون الكتاب وبما كنتم تدرسون ) [ آل عمران : 79 ] قال البخاري رحمه الله : ويقال: الربّاني الذي يُرَبِّي الناس بصِغار العلم قبل كباره. أهـ
قال ابن حجر : والمراد بصغار العلم ما وضح من مسائله، وبكباره ما دقّ منها.أهـ [فتح الباري 1/160 – 162 ]
ومسائل العقيدة من أوضح المسائل لذلك لم يختلف الصحابة في شيءٍ منها ومن أوضح مسائل العقيدة مسائل الكفر والإيمان بخلاف مسائل القضاء والقدر مثلاً أو الأسماء والصفات . وقد قال الله تعالى : ( فأعلم أنهُ لا إله إلا اللهُ واستغفر لذنبكَ وللمؤمنين والمؤمنات ) [ محمد : 19 ] فبدأ أمره تعالى بتعلم التوحيد وبدأ بالنفي ( لا إله ) وهو الكفر بالطاغوت، ثم الإثبات ( إلا الله ) وهو الإيمان بالله . وقال الله تعالى : ( فبشِّر عبادِ الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه، أولئك الذين هداهم الله ، وأولئك هم أولوا الألباب) [ الزمر : 17-18 ] وأحسن العلوم وأفضلها علم التوحيد والعقيدة ،
قال ابن عبد البر : وروينا عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال : العلم أكثر من أن يُحاط به، فخذوا منه أحسنه . وعن الشَعبي مثله. وأنشد محمد بن مصعب لابن عباس :
ما أكثر العلم وما أوسعــه من ذا الذي يقدر أن يجمعه
إن كنت لابد له طالبــا محــــــاولاً فالتمس أنفعـــه
ومسائل العقيدة من أوضح المسائل لذلك لم يختلف الصحابة في شيءٍ منها ومن أوضح مسائل العقيدة مسائل الكفر والإيمان بخلاف مسائل القضاء والقدر مثلاً أو الأسماء والصفات . وقد قال الله تعالى : ( فأعلم أنهُ لا إله إلا اللهُ واستغفر لذنبكَ وللمؤمنين والمؤمنات ) [ محمد : 19 ] فبدأ أمره تعالى بتعلم التوحيد وبدأ بالنفي ( لا إله ) وهو الكفر بالطاغوت، ثم الإثبات ( إلا الله ) وهو الإيمان بالله . وقال الله تعالى : ( فبشِّر عبادِ الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه، أولئك الذين هداهم الله ، وأولئك هم أولوا الألباب) [ الزمر : 17-18 ] وأحسن العلوم وأفضلها علم التوحيد والعقيدة ،
قال ابن عبد البر : وروينا عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال : العلم أكثر من أن يُحاط به، فخذوا منه أحسنه . وعن الشَعبي مثله. وأنشد محمد بن مصعب لابن عباس :
ما أكثر العلم وما أوسعــه من ذا الذي يقدر أن يجمعه
إن كنت لابد له طالبــا محــــــاولاً فالتمس أنفعـــه
وقال الشاطبي رحمه الله : من العلم ما هو من صُلْب العلم، ومنه ما هو من مُلَح العلم لا من صلبه، ومنه ما ليس من صلبه ولا مُلَحه، فهذه ثلاثة أقسام. القسم الأول هو الأصل والمعتمد، والذي عليه مدار الطلب، وإليه تنتهي مقاصد الراسخين.... إلى آخر كلامه رحمه الله، راجعه في [ الموافقات 1/77-78 ] وقال ابن الجوزي : في الإعلام بما ينبغي تقديمه من المحفوظات: أول ما ينبغي تقديمه مقدمة في الاعتقاد تشتمل على الدليل على معرفة الله سبحانه، ويذكر فيها ما لابد منه، ثم يعرف الواجبات، ثم حفظ القرآن، ثم سماع الحديث... إلى أخر ما قال في تقسيمه راجعه إن شئت في (الحث على حفظ العلم) لابن الجوزي، ط دار الكتب العلمية 1405 هـ، صـ 23 ــ 24.
وقد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم قوله لمعاذ حين بعثه إلى اليمن : ( إنك تقدم على قوم من أهل الكتاب، فليكن أول ما تدعوهم إلى أن يوحِّدوا الله تعالى، فإذا عرفوا ذلك فأخبرهم أن الله فرض عليهم خمس صلوات في يومهم وليلتهم، فإذا صلّوا فأخبرهم أن الله افترض عليهم زكاة أموالهم تؤخذ من غنيِّهم فتُرد على فقيرهم، فإذا أقروا بذلك فخُذ منهم وتوقَّ كرائم أموال الناس) [ متفق عليه، واللفظ للبخاري، حديث 7372 ] فدل هذا الحديث كما دلت الآيات على أن المرء يبدأ بتعلم مسائل التوحيد بما فيها تكفير الكافرين –ثم يتعلم بقية أركان الإسلام وشرائعه الأهم فالمهم . قال النووي : المطالعة بالأهم فالأهم .. [ المجموع 1/38 ]
وقد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم قوله لمعاذ حين بعثه إلى اليمن : ( إنك تقدم على قوم من أهل الكتاب، فليكن أول ما تدعوهم إلى أن يوحِّدوا الله تعالى، فإذا عرفوا ذلك فأخبرهم أن الله فرض عليهم خمس صلوات في يومهم وليلتهم، فإذا صلّوا فأخبرهم أن الله افترض عليهم زكاة أموالهم تؤخذ من غنيِّهم فتُرد على فقيرهم، فإذا أقروا بذلك فخُذ منهم وتوقَّ كرائم أموال الناس) [ متفق عليه، واللفظ للبخاري، حديث 7372 ] فدل هذا الحديث كما دلت الآيات على أن المرء يبدأ بتعلم مسائل التوحيد بما فيها تكفير الكافرين –ثم يتعلم بقية أركان الإسلام وشرائعه الأهم فالمهم . قال النووي : المطالعة بالأهم فالأهم .. [ المجموع 1/38 ]
فهؤلاء الثلة المباركة التي ينقم منها أهل الإرجاءِ والتجهم شغلهم الشاغل التوحيد والأصول، وكما هو متعارف عند أهل العلم قولهم : التوحيد ينتقل به إلى غيره، ولا ينتقل منه إلى غيره . قال أبو عبيد القاسم بن سلام : عجبتُ لمن ترك الأصول، وطلب الفضول ! [ الجامع لأخلاق الراوي : رقم 1612 ]
الوجه الثالث :
_________
_________
لا يشترط فيمن يتكلم في فنٍ من الفنون أن يكون ملماً بجميع الفنون, بل ولا يشترط أن يكون ملماً بجوانب الفن نفسه الذي يتكلم فيه .
قال ابن حزمٍ: وفي هذا الباب أيضاً بيان جلي على أن من علم شيئاً من الدين علماً صحيحاً فله أن يفتي به، وعليه أن يطلب علم ما جهل مما سوى ذلك .. وقال أيضاً: وليس جهله بما جَهِل بمانع من أن يفتي بما علم ، ولا علمه بما عَلِم بمبيح له أن يفتي فيما جهل، وليس أحد بعد النبي صلى الله عليه وسلم إلا وقد غاب عنه من العلم كثير هو موجود عند غيره، فلو لم يُفْتِ إلا من أحاط بجميع العلم لما حل لأحد من الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يفتي أصلا، وهذا لا يقوله مسلم، وهو إبطال للدين، وكفر من قائله. وفي بعثة النبي صلى الله عليه وسلم الأمراء إلى البلاد ليعلموا الناس القرآن وحكم الدين ولم يكن أحد منهم يستوعب جميع ذلك، لأنه قد كان تنزل بعدهم الآيات والأحكام .. أهـ [ أنظر الإحكام 5/127-128 ]
وقال أبو حامد الغزالي - بعدما ذكر علوم المجتهد - : دقيقة في التخفيف يغفل عنها الأكثرون : اجتماع هذه العلوم الثمانية إنما يشترط في حق المجتهد المطلق الذي يفتي في جميع الشرع، وليس الاجتهاد عندي منصباً لا يتجزأ .. ثم ذكر بعض الأمثلة التوضيحية لما قال، ومنها قوله: ومن عرف أحاديث قتل المسلم بالذمي وطريق التصرف فيه فما يضره قصوره عن علم النحو الذي يعرِّف قوله تعالى «وامسحوا برؤسكم وأرجلكم إلى الكعبين» وقس عليه ما في معناه .. أهـ [ المستصفى 2/353-354 ]
وقال الإمام ابن الصلاح - بعد ما ذكر علوم المجتهد المستقل - : إنما يُشترط اجتماع العلوم المذكورة في المفتي المطلق في جميع أبواب الشرع، أما المفتي في باب خاصٍ من العلم، نحو علم المناسك، أو علم الفرائض، أو غيرهما. فلا يشترط فيه جميع ذلك، ومن الجائز أن ينال الإنسان منصب الفتوى والاجتهاد في بعض الأبواب دون بعض .. ثم مثل لما قال بقوله : ومن عرف أصول المواريث وأحكامها جاز أن يفتي فيها، وإن لم يكن عالماً بأحاديث النكاح، ولا عارفاً بما يجوز له الفتوى في غير ذلك من أبواب الفقه. قطع بجواز هذا الغزالي، وابن بَرهان ، وغيرهما. ومنهم من منع من ذلك مُطلقاً. وأجازه أبو نصر بن الصَّبَّاغ ، غير أنه خصصه بباب المواريث. قال: لأن الفرائض لا تنبني على غيرها من الأحكام، فأما ما عداها من الأحكام فبعضه مرتبط ببعض.والأصحُّ أن ذلك لا يختص بباب المواريث، والله أعلم.) [ أدب المفتي ص 89 – 91]
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : والاجتهاد ليس هو أمراً واحداً لا يقبل التجزي والانقسام ، بل قد يكون الرجــل مجتــهـــداً في فن أو باب أو مسـألــة دون فن وباب ومســألة، وكل أحـــد فاجتهـــاده بحسب وسعه.أهـ [ مجموع الفتاوي 20/212 ]
وقال العلامة ابن القيم رحمه الله قال : الاجتهاد حالة تقبل التجزُّؤ والانقسام ، فيكون الرجل مجتهداً في نوع من العلم مقلدا في غيره، أو في باب من أبوابه. كمن استفرغ وُسعه في نوع العلم بالفرائض وأدلتها واستنباطها من الكتاب والسنة دون غيرها من العلوم ، أو في باب الجهاد أو الحج ، أو غير ذلك، فهذا ليس له الفَتْوى فيما لم يجتهد فيه، ولا تكون معرفته بما اجتهد فيه مُسَوغة له الإفتاء بما لا يعلم في غيره، وهل له أن يفتي في النوع الذي اجتهد فيه؟ فيه ثلاثة أوجه: أصحها الجواز، بل هو الصواب المقطوع به. والثاني: المنع. والثالث: الجواز في الفرائض دون غيرها.
فحجة الجواز أنه قد عرف الحق بدليله، وقد بذل جهده في معرفة الصواب، فحكمه في ذلك حكم المجتهد المطلق في سائر الأنواع.. أهـ [ اعلام الموقعين 4/216-217 ] .
فحجة الجواز أنه قد عرف الحق بدليله، وقد بذل جهده في معرفة الصواب، فحكمه في ذلك حكم المجتهد المطلق في سائر الأنواع.. أهـ [ اعلام الموقعين 4/216-217 ] .
ونقل السيوطي عن سراج الدين البلقيني قوله : المُوَلّي في واقعة معينـــة يكفيه أن يعرف الحكم فيها بطريق الاجتهاد المعلَّق بتلك الواقعة، بناء على أن الاجتهاد يتجزأ وهو الأرجح . أهـ [ الرد على من أخلد إلى الأرض ص 88 ]
بل وأعظم من هذا كله ما قاله الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى في "إعلام الموقعين":
الفائدة الثانية والعشرين : إذا عرف العامي حكم حادثة بدليلها فهل له أن يفتي به ويسوغ لغيره تقليده فيه ، ففيه ثلاثة أوجه للشافعية وغيرهم .
أحدها : الجواز لأنه قد حصل له العلم بحكم تلك الحادثة عن دليلها كما حصل للعالم ، وإن تميز العالم عنه بقوة يتمكن بها من تقرير الدليل ودفع المعارض له ، فهذا قدر زائد على معرفة الحق بدليله .
ثانيها : لا يجوز له ذلك مطلقا لعدم أهليته للاستدلال ، وعدم علمه بشرطه وما يعارضه ، ولعله يظن دليلا ما ليس بدليل .
ثالثها : إن كان الدليل كتابا أو سنة جاز له الإفتاء ، وإن كان غيرهما لم يجز ، لأن القرآن والسنة خطاب لجميع المكلفين ، فيجب على المكلف أن يعمل بما وصل إليه من كتاب ربه تعالى وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم ويجوز له أن يرشد غيره إليه ويدله عليه أ.هـ [ من باب : الخصال التي يجب أن يتصف بها المفتي 4/199 ]
أحدها : الجواز لأنه قد حصل له العلم بحكم تلك الحادثة عن دليلها كما حصل للعالم ، وإن تميز العالم عنه بقوة يتمكن بها من تقرير الدليل ودفع المعارض له ، فهذا قدر زائد على معرفة الحق بدليله .
ثانيها : لا يجوز له ذلك مطلقا لعدم أهليته للاستدلال ، وعدم علمه بشرطه وما يعارضه ، ولعله يظن دليلا ما ليس بدليل .
ثالثها : إن كان الدليل كتابا أو سنة جاز له الإفتاء ، وإن كان غيرهما لم يجز ، لأن القرآن والسنة خطاب لجميع المكلفين ، فيجب على المكلف أن يعمل بما وصل إليه من كتاب ربه تعالى وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم ويجوز له أن يرشد غيره إليه ويدله عليه أ.هـ [ من باب : الخصال التي يجب أن يتصف بها المفتي 4/199 ]
فلا يُشترط فيمن حكم على حال الناس وواقعهم وهؤلاء الحكام أن يكون من أعلم الناس ، أو أن يكون من القضاة، بل يكفيه أن يكون صاحب علمٍ بما يتكلم فيه .. روى الحاكم في مستدركه أن عمر بن الخطاب قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم عن حاطب : دعني أضرب عنق هذا فقد كفر .
وهنا سؤال نستخرج منه حكم هذه المسألة : هل كان عمر قاضياً حين تكلم بهذا الكلام ؟!
أم أنه مفتي المسلمين الذي نصبه رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟!
وكيف لعمر أن يتكلم ويصدر الأحكام في مجلسٍ فيه من هو أعلم منه ؟!
وهنا سؤال نستخرج منه حكم هذه المسألة : هل كان عمر قاضياً حين تكلم بهذا الكلام ؟!
أم أنه مفتي المسلمين الذي نصبه رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟!
وكيف لعمر أن يتكلم ويصدر الأحكام في مجلسٍ فيه من هو أعلم منه ؟!
وأنت أيها الموحد كما أنك تقول عن الكاذب بأنه كاذب، وعن السارق بأنه سارق, وعن الزاني بأنه زاني، وعن القاتل بأنه قاتل، تقول أيضاً عن المرتد بأنه مرتد، وقد صح عن نبينا صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( أنتم شهداء الله في الأرض ) [ متفق عليه ] وقال : ( فاشهدوا على المحسن بأنه محسن وعلى المسيء بأنه مسيء ) ( رواه الطبراني والبيهقي )وقد ثبت في كتاب السنة للخلال [ 5 / 95 ]، قال : أخبرني أحمد بن محمد بن مطر قال حدثنا أبو طالب قال ، قلتُ لأبي عبد الله : إنهم مرّوا بطرسوس بقبر رجل ، فقال أهل طرسوس : الكافر لا رحمه الله ، فقال أبو عبد الله : نعم فلا رحمه الله هذا الذي أسس هذا وجاء بهذا . أهـ أي القول بخلق القرآن .
قال شارح الطحاوية ص 523 : وإنما اشتهرت مقالة الجهمية من حين محنة الإمام أحمد بن حنبل وغيره من علماء السنة، فإنه في أمارة المأمون قووا وكثروا، فإنه قد أقام بخرسان مدة واجتمع بهم، ثم كتب بالمحنة من طرسوس سنة ثمان عشرة ومائتين وفيها مات . قال محقق الكتاب وفيها قبر .
قلت : وهل أهل طرسوس كلهم من العلماء ؟!
قلت : وهل أهل طرسوس كلهم من العلماء ؟!
الوجه الرابع :
________
________
إن كان أولئك المرجئة يطعنون على بعض الشباب تقصيرهم في بعض العلوم فلماذا لا يطعنون على بعض السلف مثل ذلكم ؟!
قال الحافظ الذهبي في تذكرة الحفاظ [ 3 /1031] : " فكم من إمام في فنٍّ مقصرٌ عن غيره، كسيبويه مثلاً إمامٌ في النَّحْو ولا يدري ما الحديث، ووكيع إمام في الحديث ولا يعرفُ العربية، وكأبي نوّاسٍ رأس في الشّعر عَرِيٌّ من غيره، وعبد الرحمن بن مهدي إمام في الحديث لا يدري ما الطبّ قطُّ، وكمحمد بن الحسن رأس في الفقه ولا يدري ما القراءات، وكحفص إمامٌ في القراءة تالفٌ في الحديث ". أهـ
ولا شك أن تقصير السلف في بعض العلوم لا يضيرهم في شيء، بل إن عيبهم بسبب ذلك هو عيب في العائب نفسه، ومن سمات أهل البدع تعيرهم أهل الحق بشيء من ذلك، كاللحن في النحو ونحوه ؛ قال الكوثري المبتدع في تأنيبه [ ص27 ] : وابن فارسٍ هو الإمام المشهورُ في اللُّغة، وهو الذي قال عنه المَيداني: إنَّه شَرَعَ يُصْلحُ ألفاظ الشافعيِّ، فَسُئل عن ذلك فقال: هذا إصلاحُ الفاسدَ، فَلَمّا كثُرَ عليه أنِفَ من مذهبه، وانتقل إلى مذهب مالك.أهـ
وقال الكوثري المبتدع في تأنيبه أيضاً [ ص28 ] : حكى محمد بن يحيى عن الجاحظ أنه قال: سَمِعْتُهُ - أي - الشافعي ينادي يا معشر الملاّحون، فقلت له: خَرِبَ بيتُك لَحنْتَ!
وقال الكوثري المبتدع في تأنيبه أيضاً [ ص28 ] : حكى محمد بن يحيى عن الجاحظ أنه قال: سَمِعْتُهُ - أي - الشافعي ينادي يا معشر الملاّحون، فقلت له: خَرِبَ بيتُك لَحنْتَ!
وقال أيضاً في تأنيبه [ ص27 ] : أن المبرَّد ذكر في كتاب (اللُّحْنَةَ) عن محمد بن القاسم عن الأصمعيّ قال: دخلت المدينةَ على مالك بن أنس فما هِبْتُ أحداً هيبتي له، فتكلّم فَلَحَنَ، فقال: مُطِرْنا البارَحةَ مَطَراً أي مَطَراً، فَخَفّ في عيني، فقلت: يا أبا عبد الله، قد بَلَغْتَ من العلم هذا المبلغَ فَلَو أصلحتَ من لسانك، فقال: فكيفَ لو رأيتمُ ربيعةَ؟ كُنّا نقول له: كيف أصبحت ؟ فيقول : بخيراً بخيراً.أهـ
وقال الإمام ابن عقيل رحمه الله عن أسلاف هؤلاء المرجئة الطعانين : مِنْ عجيب ما سمعتُه عن هؤلاء الأحْداث الجُهّال أنهم يقولون: أحمد – يعني ابن حنبل – ليس بفقيه، لكنّه محدِّثٌ.. أهـ [ انظر سير أعلام النبلاء للذهبي (ج11 ص321).
ليست هناك تعليقات