إن الدفاع عن المجاهدين والذب عن أعراضهم فى ظل الهجمة الشرسة عليهم من كل الاطراف المغرضة يعد هدف نبيل فى حد ذاته ولكن المشكلة ان يتحول الامر الى الدفاع عن المجاهد فى الحق والباطل وينبع أساس هذه المشكلة ان معظم الشباب المتحمس للدفاع عن المجاهدين لم يتعلموا التوحيد ولم يقرأوا فيه وقد يكتفي ببعض المقالات التي كتبها أشخاص منتسبين للتيار الجهادي وقد لا يقرأ معتبرا نفسه يتبع أئمة الجهاد وعلماء الثغور ويقتدي بخطاهم ويهتدي بهداهم وقد يعتبرهم معصومين لا يأتيهم الباطل من بين يديهم ولا من خلفهم فيكتفي بتقليدهم فى دينهم فان واجه احدهم بأن المجاهد الفلاني قد يكون اخطأ فى مسألة من المسائل الخطيرة فتجده يبحث وينقب وينبش فى الكتب لا لمعرفة الحق ولكن ليجد شيئ ينفي به التهمة عن المجاهد فلا يكون هدفه البحث عن الحق مجردا وانما يكون فى هذه الحالة يكون يبحث عن الاقوال المتشابهة فى كتب الأئمة ليدافع عن الباطل فيتبع هواه ويصدق فيه قول الله تعالي "أفرأيت من اتخذ إلهه هواه وأضله الله على علم"
وأصل هذه المشكلة هو ثقته العمياء فى الشخص الذي يتبعه ويقلده وأدلة ذم التقليد كثيرة جدا وهنا ليس مجال لحصرها وأكتفي بقول الامام مالك "انما انا بشر يخطي ويصيب فانظروا فى رأيي فكل ما وافق الكتاب والسنة فخذوه , وكل ما لم يوافق الكتاب والسنة فاتركوه" وقول الامام الشافعي رحمه الله "أجمع المسلمون على أنه من استبانت له سنة رسول الله صلي الله عليه وسلم لم يكن له أن يدعها لقول أحد" وهذا قول كل الأئمة رحمهم الله فى مسالة التقليد واتفقوا على ان المقلد ليس بعالم بل هو جاهل ولكن ما يثار فى نفس هذا الشخص ضعيف العلم انه يقول وهل من المعقول ان هؤلاء المجاهدين الذبن تركوا متاع الدنيا وعاشوا فى الجبال والكهوف للقتال فى سبيل الله هل من المعقول ان يخالفون السنة! بالتأكيد هم يتبعونها وانا اتبعهم اذا انا اتبع السنة , ويستقر هذا القول فى قلبه ويستحسنه عقله ويعيش مقلدا جاهلا يدافع عن شخص لا يدري هل يدافع عنه بالحق ام بالباطل!
والتاريخ يثبت لنا خطأ هذه النظرية فالجهاد ليس عاصما من الخطأ بل من الشرك كذلك فها هو السلطان محمد الفاتح وهو من أشهر سلاطين الدولة العثمانية، ومدة حكمه 31 سنة: 1) فإنه بعد فتحه للقسطنطينية سنة 857 هـ، كشف موقع قبر (أبي أيوب الأنصاري) رضي الله عنه وبنى عليه ضريحاً، وبنى بجانبه مسجداً وزين المسجد بالرخام الأبيض وبنى على ضريح أبي أيوب قبة، فكانت عادة العثمانيين في تقليدهم للسلاطين أنهم كانوا يأتون في موكب حافل إلى هذا المسجد ثم يدخل السلطان الجديد إلى هذا الضريح ثم يتسلم سيف السلطان (عثمان الأول) من شيخ (الطريقة المولوية) . 2) وهذا السلطان هو أول من وضع مبادئ (القانون المدني) (وقانون العقوبات) فأبدل العقوبات البدنية الشرعية الواردة في الكتاب والسنة - أي السن بالسن والعين بالعين بالعين - وجعل عوضها الغرامات النقدية بكيفية واضحة أتمها السلطان سليمان القانوني . 3) كما أصدر قانوناً - عُمِل به بعده - وهو أن كل سلطان يلي السلطة يقتل كل إخوته !! حتى يسلم له العرش . فهذا السلطان بالرغم من فتحة العظيم لم يسلم من الوقوع فى ثور من الشرك
أنظر (الدولة العثمانية دولة إسلامية مفترى عليها) 1/64. أنظر (تاريخ الدولة العلية) ص 177، و(فتح القسطنطينية ومحمد الفاتح) ص 177.
وقد قال الله سبحانه وتعالي للرسول صلي الله عليه وسلم " وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ" فان كان هذا القول للرسول المعصوم –حاشاه ان يشرك- يقول له الله سبحانه وتعالي لئن أشركت ليحبطن عملك من دعوة وجهاد ورسالة , فكيف بمن هم دونه فكيف بمن هم بشر يصيبون ويخطئون؟!
الجهادي العاطفي هو شخص يدخل على المواقع الاجتماعية وغالبا ما يسمي نفسه على إسم أحد المجاهدين المشهورين ويقوم بنشر الاناشيد الجهادية الحماسية وفيديوهات وصور المجاهدين واخبارهم عن طريق القص واللزق و يسمي نفسه "سلفي جهادي" ثم ينام قرير العين وقد فعل ما عليه تجاه الإسلام
المشكلة هي ان الدعوة للقتال أصبحت تأخذ حجما اكبر من التوحيد وأصبح الدين هو القتال و الولاء والبراء على التقال وليس على التوحيد فبرغم عظمة الجهاد وانه ذروة سنام الاسلام الا انه لا شيئ يعلوا فوق التوحيد والدعوة له فكما اختزل بعض الناس الاسلام فى الدعوة السلمية فقط وقالوا انه لا جهاد فى هذا العصر فان هناك فريق اخر اختزل الاسلام فى القتال فقط حتي انه نسي دعوة التوحيد فاصبحت الدعوة للقتال لتحرير أرض والدفاع عن أرواح الناس واعراض النساء وهي اهداف نبيلة لا شك فى ذلك ولكن أين دعوة التوحيد من كل ذلك؟ قال ابن تيمية رحمه الله: (وهاتان السبيلان الفاسدتان؛ سبيل من انتسب إلى الدين ولم يكمله بما يحتاج إليه من السلطان والجهاد والمال، وسبيل من أقبل على السلطان والمال والحرب ولم يقصد بذلك إقامة الدين هما سبيل المغضوب عليهم والضالين) [الفتاوى: ج28/ص348].
فان الذين اختزلوا الدين فى القتال فقط واهملوا دعوة التوحيد عملهم هذا خلاف ما سار عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، مع أن قتال الكفار مطلوب ، ولكن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عندما كان بين الكفار ، بيّن لهم الحق وتحمل الأذى في ذلك وصبر وصبّر أصحابه كما في البخاري من حديث خباب رضي الله عنه قال : أتيت النبي صلى الله عليه وسلم وهو متوسد بردة وهو في ظل الكعبة وقد لقينا من المشركين شدة فقلت : يا رسول الله ألأ تدعو الله لنا ؟ فقعد وهو محمر وجهه فقال : " لقد كان من قبلكم ليمشط بمشاط الحديد ما دون عظامه من لحم أو عصب ما يصرفه ذلك عن دينه ويوضع المنشار على مفرق رأسه فيشق اثنين ، ما يصرفه ذلك عن دينه ، وليتمن الله هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت ما يخاف إلا الله والذئب على غنمـه ولكنكم قوم تستعجلـون " ( الفتح جـ 6 ص 619 وجـ 7 ص 164 ) . فانظر إلى هديه صلى الله عليه وآله وسلم صبّرهم وضرب لهم الأمثلة بمن قبلهم فلم يثبـطهم ولم يدفع بهم للمواجهة في هذه الحالة ، ولكنه أخبرهم عن هذا الأمر وظهوره . وهذا قد بينه ابن القيم في النونيه قال :
وإذا هم حملـوا عليك فـلا تكن ... فزعـا لحملتهم ولا بجبـان واثبت ولا تحمل بلا جنـد فمـا ... هذا بمحمود لدى الشجعـان فإذا رأيت عصابة الإسـلام قـد ... وافت عساكرها مع السلطان فهناك فاخترق الصفوف ولا تكن ... بالعاجز الواني ولا الفزعـان
وقال الله لرسوله كما في صحيح مسلم : " استخرجهم كما استخرجوك وجاهد بمن أطاعك من عصاك ". فظهر أنه إذا وجدت الطاعة بعد تميز عصابة الإسلام فهناك يكون القتال ، وهذا معنى البيث الثالث والرابع من كلام ابن القيم رحمه الله .
فالرسول صلي الله عليه وسلم لم يتعجل فى القتال حتي تظهر دعوة التوحيد ويعرف الناس أن المعركة بين الاسلام و الجاهلية وبين التوحيد والشرك وتتميز عصابة الإسلام ويكون له قوة وشوكة كما ذكر ذلك ابن القيم رحمه الله فى نونيته فلو تعجل الرسول صلي الله عليه وسلم فى بداية الدعوة بالقتال مع المشركين قبل تميز الصفوف لظن الناس ان هذه معركة قبائلية مثل معارك الجاهلية المعتادة او ربما يكون تمرد داخلي فى قبيلة يتم مواجهته ولكن صبر الرسول صلي الله عليه وسلم بوحي إلهي حتي اتاه الامر بالقتال
وفعل ذلك الامام المجدد محمد بن عبد الوهاب رحمه الله فى دعوته , فقد بدا رحمه الله بنهي الناس عن الشرك وجهر بدعوته ونشرها وفى النهاية استخدم القتال والجهاد والسيف لتحطيم الطواغيت ونشر الدعوة بعد ان تميزت عصابة الاسلام وظهر الراية الواضحة الجلية التي يقاتل تحتها المسلمون ولم يفرق رحمه الله بين الجهاد والدعوة للتوحيد فقال رحمه الله :"إنما عودينا من أجل القتال والتكفير" [من كلام الشيخ فى رسائله فى الدرر السنية]
المشكلة ان معظم الحركات الجهادية الآن لا تفعل ذلك وان كانت تقاتل من اجل تحكيم الاسلام ولكنا لا تميز الاسلام عن الشرك ولا يدعون الى التوحيد ويعذرون المشركين بل قد ينهون الناس عن تعلم التوحيد وخصوصا مسألة الكفر بالطاغوت التي هي أصل العروة الوثقي "لا إله الا الله" فانهم يقولون لا يتكلم فيها الا العلماء ولا تكفرون الا من كفره العلماء واشياء ما انزل الله بها من سلطان بدون أى ادلة فلا يدرك الناس الكفر من الاسلام !! و يرون أن التبرؤ من المشركين وإظهار عداوتهم والصدع بالحق فيه حرج ومشقة ومانع من انتشار الدعوة ويسبب تنفير الناس عنها !!
ونحن نقول أنه بخلاف ما يتصورون ، لأن الله قد رفع عنا الحرج وأمرنا بهذا الأصل ، ولو كان فيه حرج ما أمرنا به ، واسمع إلى قوله تعالى : ( وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيداً عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ ) [الحج : 78].
فملة إبراهيم هي ملة نبينا صلى الله عليه وآله وسلم وهي ملتنا وهي أسوة نبينا وأسوتنا ، كما قال تعالى : ( قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَـرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُـمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَـاءُ أَبَداً حَتَّى تُؤْمِنُـوا بِاللَّـهِ وَحْدَهُ ) [الممتحنة : 4]. فظهر مما تقدم أن ملة إبراهيم عليه السلام هي البراءة من الشرك وأهله ومفارقتهم ومقاطعتهم ولم يقل إبراهيم عليه السلام مثلما يقولـون اليوم - نخشى الفتنة - (أَلا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا ) . بل إنه عليه السلام أُمسك به وأُلقي في النار وهو صامد لا يتراجع ولا يداهن ..
فان كان الناس الواقعون فى الشرك معذورين بالجهل جدلا كما تدعون فهل تركهم على جهلهم افضل؟ ام نسعي لرفع هذا الجهل عن الناس كي يظهر لهم الحق والتوحيد ليتبعوه؟ فان قلتم ننتظر حتي يتم التمكين ثم ندعو الناس للتوحيد نقول لكم عكستم الأية فالرسول صلي الله عليه وسلم دعي الناس الى التوحيد اولا ثم بعد ذلك كان الجهاد والقتال وهذا ما سار عليه الأئمة بعد ذلك
فيقول الله سبحانه وتعالي " وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم " فكان شرط التمكين الايمان بالله , فالجهاد ان لم يكن عن ايمان كامل بالله لا يشوبه شرك لا يؤدي الى تمكين الدين وان أدي الي نصر عسكري او حربي ولنا فى الدولة التركية عبرة
ونقول لهم : إن الطائفة الناجية التي ذكرها النبي صلى الله عليه وآله وسلم من صفاتها أنها ظاهرة على الحق وليست مختفية مستترة ، والرسول صلى الله عليه وآله وسلم كان مظهرا لدعوته مجاهرا بدينه ومصرحا بمعاداة الكفار والتبرئ منهم علنا .. وهي ملة إبراهيم عليه السلام ولذلك أوذي وأصحابه وأخرجوا .. ولا اتحدث هنا عن معاداة أمريكا واسرائيل فقط بل يتضمن ذلك مدعي الاسلام والمرتدين ممن وقعوا فى الشرك الاكبر ولكن اغلب الحركات الجهادية تقبل فى صفوفها المرتدين بدعوي انها فى حاجة الى عدد او انها تخشي تنفير الناس وغيرها من الحجج والرسول صلى الله عليه وآله وسلم كان فرقا بين الناس، وأصحابه كذلك يقولون لربهم يوم القيامة كما في البخاري ( فارقنا الناس ونحن أشد حاجة إليهم )
ويغر الناس زيادة شعبية المجاهدين حتي فى أوساط المشركين فيعجبون بالمجاهدين ويدافعون عنهم وهذا يفتن قادة المجاهدين أكثر وهذا ما قال عنه الله سبحانه وتعالي " وإن كادوا ليفتنونك عن الذي أوحينا إليك لتفتري علينا غيره وإذا لاتخذوك خليلا ولولا أن ثبتناك لقد كدت تركن إليهم شيئا قليلا إذا لأذقناك ضعف الحياة وضعف الممات ثم لا تجد لك علينا نصيرا "
فالخلاصة : (1) أن من تبرأ من الشرك وأهله وصرح بذلك وأظهر لهم العداوة ، فليستعد لعداوة مردة أهل الأرض ، وتلك ملة - إبراهيم عليه السلام . (2) من جرد المتابعة لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في الأقوال والاعتقادات والأفعال ، حاربه من استبدلوا بهذا المنهج أقوال الرجال.
فأدعوا الشباب المهتم بالجهاد متحمس له أن قرا أولا التوحيد ويعرفه ويسعي فى نفسه للبحث عن الحق المجرد وليكن الأصل اتباع الدليل من القرآن والسنة ولا تتركهم لقول أحد كائن من كان ثم بعد ذلك وطن نفسك على قدح الجهال وازدرائهم ورميهم لك بتكفير الناس ، وسينفر عنك علماء السوء ما استطاعوا ويسمّونك بأسماء شتى ، فيسمونك عند الحكّام خارجي ، ليقتلوك فيخلوا لهم المجال كما قال إخوة يوسف ، و يسمونك عند العلماء ظاهري ولا يحملك بغضهم على رد ما جاءوا به من الحق ، فقد قال معاذ بن جبل رضي الله عنه ( خذ الحق ممن جاء به فإن الحق عليه نور ) .
واعلم أن النور هو الدليل من الكتاب والسنة الثابتة
قال رسول الله صلي الله عليه وسلم "قد تركتكم على البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها بعدي إلا هالك"
والله من وراء القصد وهو يهدي السبيل، وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم .
ليست هناك تعليقات