فاعلم أنه لا إله إلا الله
في تفسير حديث رسول الله والذي رواه عبادة بن الصامت رضي الله عنه:
( من شهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له, وأن محمداً عبده ورسوله وأن عيسي عبد الله ورسوله, وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه, والجنة حق والنار حق, أدخله الله الجنة على ما كان من العمل. أخرجاه ).
قال الشيخ عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ رحمه الله:
_______________________________________
( قوله ( من شهد أن لا إله إلا الله ) أي من تكلم بها عارفاً لمعناها, عاملاً بمقتضاها, باطناً وظاهراً, فلا بد في الشهادتين من العلم واليقين والعمل بمدلولها كما قال الله تعالي " فاعلم أنه لا إله إلا الله " وقوله " إلا من شهد بالحق وهم يعلمون " أما النطق بها من غير معرفة لمعناه ولا يقين ولا عمل بما تقتضيه – من البراءة من الشرك وإخلاص القول والعمل – قول القلب واللسان, وعمل القلب والجوارح – فغير نافع بالإجماع.
قال القرطبي في المفهم على صحيح مسلم: باب لا يكفي مجرد التلفظ بالشهادتين بل لابد من استيقان القلب, هذه الترجمة تنبيه على فساد مذهب غلاة المرجئة, القائلين بأن التلفظ بالشهادتين كافٍ في الإيمان. وأحاديث هذا الباب تدل على فساده. بل هو مذهب معلوم الفساد من الشريعة لمن وقف عليها. ولأنه يلزم منه تسويغ النفاق, والحكم للمنافق بالإيمان الصحيح وهو باطل قطعيا ً. أ.هـ
وفي هذا الحديث ما يدل على هذا. وهو قوله( من شهد ) فإن الشهادة لا تصح إلا إذا كانت عن علم ويقين وإخلاص وصدق أ.هـ
فتح المجيد في شرح كتاب التوحيد صـ 40 – 41.
-وفي قرة عيون الموحدين في شرح نفس هذا الحديث الشريف :
وقال
( وقد تضمنت هذه الكلمة العظيمة نفياً وإثباتاً. فنفت الألوهية عن كل ما سوى الله بقولك ( لا إله ) وأثبتت الألوهية لله بقولك ( إلا الله ) قال تعالى " شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولوا العلم قائماً بالقسط لا إله إلا هو العزيز الحكيم " فكم ضل بسبب الجهل بمعناها من ضل وهم الأكثرون." أ. هـ
قرة عيون الموحدين للشيخ عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ.
-وقال الشيخ عبد الرحمن بن حسن "لا يصح لأحد إسلام إلا بمعرفة ما دلت عليه هذه الكلمة- أي كلمة التوحيد- من نفي الشرك في العبادة والبراءة منه وممن فعله ومعاداته وإخلاص العبادة لله وحده لا شريك له والموالاة في ذلك"
-قال الشيخ عبد الرحمن بن حسن في القرة تعليقا على حديث معاذ حين بعثه النبي صلى الله عليه وسلم إلى اليمن فقال له " إنك تأتي قوما من أهل الكتاب فليكن أول ما تدعوهم إليه شهادة أن لا إله إلا الله " وفي رواية "إلى أن يوحدوا الله " الحديث .
قال الشيخ رحمه الله "قوله '' فليكن أول ما تدعوهم إليه شهادة أن لا إله إلا الله '' وكانوا يقولونها لكنهم جهلوا معناها الذي دلت عليه من إخلاص العبادة لله وحده وترك عبادة ما سواه فكان قولهم لا إله إلا الله لا ينفعهم لجهلهم بمعنى هذه الكلمة كحال أكثر المتأخرين من هذه الأمة فإنهم كانوا يقولونها مع ما كانوا يفعلونه من الشرك بعبادة الأموات والغائبين والطواغيت والمشاهد فيأتون بما ينافيها فيثبتون ما نفته من الشرك باعتقادهم وقولهم وفعلهم وينفون ما أثبتته من الإخلاص كذلك .
ونذكر كلاما يكتب بماء الذهب للشيخ إسحاق بن عبد الرحمن بن حسن حيث قال" قال محمد بن عبد الوهاب '' ومجرد الإتيان بلفظ الشهادة من غير علم بمعناها ولا عمل بمقتضاها لا يكون به المكلف مسلما بل هو حجة على ابن آدم خلافا لمن زعم أن الإيمان مجرد الإقرار" .
فعلم أن من أتى بلفظ الشهادة وهو يجهل معناها ولا يعمل بمقتضاها لا يكون بذلك مسلما ومن هنا نعرج إلى مسألة التقليد فالمقلد جاهل قال تعالى عن المشركين" قالوا إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مقتدون" فلم يعذرهم ربنا تبارك وتعالى هنا .فالمقلد كما أسلفت جاهل وجاهل التوحيد كافر
قال عبد الرحمن بن حسن " فلا إله إلا الله هي كلمة الإسلام لا يصح إسلام أحد إلا بمعرفة ما وضعت له ودلت عليه وقبوله والإنقياد للعمل به وهي كلمة الإخلاص المنافي للشرك وكلمة التقوى" .
-وقال سليمان بن عبد الله " قوله (من شهد أن لا إله إلا الله " أي من تكلم بهذه الكلمة عارفا لمعناها عاملا بمقتضاها باطنا وظاهرا كما دل عليه قوله "فاعلم أنه لا إله إلا الله "(محمد19) وقوله "إلا من شهد بالحق وهم يعلمون" ( الزخرف 86) أما النطق بها من غير معرفة لمعناها ولا عمل بمقتضاها فإن ذلك غير نافع بالإجماع وفي الحديث ما يدل على هذا وهو قوله " من شهد" إذ كيف يشهد وهو لا يعلم ومجرد النطق بشيء لا يسمى شهادة به... ".
-وقال الشيخ حافظ بن أحمد حكمي في شرح شروط العلم كأحد شروط شهادة التوحيد لا إله إلا الله :
( الأول: ( العلم ) بمعناها المراد منها نفياً وإثباتاً المنافي للجهل بذلك قال الله عزوجل " فاعلم أنه لا إله إلا الله " وقال تعالى: " إلا من شهد بالحق وهم يعلمون "أي بلا إله إلا الله " وهم يعلمون " بقولهم معني ما نطقوا به بألسنتهم . وقال تعالى: " شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولوا العلم قائماً بالقسط لا إله إلا هو العزيز الحكيم".
وقال تعالى: " قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون, إنما يذكر أولوا الألباب " وقال تعالى " إنما يخشى الله من عبادة العلماء " وقال تعالى " وتلك الأمثال نضربها للناس, وما يعقلها إلا العالمون " وفي الصحيح عن عثمان رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( من مات وهو يعلم أنه لا إله إلا الله دخل الجنة ). ) أ.هـ معارج القبول بشرح سلم الوصول إلى علم الأصول في التوحيد. للشيخ حافظ بن أحمد حكمي جـ 1 صـ 308 ط. جماعة إحياء التراث.
هـــذا وقد كتب الشيخ محمد بن عبد الوهاب – رحمه الله – في الرد على أحد المجادلين عن المشركين في ذلك المعنى ما يلي :
( لكن العجب العجاب استدلاله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دعا الناس إلى قول لا إله إلا الله ولم يطالبهم بمعناها, وكذلك أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فتحوا البلاد الأعاجم وقنعوا منهم بلفظها ... إلى آخر كلامه, فهل يقول هذا من يتصور ما يقول؟
فنقول: أولاً هو الذي نقض كلامه وكذبه بقوله: دعاهم إلى ترك عبادة الأوثان. فإذا كان لم يقنع منهم إلا بترك عبادة الأوثان تبين أن النطق بها لا ينفع إلا بالعمل بمقتضاها وهو ترك الشرك وهذا هو المطلوب).
ثم يقول :
( وأما دعواه أن الصحابة لم يطلبوا من الأعاجم إلا مجرد هذه الكلمة ولم يعرفوهم بمعناها فهذا قول من لا يفرق بين دين المرسلين ودين المنافقين الذين هم في الدرك الأسفل من النار.
فإن المؤمنين يقولونها والمنافقين يقولونها, ولكن المؤمنون يقولونها مع معرفة قلوبهم بمعناها وعمل جوارحهم بمقتضاها, والمنافقون يقولونها من غير فهم لمعناها ولا عمل بمقتضاها.
فمن أعظم المصائب وأكبر الجهل من لا يعرف الفرق بين الصحابة والمنافقين! لكن هذا – أي المجادل – لا يعرف النفاق ولا يظنه في أهل زماننا بل يظنه في زمان رسول الله وأصحابه, وأما زمانه فصلح بعد ذلك .. وياويح هذا القائل ما أجرئه على الله وما أجهله بقدر الصحابة وعلمهم حيث ظن أنهم لا يعلمون الناس لا إله إلا الله. أما علم هذا الجاهل أنهم يستدلون بها على مسائل الفقه فضلاً عن مسائل الشرك؟.
تاريخ نجد. من رسائل شيخ الإسلام. الرسالة الرابعة صـ 254 – 255 .
ليست هناك تعليقات