معنى أن التوحيد هو أصل الدين
1- أن التوحيد هو أول شيء يفعله المشرك ليدخل في الإسلام فهو الباب الوحيد الذي يدخل منه الناس في دين الله. فأي إنسان مهما كانت ملته ودينه لكي يصير مسلما لا بد أن يأتي بالتوحيد أول شيء. والدليل على ذلك أن الرسل كلهم أول ما بدأوا به هو التوحيد
2- والتوحيد هو الأساس الذي يُبنى عليه الدين، وكل شرائع الدين تأتي بعد التوحيد، فبدون توحيد لا يصح شيء من الدين لا الصلاة ولا الزكاة ولا الصوم ولا الحج ولا الجهاد ولا غيرها، والدليل قوله تعالى: (وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلا يُظْلَمُونَ نَقِيراً) (النساء:124) وقوله (وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُوراً) (الاسراء:19)
وقوله: (فَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلا كُفْرَانَ لِسَعْيِهِ وَإِنَّا لَهُ كَاتِبُونَ) (الانبياء:94) فَشَرَطَ الإيمان لقبول الأعمال الصالحة والتوحيد هو أصل الإيمان. وقال تعالى: (وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ) (الزمر:65) فالشرك يناقض التوحيد ويهدمه ومن فقد التوحيد لم يُقبل له عمل. وقال تعالى: (مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَنْ يَعْمُرُوا مَسَاجِدَ اللَّهِ شَاهِدِينَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ أُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ وَفِي النَّارِ هُمْ خَالِدُونَ) (التوبة:17). والأدلة على ذلك كثيرة.
3- وأيضاً ، معنى أن التوحيد أصل الدين أن كل دين لم يُبْنَ على التوحيد فهو باطل وليس هو بالإسلام الذي يريده الله عز وجل وإن ادَّعى صاحبه أنه على الإسلام، فالمسلم من وحَّد الله وعبده وحده ولم يشرك به شيئا. وليس الإسلام مجرد ادعاء وانتساب إلى نِحلة معينة، وأيضا ليس الإسلام مجرد قول لا إله إلا الله، بل الإسلام استسلام وخضوع لله وحده بعبادته وحده والكفر بما يعبد من دونه بالقول والعمل، قول القلب واللسان وعمل القلب والجوارح.
4- وأيضاً، معنى أن التوحيد هو أصل الدين أنه هو الحد الفاصل بين الكفر والإسلام، وهو العَلَمُ المميز بين المسلمين وغيرهم ، فلا تجد مسلما ليس عنده توحيد هذا يستحيل. وقد تجد من يزعم أنه مسلم وليس عنده توحيد ولكن هذا مجرد زعم وأُمنية يتمناها ولكن الحقيقة أنه ليس بمسلم. قال تعالى: (لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ وَلا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيّاً وَلا نَصِيراً * وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلا يُظْلَمُونَ نَقِيراً *وَمَنْ أَحْسَنُ دِيناً مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلا ) (النساء:123: 124: 125)
قال ابن كثير رحمه الله: والمعنى في هذه الآية أن الدين ليس بالتحلي ولا بالتمني ، ولكن ما وقر في القلوب وصدقته الأعمال ، وليس كل من ادَّعى شيئا حصل له بمجرد دعواه ، ولا كل من قال إنه هو على الحق سُمِع قوله بمجرد ذلك ، حتى يكون له من الله برهان ، ولهذا قال تعالى (ليس بأمانيكم ولا أماني أهل الكتاب من يعمل سوءا يجز به) أي ليس لكم ولا لهم النجاة بمجرد التمني ، بل العبرة بطاعة الله سبحانه وإتباع ما شرعه على ألسنة الرسل الكرام. انتهى
5- وأيضا، معنى أن التوحيد هو أصل الدين أنه أول ما يجب أن ندعو الناس إليه فإن حققوه دعوناهم لما بعده من الصلاة وغيرها، وإن لم يحققوه قولا وعملا فلا داعي للحديث معهم عن الصلاة وغيرها فبدون توحيد سواء أدّوا الصلاة أو تركوها فهم كفار لا يقبل الله منهم عملا. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لمعاذ لما بعثه إلى اليمن:
عن بن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث معاذا رضي الله عنه إلى اليمن فقال: ادعهم إلى شهادة أن لا إله إلا الله وأني رسول الله فإن هم أطاعوا لذلك فأعلمهم أن الله قد افترض عليهم خمس صلوات في كل يوم وليلة فإن هم أطاعوا لذلك فأعلمهم أن الله افترض عليهم صدقة في أموالهم تؤخذ من أغنيائهم وترد على فقرائهم .
وفي رواية أخرى: ((فليكن أول ما تدعوهم إلى أن يوحدوا الله تعالى فإذا عرفوا ذلك فأخبرهم أن الله فرض عليهم خمس صلوات)) وهاتان الرويتان في البخاري وغيره
وفي رواية لمسلم: ((فليكن أول ما تدعوهم إليه عبادة الله عز وجل فإذا عرفوا الله فأخبرهم أن الله فرض عليهم خمس صلوات.....)) .
قال ابن حجر في فتح الباري: ويجمع بينها بأن المراد بعبادة الله توحيده ، وبتوحيده الشهادة له بذلك ولنبيه بالرسالة ، ووقعت البداءة بهما لأنهما أصل الدين الذي لا يصح شيء غيرهما إلا بهما ، فمن كان منهم غير موحد فالمطالبة متوجهة إليه بكل واحدة من الشهادتين على التعيين ، ومن كان موحدا فالمطالبة له بالجمع بين الإقرار بالوحدانية والإقرار بالرسالة ، وإن كانوا يعتقدون ما يقتضي الإشراك أو يستلزمه كمن يقول ببنوة عزير أو يعتقد التشبيه فتكون مطالبتهم بالتوحيد لنفي ما يلزم من عقائدهم.انتهى
ولا يتم لهم الدخول في هذا الدين ولا يصح منهم إلا باعتقاد بطلان ما هم عليه من الشرك والضلال ، وتركه ، والبراءة منه.
وأخبره عليه السلام أن من أجابه إلى ذلك فلْيُعلمه شعائر الإسلام وما ينبغي عليه ، ويبدأ بالأهم فالأهم ، ولا يتعدى إلى الثاني حتى يلتزموا الأول ، ولا ينتقل إلى الثالث حتى يلتزموا الثاني؛ أما من خالف في الأول ( الشهادتين) فلا يكون من المسلمين فلا فائدة من أمره بشرائع الإسلام وتعليمه إياها.
ليست هناك تعليقات