هذه بعض صور الشرك التي ذكرها الله عز وجل في كتابه والتي هي الآن صور حية في واقعنا المعاصر
بسم الله الرحمن الرحيم
هذه بعض صور الشرك التي ذكرها الله عز وجل في كتابه، والتي هي الآن صور حية في واقعنا المعاصر، يفعلها أكثر من يدَّعي الإسلام ويقول لا إله إلا الله، ونشاهدها ونسمع بها في جميع البلدان التي تدّعي الإسلام فضلاً عن غيرها، حتى أنه لا يخلو قطر من الأقطار من مزاولة أهله للشرك الأكبر وعبادتهم غير الله. ومنها:
-- عبادة القبور والأضرحة وتعظيم أهلها والغلو فيهم وتقديس الأشجار والأحجار والتبرك بالعيون والآبار. فما يفعله المشركون اليوم حول القبور والأضرحة وما يعتقدونه فيها هو عين الشرك الذي ذمه الله عز وجل في كتابه. قال تعالى: (وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللّهِ مَا لاَ يَضُرُّهُمْ وَلاَ يَنفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلاء شُفَعَاؤُنَا عِندَ اللّهِ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللّهَ بِمَا لاَ يَعْلَمُ فِي السَّمَاوَاتِ وَلاَ فِي الأَرْضِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ) يونس:18.
وقال عز وجل: (أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَاء مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ) الزمر:3. وقال تعالى: (لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِهِ لاَ يَسْتَجِيبُونَ لَهُم بِشَيْءٍ إِلاَّ كَبَاسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى الْمَاء لِيَبْلُغَ فَاهُ وَمَا هُوَ بِبَالِغِهِ وَمَا دُعَاء الْكَافِرِينَ إِلاَّ فِي ضَلاَلٍ) الرعد:14. وقال تعالى: (وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِن قِطْمِيرٍ * إِن تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ) فاطر:13-14.
-- اتخاذ الأحبار والرهبان أرباباً من دون الله، ومثله اليوم في هذا الزمان تقديم أقوال الرجال على كتاب الله وسنة رسوله والتحاكم إليها عند الاختلاف والرد إليها عند النزاع ونَبْذُ كلام الله وراء الظهور حتى آل الأمر إلى أن صار علماء اليوم عند أتباعهم أرباباً من دون الله كما كان أحبار النصارى واليهود ورهبانهم أرباباً من دون الله بما حللوا وحرموا من دون الله عز وجل. قال تعالى: (اتَّخَذُواْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِّن دُونِ اللّهِ) التوبة:31. وقال تعالى: (وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَاباً مِّن دُونِ اللّهِ) عمران:64. وقوله تعالى: (وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ) الأنعام:121. وقوله جل وعلا: (أَمْ لَهُمْ شُرَكَاء شَرَعُوا لَهُم مِّنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَن بِهِ اللَّهُ) الشورى:21.
فلكل طائفة من طوائف الأمة اليوم علماؤهم الذين يزينون الباطل والشرك والفساد، ويُضِلُّون عوام الناس ويفتونهم بما يخالف كتاب الله وسنة رسوله، وأكثر الناس لهم تبع. كل طائفة تقدس علماءها ويطيعونهم من دون الله ويقدمون أقوالهم على كتاب الله ويعتمدون عليها في الاحتجاج. فمن علماء الفتنة من يدافع عن شرك الصوفية وضلالهم، ويزين منهجهم ويستدل على باطلهم، ويضلل من خالفهم ويبدع من حاربهم، ويربت على أكتافهم أنهم هم المسلمون المتمسكون بما كان عليه الأقدمون. ومن علماء السوء من يزين للناس ما يفعله الحكام من الكفر البواح ومحادَّاة الله ورسوله؛ من الحكم بقوانين الكفر وموالاة أعداء الله ومحاربة أوليائه، ويكسيه رداء الشريعة ويأمر الناس بطاعتهم وعدم الخروج عليهم بحجة أنهم أولياء الأمور ، وأن فعلهم هذا كفر دون كفر. ومنهم من يستحل محارم الله لأجل مصلحة البلاد كمن يستحل المعاملات الربوية، والبرامج الإذاعية اللاشرعية، وخروج المرأة وسفورها والاختلاط بالرجال، وموالاة أعداء الله والانضمام لهم... إلى غير ذلك. ومنهم من يحرم ما أحل الله بل ما أوجبه من مجاهدة أعداء الله والشدة عليهم ومقاطعتهم. ومنهم من يضلل أهل الحق ودعاة التوحيد ويحاربهم ويوشي بهم إلى الحكام وينفِّر الناس منهم. ومنهم من يجمع بين الشرك والإسلام وموالاة أعداء الله والإيمان. ويصف فاعل الشرك الأكبر بالإسلام ويعذر من فعل الشرك جاهلا به ومقلداً لغيره ويسمى ذلك عقيدة السلف. إلى غير ذلك من طوائف الضلال وفرق الشرك الذين تلبسوا بنوع من الشرك واتخذوه ديناً اتباعاً منهم لعلمائهم الذين صيروهم أرباباً من دون الله.
-- الخضوع لغير الله، وطاعة الحكام فيما لم يأذن به الله، والحكم بأحكام الجاهلية والتحاكم إليها، وفصل الدين عن الحكم وإبعاده عن السياسة، وسن التشريعات ووضع القوانين، ونبذ الشريعة والاعتراض عليها، وقبول شرع الكفار واستحسانه وفرضه على الناس. وكل هذا الشرك والكفر منتشر في سائر أقطار الأرض التي تدعي الإسلام وغيرها، وهو صريح في منازعة حق رب العالمين الخالص له وحده في الطاعة والحكم والتشريع؛ إذ لا حكم إلا حكمه، ولا شرع إلا شرعه، ولا دين إلا دينه ولا طاعة لمخلوق يخالف أمره، ولا قدسية ولا أحقية ولا اعتبار إلا لما أتى من عنده وأنزل به سلطانه وفرض على الخلق إتباعه. وهل شرط العبودية الخالصة إلا قبول شرع الله ورفض ما سواه؟!
قال تعالى: (فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجاً مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيماً) النساء:65. وقال تعالى: (إنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلّهِ) يوسف:40. وقال: (وَلَا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَداً) الكهف:26. وقال: (أَفَغَيْرَ اللّهِ أَبْتَغِي حَكَماً) الأنعام:114. وقال جل ثناؤه: (أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللّهِ حُكْماً لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ) المائدة:50. وقال الملك الحق: (اتَّبِعُواْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ وَلاَ تَتَّبِعُواْ مِن دُونِهِ أَوْلِيَاء قَلِيلاً مَّا تَذَكَّرُونَ) الأعراف:3. وقال أيضاً: (أَمْ لَهُمْ شُرَكَاء شَرَعُوا لَهُم مِّنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَن بِهِ اللَّهُ) الشورى:21. وقوله تعالى: (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُواْ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَن يَتَحَاكَمُواْ إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُواْ أَن يَكْفُرُواْ بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُضِلَّهُمْ ضَلاَلاً بَعِيداً) النساء:60. وقال تعالى: (ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِّنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاء الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ) الجاثية:18. وقال تعالى: (وَأَنِ احْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَن يَفْتِنُوكَ عَن بَعْضِ مَا أَنزَلَ اللّهُ إِلَيْكَ) المائدة:49. تأمل قوله: (عَن بَعْضِ مَا أَنزَلَ اللّهُ إِلَيْكَ) المائدة:49.
وادعُ الله أن يرفع عن قلبك أقفال الشرك والكفر إن كنت ممن يخضع لهؤلاء الحكام ويدين لهم بالولاء، وقال جل وعلا: (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ) النور:51. وقال: (إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَن يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا) النور:51. وإذا أردت أن يتبين لك هذا النوع من الشرك والذي قبله؛ فتأمل قول الله تعالى في حق الكافرين الذين حق عليهم العذاب بسبب شركهم وكفرهم هذا، واسمع إلى صراخهم وهم في النار: (قَالُوا وَهُمْ فِيهَا يَخْتَصِمُونَ تَاللَّهِ إِن كُنَّا لَفِي ضَلَالٍ مُّبِين إِذْ نُسَوِّيكُم بِرَبِّ الْعَالَمِينَ) الشعراء:96-98. أي نجعل أمركم مطاع كما يطاع أمر رب العالمين. وكذلك ما ورد في قوله تعالى: (يَقُولُونَ يَا لَيْتَنَا أَطَعْنَا اللَّهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولَا وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا) الأحزاب:67. يقول ابن كثير رحمه الله: [أي اتبعنا السادة وهم الأمراء والكبراء من المشيخة وخالفنا الرسل واعتقدنا أن عندهم شيء وأنهم على شيء فإذ هم ليسوا على شيء]. انتهى.
-- تعظيم رايات الكفر وشعارات الكفار، واحترام قوانينهم الوضعية، ومبادئهم ونظرياتهم الكفرية، والاعتراف بشرعية هيئاتهم ومؤسساتهم ومنظماتهم كمنظمة الأمم المتحدة الكافرة، ومؤسسات الدفاع عن حقوق الإنسان والحريات المدنية وفق ما وضعوه واصطلحوا عليه من الشرع الفاسد والمنهج الباطل, وكذلك الاعتراف بالقوانين الدولية المعمول بها في المجالات الرياضية والتي تخالف تعاليم ديننا الحنيف وهي مما شرعه الكفار وعظموه وخضعوا له وتحاكموا إليه؛ ومن ذلك تعظيم شعارات وأزياء وأسماء الفرق والأندية الدولية وصرف الولاء والبراء والحب والنصرة لها. ومن الكفر المبين أيضاً الاعتراف بمبدأ حرية الصحافة والدعاية والإعلام والفن والتمثيل، واحترام حرية الأديان بالمفاهيم المعمول بها دولياً، والتي هي من مذهب الكفار وشرع أهل الجاهلية ودين أهل الإلحاد والفساد. ويدخل في ذلك سائر أنظمة الجاهلية وأحكام أهل الكفر والإلحاد واعتقاداتهم وتصوراتهم ومبادئهم ونظرياتهم ومناهجهم في الحياة والتي لا تستند على ما شرعه الله وأحبه وأراده، بل هو مما تهواه نفوسهم وتنتجه أفكارهم القاصرة الفاسدة الضالة، ومما يناسب رغباتهم ويحقق مصالحهم وأهدافهم، وما يريدون ويهدفون إلا لما قال الله عز وجل: (الَّذِينَ يَسْتَحِبُّونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى الآخِرَةِ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجاً أُوْلَئِكَ فِي ضَلاَلٍ بَعِيدٍ) إبراهيم:3. فهم يكرهون الاستقامة ويكرهون منهج الله، ولا يريدون أن يظهر الإسلام، ولا أن يسيِّر الحياة, وذلك لأنهم ما يريدون إلا الحياة الدنيا وهم بالآخرة هم كافرون.
والمسلم يجب عليه أن يبرأ إلى الله منهم ومن دينهم وأعمالهم وأنظمتهم وسياستهم وجميع ما هم عليه من الضلالات والجهالات. ويجب أن يكون موقفه في ذلك واضحاً صريحاً ثابتاً قوياً كما بينه له ربه ومولاه وسنه له رسوله صلى الله عليه وسلم قال تعالى: (قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ ....... لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِين) سورة الكافرون.
قال تعالى: (وَإِن كَذَّبُوكَ فَقُل لِّي عَمَلِي وَلَكُمْ عَمَلُكُمْ أَنتُمْ بَرِيئُونَ مِمَّا أَعْمَلُ وَأَنَاْ بَرِيءٌ مِّمَّا تَعْمَلُونَ)يونس:41.
قال تعالى: (فَأَعْرِضْ عَن مَّن تَوَلَّى عَن ذِكْرِنَا وَلَمْ يُرِدْ إِلَّا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا. ذَلِكَ مَبْلَغُهُم مِّنَ الْعِلْمِ..) النجم:29-30. وقال عز وجل: (إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعاً لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ) (الأنعام:159) .
ولهذا كان أساس هذا الدين العظيم إفراد الله عز وجل بالطاعة والخضوع والاستسلام، والعباد كلهم في هذا الركن العظيم سواء، وليس لأحد أن يقدم طاعة مخلوق على طاعة الله، وتأمل ذلك في دعوة القرآن لأهل الكتاب للدخول في الإسلام وهو قوله تعالى: (قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْاْ إِلَى كَلَمَةٍ سَوَاء بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ) آل عمران:64. ثم بين مدلول هذه الكلمة التي يجب أن يستوي تحتها جميع الناس، فقال: (أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللّهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً) آل عمران:64. فهذا هو مدلول كلمة التوحيد "لا إله إلا الله"، ثم خص نوعاً من الشرك بالذكر وشرط اجتنابه وهو ما كان ظاهراً في أهل الكتاب، حيث قال: (وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَاباً مِّن دُونِ اللّهِ) آل عمران:64. قال ابن جريج: [يعني يطيع بعضنا بعضاً في معصية الله]. وذلك لأن بني إسرائيل كانوا يتبعون علماءهم في ما حرموه وحللوه من دون الله.
فجاء الإسلام ليخرج الناس من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد، ويحررهم من عبودية البشر ويساوي بينهم في العبادة ليكونوا جميعاً عباداً لرب واحد لا إله غيره، لا يتبعون إلا شرعه ولا يطيعون إلا أمره، ولا يحكمون إلا بحكمه، فما قاله هو الحق، وما حكم به هو العدل، وما أمر به فهو المصلحة، وما نهى عنه فهو عين المفسدة.
وما كان في بداية الإسلام شرطاً في التوحيد فهو اليوم شرط لأن الدين فطرة الله التي فطر الناس عليها ولا تبديل لخلق الله. فلا يكون إسلام اليوم إلا برفض ما شرعه الأمراء والحكام وعلماؤهم من الدين الذي لم يأذن به الله وما حرموه وحللوه من دون الله، والخروج عن كافة النظم والقوانين الوضعية والمناهج الغربية الباطلة، والكفر بأحكام الجاهلية، واعتقاد بطلان جميع الجهات التشريعية التي أعطت لنفسها أحقية وضع القوانين و اللوائح الدستورية، ورفض كل ما كان من عند غير الله من أمور العقائد والمعاملات والتنظيمات والقيم والتصورات والأخلاق وفى جميع مجالات الحياة.
ولقد قيّد الشرع الحكيم طاعة الأمراء والحكام بما كان طاعةً لله، وشرط رسول الله صلى الله عليه وسلم طاعتهم بأمرين هما:
1. أن يقوم في الناس بكتاب الله، ولا يأمرهم بمعصية الله.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "..وَلَوْ اسْتُعْمِلَ عَلَيْكُمْ عَبْدٌ يَقُودُكُمْ بِكِتَابِ اللَّهِ فَاسْمَعُوا له وَأَطِيعُوا " رواه مسلم وغيره.
وقال عليه السلام: "... فاسمعوا له وأطيعوا ما أقام فيكم كتاب الله". رواية الترمذي والنسائي.
وقال صلى الله عليه وسلم: ".. لَا طَاعَةَ في مَعْصِيَةِ اللَّهِ إنما الطَّاعَةُ في الْمَعْرُوفِ" رواه البخاري ومسلم وغيرهما.
2. أن يكون الحاكم مسلماً، فإذا أظهر الكفر وجب الخروج عليه.
ففي صحيح البخاري وغيره عن عُبادة بن الصامت رضي الله عنه قال: دعانا النبي صلى الله عليه وسلم فبايعناه ... إلى أن قال ... "وأن لا ننازع الأمر أهله إلا أن تروا كفرا بواحاً عندكم من الله فيه برهان".
ومن المعلوم أن الإمام ما جعل إلا ليقوم به الدين ويجتمع به الشمل، فإذا ما خرج عن الدين فلا إمامة له، ولهذا كان من أعظم شروط الإمام أن يكون مسلماً؛ لأنه لا ولاية لكافر على مسلم قال تعالى: (وَلَن يَجْعَلَ اللّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً) النساء:141. وقال تعالى: (وَالَّذينَ كَفَرُواْ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ) الأنفال:73.
وحُكامُ اليوم لم يقودوا الناس بكتاب الله ولم يحكموا فيهم بما أنزل الله بل بحكم الجاهلية وقوانين الكفار وشرع الغرب الفاسد وقد نبذوا كتاب الله ورفضوا الحكم به وبدلوا أحكامه.
فطاعة الحكام لازمة ماداموا على الإسلام فإذا أظهروا الكفر وجب الخروج عليهم وقتالهم وخلع يد الطاعة منهم. وكفر الحكام اليوم بواحٌ ظاهر، وليس من حكومات الدول التي تزعم الإسلام اليوم حكومة إسلامية؛ لأن المنهج الذي اتخذته في الحكم هو إبعاد الدين عن السياسة وحصره في مجال ضيق لا يتناول جميع جوانب الحياة، والأحكام والقوانين السائدة والمعمول بها في أكثر جوانب الحياة اليومية هي أحكام وضعية وقوانين دوليه مقتبسة من قوانين أهل الكفر والإلحاد، وكذلك فإن ولاءهم للكفار لا يخفى على من له عقل.
ولأن في الحديث اشتراط أن يكون الكفر بواحاً وعندنا فيه من الله برهان نذكر ما ظهر منهم من الكفر البواح و البرهان عليه من كتاب الله.
1) وضع القوانين وسن التشريعات التي لا تمت للإسلام بصلة، بل هي من آرائهم وأهوائهم الباطلة. وهذا كفر بواح. قال تعالى: (أَمْ لَهُمْ شُرَكَاء شَرَعُوا لَهُم مِّنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَن بِهِ اللَّهُ) الشورى:21. وهو من أعظم الشرك برب العالمين إذ ليس لأحد الحق في أن يشرع للناس شيئاً من دون الله. وقال تعالى: (سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُواْ لَوْ شَاء اللّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلاَ آبَاؤُنَا وَلاَ حَرَّمْنَا مِن شَيْءٍ) الأنعام:148. فتأمل كيف قرنه الله بالشرك في العبادة حيث قال: (وَلاَ حَرَّمْنَا مِن شَيْءٍ). وهذا هو شرك التشريع ووضع الأحكام. وقال تعالى: (اتَّخَذُواْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِّن دُونِ اللّهِ) التوبة:31. فوَصْفُ الأحبار والرهبان بالأرباب من دون الله سببه ما صُرف لهم من الطاعة فيما شرعوه للناس من دون الله.
2) الحكم بين الناس بأحكام الجاهلية وتحكيمها في أكثر جوانب الحياة السياسية والاقتصادية والعسكرية والاجتماعية والتنظيمية وغيرها. والله تعالى يقول: (أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ) المائدة:50. يقول بن كثير رحمه الله: [ينكر تعالى على من خرج عن حكم الله المحكم المشتمل على كل خير الناهي عن كل شر وعدل إلى سواه من الآراء والأهواء والاصطلاحات التي وضعها الرجال بلا مستند من شريعة الله كما كان أهل الجاهلية يحكمون به من الضلالات والجهالات مما يصنعونها بآرائهم وأهوائهم وكما يحكم به التتار من السياسات الملكية المأخوذة من ملكهم جنكيز خان الذي وضع لهم الياسق وهو عبارة عن كتاب مجموع من أحكام قد أقتبسها من شرائع شتى من اليهودية والنصرانية والملة الإسلامية وغيرها وفي كثير من الأحكام أخذها من مجرد نظره وهواه فصارت في بنية شرعاً متبعاً يقدمونها على الحكم بكتاب الله وسنة رسوله فمن فعل ذلك فهو كافر يجب قتاله حتى يرجع إلى حكم الله ورسوله فلا يحكم سواه في قليل ولا كثير] ا.هـ.
ويقول تعالى: (فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ) النساء:65.
وقال تعالى: (إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ)يوسف: من الآية40.
وقال: (وَلا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَداً) الكهف: من الآية26.
3) الإيمان بالطاغوت والذي يظهر في صورة قبول شرع الكفار والحكم بأحكامهم وتحكيمها والتحاكم إليها ووضعها في الدستور وتقديسها وإعطائها الشرعية في التطبيق والحماية القانونية. والله عز وجل يقول: (فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىَ) البقرة:256. وقال تعالى: (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُواْ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَن يَتَحَاكَمُواْ إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُواْ أَن يَكْفُرُواْ بِهِ) النساء:60. وفي صحيح مسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من قال لا إله إلا الله وكفر بما يعبد من دون الله حرم ماله ودمه وحسابه على الله". يقول شيخ الإسلام بن تيميه رحمه الله في رسالته حكم من بدل شعائر الله: [ومعلوم بالاضطرار من دين المسلمين وباتفاق جميع المسلمين أن من سوغ إتباع غير دين الإسلام أو إتباع شريعة غير شريعة محمد صلى الله عليه وسلم فهو كافر] ا.هـ.
4) طاعة الكفار فيما يريدون من الكفر وموافقتهم وموالاتهم والركون إليهم وتعظيم طواغيتهم وتقديس ورفع راياتهم وإعانتهم على كفرهم وتحقيق غاياتهم والسعي في تنفيذ مطالبهم وقراراتهم.
5) محاربة الإسلام، والصد عن سبيل الله، وكراهية الحق، والمنع من جهاد الكفار، ومحاربة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وموافقة الكفار بمحاربة ما يسمونه الإرهاب.
6) الإيمان بالديمقراطية وقبولها وموافقة الكفار عليها ونشرها والتمكين لها.
إلى غير ذلك من الكفر والشرك والضلال الذي أظهره حكام اليوم ونصروه ودعوا الناس إليه وحاربوا من أنكره أو خالفه ودافعوا عنه بالمال والرجال والسلاح، وهو مما انتشر وعم وطم، ولا يخفى على من نظر إلى حقائق الأمور، ولم يغتر بزخارف الباطل، ولم يخدعه زيف المظاهر، ولم يُسلم قياده إلى من أعمى الله بصرهم وبصائرهم ممن باعوا دينهم لحكامهم وأرضوا طواغيتهم وأسخطوا ربهم. فقد جاء في مسند الإمام أحمد عن أبي الدرداء أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن أخوف ما أخاف عليكم الأئمة المضلون". وقال تعالى: (وَإِنَّ كَثِيراً لَّيُضِلُّونَ بِأَهْوَائِهِم بِغَيْرِ عِلْمٍ) الأنعام:119.
وقال جل وعلا: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّ كَثِيراً مِّنَ الأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللّهِ) التوبة:34.
والحمد لله رب العالمين
ليست هناك تعليقات