عقيدة التوحيد التي ندين الله
مما يجب أن يعلمه الناس في هذا الزمان أن عقيدة التوحيد التي ندين الله بها ليست عقيدة مستحدثه وإن خالفت أكثر عقائد الناس اليوم بل هي ملة إبراهيم الحنيف التي أمر الله رسوله بإتباعها حيث قال: (ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) النحل:123. وهي الأسوة الحسنة التي جعلها الله لنا في أنبيائه حيث قال تعالى: (قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاء أَبَداً حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ) الممتحنة:4.
إن هذه الأسوة الحسنة هي بيان لما ينبغي أن يكون عليه كل من يحمل عقيدة التوحيد ويدين بكلمة الإخلاص، فيجب عليه أن يعلن براءته التامة من المشركين ومما يعبدون من دون الله من الآلهة والأوثان والأصنام والطواغيت، وأن يظهر العداوة والبغضاء لأهل الشرك ويفاصلهم على ذلك، ويلتزم بذلك ما داموا على شركهم حتى يؤمنوا بالله وحده ويتركوا ما كانوا به مشركين، وهذا ما أمر الله بالاجتماع عليه والتمسك به والدعوة إليه في قوله جل وعلا: (شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحاً وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيه) الشورى:13. ثم قال تعالى: (فَلِذَلِكَ فَادْعُ وَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ) الشورى:15.
فما جاء به نوح عليه السلام من الدين المتمثل في عبادة الله وحده وترك عبادة الأوثان هو نفس ما دعا إليه إبراهيم خليل الرحمن، وما جاء به موسى وعيسى، وهو أول ما دعا إليه خاتم الأنبياء والمرسلين. فكلهم اجتمعوا على دين واحد وهو الإسلام، وإن اختلفت شريعة كل نبي ومنهاجه عن الآخر، كما قال تعالى: (لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجاً) المائدة:48. مع قوله:(أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيه) الشورى:13.
وما صار به الناس فريقين في عهد نوح عليه السلام، صار به الناس فريقين في عهد رسولنا صلى الله عليه وسلم، وكذلك الناس اليوم فريقان، فأهل التوحيد فريق بأنفسهم تأبى عليهم عقيدة التوحيد أن يجتمعوا مع من خالفهم من أهل الشرك الذين هم فريق بأنفسهم مع من والاهم.
وما صار به الرجل مسلماً في عهد نوح من عبادة الله وحده وطاعة رسوله والبراءة من الشرك والمشركين هو ما يكون الرجل به مسلماً في كل الأزمان.
قال تعالى حكاية عن إبراهيم عليه السلام: (وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَن نَّعْبُدَ الأَصْنَام * رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيراً مِّنَ النَّاسِ فَمَن تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ) إبراهيم:35-36.
فهذه الآية تدل على براءة إبراهيم عليه السلام ممن فعل الشرك وعبد غير الله، وأن من اتبعه على التوحيد فهو من أهل دينه المسلمين. وهذه الآية ذكرها الله عز وجل احتجاجاً على كفار قريش الذين ينتسبون إلى إبراهيم عليه السلام والى البيت العتيق مع ما هم عليه من الشرك والضلال .
فالإتباع في أصل الدين القويم وهو التوحيد هو علامة كون الرجل من المسلمين لا مجرد الانتساب مع المخالفة في ذلك، ولهذا قال تعالى: (لَّيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ) النساء:123. إلى قوله: (وَمَنْ أَحْسَنُ دِيناً مِّمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لله وَهُوَ مُحْسِنٌ واتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً) النساء:125. فالإخلاص والإتباع هما شرط صحة الدين الذي لا يقبل الله من العباد دين سواه.
وعليه فإننا ندين الله عز وجل بما دان به إبراهيم عليه السلام وما جاءنا به نبينا صلى الله عليه وسلم من الإسلام الذي أصله وأساسه كلمة الإخلاص لا إله إلا الله، والمتمثل معناها في عبادة الله وحده وترك عبادة ما سواه، قال تعالى: (فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىَ) البقرة:256.
وإننا نعتقد أن الإسلام لا يتحقق إلا بترك الشرك والبراءة من أهله، وهو ليس مجرد قول لا إله إلا الله نطقاً باللسان مع عدم معرفة معناها والعمل بمقتضاها وما دلت عليه من الإخلاص لله تعالى والبراءة من الشرك وأهله.
ليست هناك تعليقات