معنى إظهـــــار الدين
بسم الله الرحمن الرحيم
1. قال الشيخ حمد بن علي بن عتيق رحمه الله " و أمّا المسألة الرابعة و هي إظهار الدين فإن كثيرا من النّاس قد ظن أنه قادر على أن يتلفظ بالشهادتين و أن يصلي الصلوات الخمس و لا يُرد عن المسجد فقد أظهر دينه و إن ذلك بين المشركين و في أماكن المرتدين و قد غلطوا في ذلك أقبح الغلط.
فاعلم أن الكفر أنواع و أقسام تتعدد بتعدد المكفرات وقد تقدم بعض ذلك و كل طائفة من طوائف الكفران اشتهر عندها نوع منه و لا يكون المسلم مظهرا لدينه حتى يخالف كل طائفة بما اشتهر عندها و يصرح لها بعداوته و البراءة منه فمن كان كفره بالشرك فإظهار الدين عنده التصريح بالتوحيد و النهي عن الشرك و من كان كفره بجحد الرسالة فإظهار الدين عنده التصريح بأن محمدا رسول الله صلى الله عليه و سلم و الدعوة إلى اتباعه و من كان كفره بترك الصلاة فإظهار الدين عنده فعل الصلاة و الأمر بها و من كان كفره بموالاة المشركين و الدخول في طاعتهم فإظهار الدين عنده التصريح بعداوته و البراءة منه و من المشركين .
و بالجملة فلا يكون مظهرا لدينه إلا ّ من صرّح لمن ساكنه من كل كافر ببراءته منه و أظهر له عداوته لهذا الشيء الذي صار به كافرا و براءته منه و لهذا قال المشركون للنبي صلى الله عليه و سلم :" عاب ديننا و سفه أحلامنا و شتم آلهتنا … و قال الله تعالى :
{قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ * لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ… }. [ الكافرون ] . فأمر الله رسوله صلى الله عليه وسلم أن يقول للكفار " دينكم الذي أنتم عليه أنا بريء منه و ديني الذي أنا عليه أنتم برأء منه و المراد التصريح لهم بأنهم على الكفر و أنه بريء منهم و من دينهم .
{قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ * لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ… }. [ الكافرون ] . فأمر الله رسوله صلى الله عليه وسلم أن يقول للكفار " دينكم الذي أنتم عليه أنا بريء منه و ديني الذي أنا عليه أنتم برأء منه و المراد التصريح لهم بأنهم على الكفر و أنه بريء منهم و من دينهم .
فمن كان متبعا للنبي صلى الله عليه و سلم فعليه أن يقول ذلك و لا يكون مظهرا لدينه إلا بذلك و لهذا لمّا عمل الصحابة بذلك و آذاهم المشركون أمرهم النبي صلى الله عليه و سلم بالهجرة إلى الحبشة و لو وجد لهم رخصة في السكوت على المشركين لما أمرهم بالهجرة إلى بلد الغربة [ مجموعة التوحيد : ج 1 / ص 366 ]
_______________________________________________________
2. و قال الشيخ العلامة إسحاق بن عبد الرحمن آل الشيخ رحمه الله
_______________________________________________________
2. و قال الشيخ العلامة إسحاق بن عبد الرحمن آل الشيخ رحمه الله
" قال بعض المحققين : و يكفي العاقل قوله تعالى : {يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُّحْضَراً وَمَا عَمِلَتْ مِن سُوَءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَداً بَعِيداً وَيُحَذِّرُكُمُ اللّهُ نَفْسَهُ}. [ آل عمران : 30 ] . قد حكى ابن كثير رحمه الله الإجماع على أن تارك الهجرة عاص مرتكب محرما على ترك الهجرة و لا يكفي بغضهم بالقلب بل لا بد من إظهار العداوة و البغضاء قال تعالى :
{ قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ…}. الآية : [ الممتحنة : 4 ].
{ قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ…}. الآية : [ الممتحنة : 4 ].
فانظر إلى هذا البيان الذي ليس بعده بيان حيث قال : {وَبَدَا بَيْنَنَا}: أي ظهر ، هذا هو إظهار الدين فلابد من التصريح بالعداوة و تكفيرهم جهارا و المفارقة بالبدن و معنى العداوة أن تكون في عدوة و الضد في عدوة و أصل البراءة المقاطعة بالقلب و اللسان و البدن و قلب المؤمن لا يخلو من عداوة الكافر و إنمّا النزاع في إظهار العداوة فإنها قد تخفى لسبب شرعي و هو الإكراه مع الاطمئنان و قد تخفى العداوة من مستضعف معذورعذره القرآن و قد تخفى لغرض دنيوي و هو الغالب على أكثر الخلف و هذا و إن لم يظهر منه موافقة .
و دعوى من أعمى الله بصيرته و زعم أن إظهار الدين هو عدم منعهم من أن يتعبد أو يدرس دعوى باطلة ، فزعمه مردود عقلا وشرعا ، و ليَهنَ من كان في بلاد النصارى و المجوس و الهند ذلك الحكم الباطل ، لأن الصلاة و الأذان و التدريس موجود في بلدانهم ، و هذا إبطال للهجرة و الجهاد و صدّ النّاس عن سبيل الرشاد عقيدة الموحدين : ص 192
_______________________________________________________
3. و قال الشيخ محمد بن عبد اللطيف آل الشيخ رحمه الله
و دعوى من أعمى الله بصيرته و زعم أن إظهار الدين هو عدم منعهم من أن يتعبد أو يدرس دعوى باطلة ، فزعمه مردود عقلا وشرعا ، و ليَهنَ من كان في بلاد النصارى و المجوس و الهند ذلك الحكم الباطل ، لأن الصلاة و الأذان و التدريس موجود في بلدانهم ، و هذا إبطال للهجرة و الجهاد و صدّ النّاس عن سبيل الرشاد عقيدة الموحدين : ص 192
_______________________________________________________
3. و قال الشيخ محمد بن عبد اللطيف آل الشيخ رحمه الله
" … و كذلك تزعم أنك تظهر دينك و تسب المشركين فهذه طامة كبرى و مصيبة عظمى قد دهى الشيطان كثيرا من النّاس من أشباهك و أمثالك فغلطهم في إظهار الدين و ظننتم أنّه مجرد الصلوات الخمس و الأذان و الصوم و غير ذلك و أنكم إذا جلستم في بعض المجالس الخاصة قلتم :هؤلاء كفار هؤلاء مشركين و ليس معهم من الدين شيء و أنهم يعلمون أنا نبغضهم و أنّا على الطريقة الوهابية و تظنون أن هذا هو إظهار الدين فأبطلتم به وجوب الهجرة .
فليس الأمر كما زعمتم فإنّ الله سبحانه ذكر في كتابه المراد بإظهار الدين و أنّه ليس ما توهمتم فقال لنيبه صلى الله عليه و سلم {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ * لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ… }. [ الكافرون ] . فأمره أن يقول لهم إنكم كافرون و إنه بريء من معبوداتهم و أنهم بريؤون من عبادة الله و هو يقول :{وَلَا أَنتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ} ، و قوله : {لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ}. تصريح بالبراءة من دينهم الذي هو الشرك و تمسك بدينه الذي هو الإسلام .
فمن قال للمشركين في مجالسهم و محافلهم و غشاهم به فقد أظهر دينه و قال تعالى : {قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ …}. الآية
قال شيخنا محمد بن عتيق رحمه الله : " فأخبر الله تعالى على جميع المرسلين أنّهم تبرؤوا من الشرك و المشركين فإن معنى قوله : { وَالَّذِينَ مَعَهُ }: أي المرسلين ، و قوله : { وَبَدَا } : أي ظهر و بان ، و هذا هو الواجب أن تكون العداوة و البغضاء ظاهرة يعلمها المشركون من المسلم و تكون مستمرة "ا.هـ
و قال تعالى : { قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِن كُنتُمْ فِي شَكٍّ مِّن دِينِي … }.الآية : [ يونس : 104 ] . فمن صرح لهم بذلك فقد أظهر دينه ، و صرّح بالعداوة ، و هذا هو إظهار الدين ، لا كما يظنه الجهلة من أنه إن تركه الكفار و خلّو بينه و بين أن يصلي و يقرأ القرآن و يشتغل بما شاء من النوافل أنه يصير مظهرا لدينه هذا غلط فاحش ، فإن من يصرح بالعداوة للمشركين و البراءة منهم لا يتركونه بين أظهرهم بل إمّا قتلوه و إمّا أخرجوه إن وجدوا إلى ذلك سبيلا كما ذكره الله عن الكفار.قال تعالى : { وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُواْ لِرُسُلِهِمْ لَنُخْرِجَنَّـكُم مِّنْ أَرْضِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا }. [ إبراهيم : 13 ] . و قال إخبارا عن قوم شعـــيب :
{لَنُخْرِجَنَّكَ يَا شُعَيْبُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَكَ مِن قَرْيَتِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا }. [ الأعراف : 88 ] . و ذكر عن أهل الكهف أنهم قالوا : {إِنَّهُمْ إِن يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ يَرْجُمُوكُمْ أَوْ يُعِيدُوكُمْ فِي مِلَّتِهِمْ وَلَن تُفْلِحُوا إِذاً أَبَداً }. [ الكهف : 20 ] . و هل اشتدت العداوة بين الرسل و قومهم إلاّ بعد التصريح بمسبة دينهم و تسفيه أحلامهم و عيب آلهتهم " الدرر السنية : ج 8 / ص 433
________________________________________________________
4. و سئل أبناء شيخ الإسلام رحمهم الله و عفا عنهم عن السفر إلى بلاد المشركين للتجارة ؟ فأجابوا بما حاصله
4. و سئل أبناء شيخ الإسلام رحمهم الله و عفا عنهم عن السفر إلى بلاد المشركين للتجارة ؟ فأجابوا بما حاصله
" أنه يحرم السفر إلى بلاد المشركين إلاّ إذا كان المسلم قويا له منعة يقدر على إظهار دينه و إظهار الدين تكفيرهم و عيب دينهم و الطعن عليهم و البراءة منهم و التحفظ من مودتهم و الركون إليهم و اعتزالهم و ليس فعل الصلوات فقط إظهار الدين
و قول القائل : إنّا نعتزلهم في الصلاة و لا نأكل ذبيحتهم حسن لكن لا يكفي في إظهار الدين وحده بل لابد ممّا ذكر ء المصدر السابق ج:8 / ص 412
________________________________________________________
و قول القائل : إنّا نعتزلهم في الصلاة و لا نأكل ذبيحتهم حسن لكن لا يكفي في إظهار الدين وحده بل لابد ممّا ذكر ء المصدر السابق ج:8 / ص 412
________________________________________________________
5. قال الشيخ الإمام حمد بن عتيق رحمه الله : وإذا كانت الدار؛ دار إسلام، لأي شيء لم تدعوهم إلى الإسلام وتأمرهم بهدم القباب واجتناب الشرك وتوابعه.
فإن يكن قد غركم أنهم يصلون ويحجون أو يصومون ويتصدقون، فتأملوا الأمر من اوله؛ وهو أن التوحيد قد تقرر في مكة بدعوة إسماعيل بن إبراهيم الخليل عليهما السلام، ومكث أهل مكة عليه مدة من الزمن، ثم فشا فيهم الشرك بسبب عمرو بن لحي وصاروا مشركين، وصارت البلاد؛ بلاد شرك، مع أنه قد بقي معهم أشياء من الدين، وكما كانوا يحجون ويتصدقون على الحاج وغير الحاج، وقد بلغكم شعر عبد المطلب الذي اخلص فيه قصة الفيل، وغير ذلك من البقايا، ولم يمنع الزمان ذلك من تكفيرهم وعداوتهم.
بل الظاهر عندنا وعند غيرنا؛ أن شركهم اليوم أعظم من ذلك الزمان.
بل قبل هذا كله؛ أنه مكث أهل الأرض بعد آدم عشرة قرون على التوحيد، حتى حدث فيهم الغلو في الصالحين، فدعوهم مع الله؛ فكفروا، فبعث الله إليهم نوحاً عليه السلام يدعو إلى التوحيد، فتأمل ما قص الله عنهم.
وكذا ما ذكر عن هود عليه السلام؛ أنه دعاهم إلى اخلاص العبادة لله، لأنهم لم ينازعوه في أصل العبادة.
وكذلك؛ إبراهيم دعا وقومه إلى اخلاص التوحيد، وإلا فقد أقروا لله بالآلهية.
وجماع الأمر؛ أنه إذا ظهر في بلد دعاء غير الله وتوابع ذلك، واستمر أهلها عليه وقاتلوا عليه، وتقررت عندهم عداوة أهل التوحيد وأبوا عن الانقياد للدين، فكيف لا يحكم عليها بأنها بلد كفر؟! ء ولو كانو لا ينتسبون لأهل الكفر، وأنهم منهم بريئون، مع مسبتهم لهم، وتخطئتهم لمن دان به، والحكم عليهم بأنهم خوارج أو كفار، فكيف إذا كانت هذه الأشياء كلها موجودة ء [مجموع الرسائل والمسائل النجدية | ج: 1 / ص: 742 ء 746]
ليست هناك تعليقات