Header Ads

رد على المخطئين في المسألة الاستشفاع و السؤال الميت الدعا





بسم الله الرحمن الرحيم  
إن طلب الدعاء من الأموات شرك أكبر بلا أدنى شك فى ذلك ، و ما نُقل عن الإمام ابن تيمية من أقوال يُستدل بها على أن طلب الدعاء من الأموات ليس بشرك أرى أن الجواب عليها لابد و أن يكون من خلال محورين رئيسيين ، 

فالأول منهما يتعلق بجانب التعامل الصحيح مع مثل هذه المسائل وإثبات الحق فيها من خلال تفهم حقيقتها وجوهرها ، فأقول فيه : على ماذا بُنى الحكم بأن طلب الدعاء من الأموات ليس بشرك أكبر ؟ حيث أنى لم أجد إلا فهوم لنقولات عن ابن تيمية ، أُسئ فهمها ففُهمت بفهم ناقلها لها لا بمراد الإمام منها ، ولم أجد دليل شرعى واحد واضح صريح يخرج ( طلب الدعاء من الأموات ) من دائرة الشرك الأكبر ،  فمثل هذه المسائل العظام لا يصح أبدا أن يكون مبناها على مجرد بعض ما تشابه من أقوال أهل العلم دون حتى الجمع بينه وبين غيره الواضح الصريح ليزال به اللبس و الإشتباه .

لذلك فإنى أقول : اعلم هداك الله إلى الحق و إلى معرفة سبله التى بها تتحقق الهداية ، أن التعامل الصحيح مع مثل هذه المسائل الخطيرة - التى قد يشتبه أمرها فلا يُستطاع تحديد أى الجانبين أولى بإلحاقها به هل جانب الشرك الأكبر أم جانب التوسل البدعى غير المكفر - يبدأ بخطوة وهى : تفهم ماهية شرك الوساطة والشفاعة كيف يكون وكيف يقع وتفهم لماذا صار شركا ، فتستطيع بعدها أن تحكم على أى مسألة اشتبهت فى نظرك هل هى منه وتلحق به أم لا ؟ ؛ لأن وقتها سيكون معك حقيقته التى لا تغيب عن ذهنك مهما تنوعت وتغيرت وتنكرت صوره وأشكاله وصيغه وطرقه ، وقد سبق أن ذكرت حقيقة هذا الشرك ولماذا صار شركا فى المواضع التى أشرت إليها فى أول مشاركة لى فى هذا الموضوع ، وخاصة ما جاء فى مشاركة ( لماذا طلب الشفاعة من الأموات يُعد شركٌ بالله العظيم لا يغفره الله على الرغم من قصد المشركين تعظيم الله به ؟) من موضوع واقعنا المعاصر تحت المنظار الشرعى ، وأنقل لكم منها نقلا هاما عن الإمام ابن تيمية الذى فُهم عنه ما فُهم ، يقول فى مجموعة الفتاوى 383:380/14 فى سياق حديثه عن توحيد الألوهية كلاما فيه جوابا بليغا على هذا السؤال الهام :  ( وهذا التوحيد هو الفارق بين الموحدين و المشركين و عليه يقع الجزاء و الثواب فى الأولى و الآخرة فمن لم يأت به كان من المشركين الخالدين فإن الله لايغفر أن يشرك به و يغفر ما دون ذلك لمن يشاء . أما توحيد الربوبية فقد أقر به المشركون و كانوا يعبدون مع الله غيره و يحبونهم كما يحبونه فكان ذلك التوحيد الذي هو توحيد الربوبية حجة عليهم فإذا كان الله هو رب كل شيء و مليكه و لا خالق و لا رازق إلا هو فلماذا يعبدون غيره معه ؟! و ليس له عليهم خلق و لا رزق ، و لا بيده لهم منع و لا عطاء بل هو عبد مثلهم لا يملك لنفسه ضرا و لانفعا و لا موتا و لا حياة و لا نشورا . فإن قالوا ليشفع ، فقد قال الله " من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه " فلا يشفع من له شفاعة من الملائكة و النبيين إلا باذنه ، و أما قبورهم و ما نصب عليها من قباب و أنصاب أو تماثيلهم التى مثلت على صورهم مجسدة أو مرقومة فجعل الاستشفاع بها استشفاعا بهم فهذا باطل عقلا و شرعا فإنها لا شفاعة لها بحال و لا لسائر الأصنام التى عملت للكواكب و الجن و الصالحين و غيرهم . وإذا كان الله لا يشفع أحد عنده إلا بإذنه ولا يشفعون إلا لمن ارتضى : فما بقي الشفعاء شركاء كشفاعة المخلوق عند المخلوق ، فإن المخلوق يشفع عنده نظيره - أو من هو أعلى منه أو دونه - بدون إذن المشفوع إليه ، ويقبل المشفوع إليه ولا بد شفاعتهإما لرغبته إليه أو فيما عنده من قوة أو سبب ينفعه به أو يدفع عنه ما يخشاه وإما لرهبته منه وإما لمحبته إياه وإما للمعاوضة بينهما والمعاونة وإما لغير ذلك من الأسباب . وتكون شفاعة الشفيع : هي التي حركت إرادة المشفوع إليه وجعلته مريدا للشفاعة بعد أن لم يكن مريدا لها ، كأمر الآمر الذي يؤثر في المأمور ، فيفعل ما أمره به بعد أن لم يكن مريدا لفعله . وكذلك سؤال المخلوق للمخلوق ، فإنه قد يكون محركا له إلى فعل ما سأله . فالشفيع كما أنه شافع للطالب شفاعته فى الطلب ، فهو أيضا قد شفع المشفوع إليه فبشفاعته صار المشفوع إليه فاعلا للمطلوب فقد شفع الطالب و المطلوب ، والله تعالى وتر لايشفعه أحد فلا يشفع عنده أحد إلا باذنه فالأمر كله إليه وحده ، فلا شريك له بوجه و لهذا ذكر سبحانه نفى ذلك فى آية الكرسي التى فيها تقرير التوحيد فقال " له ما فى السموات و ما فى الأرض من ذا الذي يشفع عنده إلا باذنه " . و سيد الشفعاء صلى الله عليه و سلم يوم القيامة إذا سجد و حمد ربه يقال له ارفع رأسك و قل يسمع وسل تعطه و اشفع تشفع فيحد له حدا فيدخلهم الجنة فالأمر كله لله كما قال " قل إن الأمر كله لله " ، وقال لرسوله " ليس لك من الأمر شيء " ، وقال : " ألا له الخلق و الأمر" .) 

فتأمل إقرارهم - الذي لا يستطيع أن ينكره منكر - بأن الله هو رب كل شيء و مليكه و لا خالق و لا رازق إلا هو ، و ليس لغيره عليهم خلق و لا رزق و لا بيده لهم منع و لا عطاء بل هو عبد مثلهم لا يملك لنفسه ضرا و لانفعا و لا موتا و لا حياة و لا نشورا ، وإنما مقصودهم من دعائه يتمثل فى قولهم ليشفع ، ولذلك رد عليهم الله تعالى مقصدهم هذا بقوله : " من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه " فلا يشفع من له شفاعة من الملائكة و النبيين إلا باذنه ،  وتأمل قوله بعد ذلك ( وإذا كان الله لا يشفع أحد عنده إلا بإذنه ولا يشفعون إلا لمن ارتضى : فما بقي الشفعاء شركاء كشفاعة المخلوق عند المخلوق ، فإن المخلوق يشفع عنده نظيره - أو من هو أعلى منه أو دونه - بدون إذن المشفوع إليه و يقبل المشفوع إليه ولا بد شفاعته....... وتكون شفاعة الشفيع : هي التي حركت إرادة المشفوع إليه وجعلته مريدا للشفاعة بعد أن لم يكن مريدا لها ، كأمر الآمر الذي يؤثر في المأمور ، فيفعل ما أمره به بعد أن لم يكن مريدا لفعله .وكذلك سؤال المخلوق للمخلوق ، فإنه قد يكون محركا له إلى فعل ما سأله . فالشفيع كما أنه شافع للطالب شفاعته فى الطلب ، فهو أيضا قد شفع المشفوع إليه فبشفاعته صار المشفوع إليه فاعلا للمطلوب فقد شفع الطالب و المطلوب ، والله تعالى وتر لايشفعه أحد فلا يشفع عنده أحد إلا باذنه فالأمر كله إليه وحده ، فلا شريك له بوجه و لهذا ذكر سبحانه نفى ذلك فى آية الكرسي التى فيها تقرير التوحيد فقال " له ما فى السموات و ما فى الأرض من ذا الذي يشفع عنده إلا باذنه " . )

وأنت تعلم أن هذا الشرك إنما يقع بمجرد اتخاذ الأحياء الأموات أو الغائبين شفعاء كاتخاذ بعضهم البعض شفعاء لتيسير أمورهم الحياتية ؛ وهذا ما ذكره الإمام مرة أخرى بقوله ( الشفاعة المنفية هي الشفاعة المعروفة عند الناس عند الإطلاق وهي أن يشفع الشفيع إلى غيره ابتداء فيقبل شفاعته ) ، و بقوله أيضا ( والمشركون : يتخذون شفعاء من جنس ما يعهدونه من الشفاعة .) كما سنرى فى الفقرة التالية والتى وضح فيها أيضا سبب كون طلب الشفاعة من الأموات - التى هى طلب الدعاء - شركا ،  يقول فى مجموعة الفتاوى 118/1 ، 129 :  ( الشفاعة المنفية هي الشفاعة المعروفة عند الناس عند الإطلاق وهي أن يشفع الشفيع إلى غيره ابتداء فيقبل شفاعته ، فأما إذا أذن له في أن يشفع فشفع ؛ لم يكن مستقلا بالشفاعة بل يكون مطيعا له أي تابعا له في الشفاعة وتكون شفاعته مقبولة ويكون الأمر كله للآمر المسئول . وقد ثبت بنص القرآن في غير آية : أن أحدا لا يشفع عنده إلا بإذنه . كما قال تعالى : { من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه } وقال : { ولا تنفع الشفاعة عنده إلا لمن أذن له } وقال : { ولا يشفعون إلا لمن ارتضى } وأمثال ذلك . والذي يبين أن هذه هي الشفاعة المنفية : أنه قال : { وأنذر به الذين يخافون أن يحشروا إلى ربهم ليس لهم من دونه ولي ولا شفيع لعلهم يتقون } وقال تعالى : { الله الذي خلق السماوات والأرض وما بينهما في ستة أيام ثم استوى على العرش ما لكم من دونه من ولي ولا شفيع } فأخبر أنه ليس لهم من دون الله ولي ولا شفيع . وأما نفي الشفاعة بدون إذنه : فإن الشفاعة إذا كانت بإذنه لم تكن من دونه كما أن الولاية التي بإذنه ليست من دونه ؛ كما قال تعالى : { إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون ومن يتول الله ورسوله والذين آمنوا فإن حزب الله هم الغالبون } .........والمشركون : يتخذون شفعاء من جنس ما يعهدونه من الشفاعة . قال تعالى : { ويعبدون من دون الله ما لا يضرهم ولا ينفعهم ويقولون هؤلاء شفعاؤنا عند الله قل أتنبئون الله بما لا يعلم في السماوات ولا في الأرض سبحانه وتعالى عما يشركون } وقال تعالى : { فلولا نصرهم الذين اتخذوا من دون الله قربانا آلهة بل ضلوا عنهم وذلك إفكهم وما كانوا يفترون } . وأخبر عن المشركين أنهم قالوا " : { ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى } وقال تعالى : { ولا يأمركم أن تتخذوا الملائكة والنبيين أربابا أيأمركم بالكفر بعد إذ أنتم مسلمون } وقال تعالى : { قل ادعوا الذين زعمتم من دونه فلا يملكون كشف الضر عنكم ولا تحويلا } { أولئك الذين يدعون يبتغون إلى ربهم الوسيلة أيهم أقرب ويرجون رحمته ويخافون عذابه إن عذاب ربك كان محذورا } .فأخبر أن ما يدعي من دونه لا يملك كشف ضر ولا تحويله وأنهم يرجون رحمته ويخافون عذابه ويتقربون إليه .  فهو - سبحانه - قد نفى ما من الملائكة والأنبياء ؛ إلا من الشفاعة بإذنه و الشفاعة هي الدعاء . )

فسبب كون طلب الشفاعة أو الدعاء من الأموات شركا هو وقوعها بغير إذن من الله ، فيكون الحى قد جعل من الميت أو الغائب الذى يطلب منه الدعاء شريك فى حصول المطلوب ، كما يقول ابن تيمية فى مجموعة الفتاوى 320/1 : ( والمخلوق يشفع عند المخلوق بغير إذنه فهو شريك له فى حصول المطلوب ، والله تعالى لا شريك له ، كما قال سبحانه : { قل ادعوا الذين زعمتم من دون الله لا يملكون مثقال ذرة في السماوات ولا في الأرض وما لهم فيهما من شرك وما له منهم من ظهير ولا تنفع الشفاعة عنده إلا لمن أذن له } . )

وقد جمع الله فى كتابه بين الشرك والشفاعة ، كما سمى من اتخذوهم شفعاء من دونه - أى من غير إذنه - شركاء وسمى ذلك عبادة لهم من دون الله شاء المشرك أم أبى وسماها بغير اسمها ، يقول ابن تيمية فى مجموعة الفتاوى 115:114/1 : ( سمى الله آلهتهم التي عبدوها من دونه شفعاء كما سماها شركاء في غير موضع فقال في يونس : { ويعبدون من دون الله ما لا يضرهم ولا ينفعهم ويقولون هؤلاء شفعاؤنا عند الله قل أتنبئون الله بما لا يعلم في السماوات ولا في الأرض سبحانه وتعالى عما يشركون } . وقال : { أم اتخذوا من دون الله شفعاء قل أولو كانوا لا يملكون شيئا ولا يعقلون . قل لله الشفاعة جميعا } ، { ويوم تقوم الساعة يبلس المجرمون . ولم يكن لهم من شركائهم شفعاء } .  وجمع بين الشرك والشفاعة في قوله : { قل ادعوا الذين زعمتم من دون الله لا يملكون مثقال ذرة في السماوات ولا في الأرض وما لهم فيهما من شرك وما له منهم من ظهير ولا تنفع الشفاعة عنده إلا لمن أذن له } . فهذه الأربعة هي التي يمكن أن يكون لهم بها تعلق . الأول : ملك شيء ولو قل الثاني : شركهم في شيء من الملك . فلا ملك ولا شركة ولا معاونة يصير بها ندا . فإذا انتفت الثلاثة : بقيت الشفاعة فعلقها بالمشيئة . وقال : { وكم من ملك في السماوات لا تغني شفاعتهم شيئا } وقال : { قل ادعوا الذين زعمتم من دونه فلا يملكون كشف الضر عنكم ولا تحويلا } الآيتين .  وقال في اتخاذهم قربانا : { ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى } . وقال : { فلولا نصرهم الذين اتخذوا من دون الله قربانا آلهة بل ضلوا عنهم وذلك إفكهم وما كانوا يفترون } . )


فإن قيل : لو كان طلب الدعاء من الأموات شرك لما فيه من الشفاعة بغير إذن من الله ، لكان كذلك طلب الدعاء من الأحياء ، وهذا يدلنا على أن دعاء الأموات الذى هو شرك لابد وأن صاحبه أمر آخر جعل منه شركا كأن يُطلب منهم ما لا يقدر عليه إلا الله عز وجل ، أو صاحبه خشية ورهبة و حب وتعلق قلبى و غيرها من الأمور التى لا تصرف لغير لله ، وهذا بخلاف دعاء الأموات الذى ليس بشرك و هو أن يُطلب منهم ما يجوز أن يُطلب منهم وهم أحياء كطلب الدعاء بالمغفرة والرزق من الله .








ليست هناك تعليقات