رد على المخطئين في المسألة الاستشفاع و السؤال الميت الدعا 2
والرد على هذا الكلام من وجوه :
أحدهما : لا يصح أبدا أن تقاس الأمور بعد الممات على الأمور حال الحياة ، فيقال أن ما جاز طلبه من الأحياء جاز طلبه منهم وهم أموات ، فإن هذا الطلب الذى يطلبه الحى لو طلبه من حى مثله لجاز كأن يقول له ( ادعوا الله أن يغفر لى ) ، أو ( حاجتي أن تشفع لي يوم القيامة ) كما قد قيل للنبى صلى الله عليه وسلم فى حياته ، ولكن عندما يطلبه من الأموات أو الغائبين يصبح شركا بالله وتنقصا له وتسوية بينه وبين المخلوقين لا مجرد بدعة غير مكفرة ؛ و ذلك لأن طلب الدعاء من الأحياء الموجودين غير طلب الدعاء من الأموات أو الغائبين ولا يستويان فى الحكم إذ أن الثانى هو أصل الشرك بخلاف الأول ، يقول ابن تيمية فى كتابه - الذى نُقل منه ما قد ظن البعض أنه يخالف ما ذكرناه - قاعدة عظيمة في الفرق بين عبادات أهل الإسلام والإيمان وعبادات أهل الشرك والنفاق صـ 71: 74 مبينا وموضحا الفرق بين طلب الدعاء من الأحياء الحاضرين وطلبه من الأموات أو الغائبين : ( كان الصحابة إذا أرادوا أن يدعوا، دعوا في المسجد، واستقبلوا القبلة، ودعوا الله في بيته، لا يستقبل أحدهم القبر ويدعو، هذا وهم يدعون الله تعالى وحده، وأما دعاء الرسول، أو طلب الحوائج منه، فهذا لم تكن الصحابة تعرفه البتة، وقد أصابهم ضرورات في الدين والدنيا، مثل الجدب الذي أصابهم عام الرمادة، وغيره، ومثل الخوف الذي كان يصيبهم في قتال الكفار، فيخافون أن ينتصر الكفار على المؤمنين، ومثل الذُّنوب التي يصيبها من يصيبها منهم . ولا يُعرف عن أحدٍ من الصحابة أنه طلب من النبي صلى الله عليه وسلم بعد موته حاجة، لا زوال الجدب، ولا النصر على العدو، ولا غفران الذنوب، لا يطلبه منه، ولا يشكيه إليه، ولا يقول: ادع الله لنا، بل قد ثبت في الصحيح: أنهم عام الرمادة لما أجدبوا استسقى عمر بالعباس وقال: اللهم إنا كنا إذا أجدبنا نتوسل إليك بنبينا فتسقينا، وإنا نتوسل إليك بعمّ نبينا. فيسقون. وكانوا في حياته إذا أجدبوا؛ توسلوا بنبيهم صلى الله عليه وسلم، توسلوا بدعائه، وطلبوا منه أن يستسقي لهم، كما في الصحيح عن ابن عمر قال: رُبَّمَا ذَكَرْتُ قَوْلَ الشَّاعِرِ وَأَنَا أَنْظُرُ إِلَى وَجْهِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وَأَبْيَضَ يُسْتَسْقَى الْغَمَامُ بِوَجْهِهِ ... ثِمَالُ الْيَتَامَى عِصْمَةٌ لِلْأَرَامِلِ وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْتَسْقِي عَلَى الْمِنْبَرِ، فَمَا نَزَلَ حَتَّى يَجِيشَ لَهُ مِيزَابٌ. وفي الصحيحين عن أنس قال: جَاءَ أَعْرَابِيٌّ [فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ: هَلَكَتِ الْأَمْوَالُ، وَانْقَطَعَتِ السُّبُلُ، فَادْعُ اللَّهَ يُغِيثُنَا، فَرَفَعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدَيْهِ وَقَالَ: «اللَّهُمَّ أَغِثْنَا، اللَّهُمَّ أَغِثْنَا، اللَّهُمَّ أَغِثْنَا» ، وَمَا فِي السَّمَاءِ قَزَعَةٌ. فَنَشَأَتْ سَحَابَةٌ مِنْ جِهَةِ الْبَحْرِ، فَمُطِروا أُسْبُوعًا لَا يَرَوْنَ فِيهِ الشَّمْسَ، حَتَّى دَخَلَ عَلَيْهِ ذَلِكَ الْأَعْرَابِيُّ - أَوْ غَيْرُهُ - فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ: انْقَطَعَتِ السُّبُلُ، وَتَهَدَّمَ الْبُنْيَانُ، فَادْعُ اللَّهَ أَنْ يَكْشِفْهَا عَنَّا. فَرَفَعَ يَدَيْهِ وَقَالَ: «اللَّهُمَّ حَوَالَيْنَا وَلَا عَلَيْنَا، اللَّهُمَّ عَلَى الْآكَامِ وَالظِّرَابِ وَمَنَابِتِ الشَّجَرِ وَبُطُونِ الْأَوْدِيَةِ» . فَانْجَابَتْ عَنِ الْمَدِينَةِ كَمَا يَنْجَابُ الثَّوْبُ] . فكانوا في حياته يتوسلون بدعائه، ويستسقون به، فلما مات توسلوا بدعاء العبّاس، واستسقوا به؛ لكونه عمّه. وكذلك الحديث الذي رواه الترمذي، والنّسائي، وابن ماجه، وغيرهم، عن عثمان بن حنيف: أَنَّ رَجُلًا أَعْمَى أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ: ادْعُ اللَّهَ أَنْ يَرُدَّ عَلَيَّ بَصَرِي. قَالَ: «إِنْ شِئْتَ دَعَوْتُ، وَإِنْ شِئْتَ صَبَرْتَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ» قَالَ: فَادْعُهُ. فَأَمَرَهُ أَنْ يَتَوَضَّأَ، وَيُصَلِّيَ رَكْعَتَيْنِ، وَيَدْعُوَ بِهَذَا الدُّعَاءِ: «اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ، وَأَتَوَجَّهُ إِلَيْكَ بِنَبِيِّكَ مُحَمَّدٍ نَبِيِّ الرَحْمَةِ، يَا رَسُولَ اللَّهِ، يَا مُحَمَّدُ، إِنِّي تَوَجَّهْتُ بِكَ إِلَى رَبِّي فِي حَاجَتِي هَذِهِ لِتُقْضَى، اللَّهُمَّ فَشَفِّعْهُ فِيَّ» قال الترمذي: حديث حسن صحيح. فهذا طلب من النبيّ صلى الله عليه وسلم أن يدعو له، ليرد الله عليه بصره، فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يدعو هو أيضًا ويسأل أن يقبل الله شفاعة نبيه فيه، وقوله: «أتوجه إليك بنبيك» أي: شفاعة نبيك بدعائه، فكان الرسول صلى الله عليه وسلم شافعًا له، وهو سائل قبول شفاعة الرسول، فهذا كان توسل الصحابة به في حياته، فلما مات توسلوا بدعاء غيره، كدعاء العبّاس، وكما استسقى معاوية بيزيد بن الأسود الجرشي. ولم يكونوا في الاستسقاء وغيره بعد موته يقولون: اللهم إنا نستشفع، أو نتوسل، أو نتوجه؛ لأنه لن يشفع لهم في ذلك، وإنما يتوسل، ويستشفع ويتوجه به، فيما كان شفيعًا فيه صلى الله عليه وسلم، ولا طلبوا منه بعد موته أن يشفع لهم، ويدعو لهم، كما تفعله النّصارى، فيطلبون الشفاعة من الموتى، الأنبياء وغيرهم، فإن الميت قد انقطع عنه التكليف، ليس هو كالحي الذي يطلب منه ما هو مأمور به من عبادة وطاعة ونفع الغير، فإن الحي إذا طلب منه أن يعين غيره بدعاء، أو شفاعة، أو نفع، أو صدقة، فقد طلب منه ما يأمره الله به من الإحسان، والميت ليس مأمورًا بشيء أمر تكليف؛ لانقطاع التكليف بالموت، بل هو بمنزلة أهل الجنة، والملائكة، يفعل ما أريد منه، فما أراده الله منه حصل، سواء طلب ذلك منه الحي أو لم يطلبه، وما لم يرده منه لم يحصل، فليس في سؤال الحي للميت فائدة للحي و لا للميت ، بل فيه شرك بالميت وإيذاء له ، فإن دعاءه يؤذيه وليس فيه فائدة للحي، بل فيه ظلمه لنفسه ، وشركه بربه ، وإيذاؤه للميت ، ففيه أنواع الظلم الثلاثة . )
ففرق بين طلب الدعاء من الحى و طلبه من الميت لأن الأول قد أذن الله فيه وأمر به بخلاف الثانى الذى لم يأذن الله فيه فلا يكون ميتا من الأموات شافعا فيه ، والشفاعة كما ذكر ابن تيمية ( إذا كانت بإذنه لم تكن من دونه كما أن الولاية التي بإذنه ليست من دونه ؛ كما قال تعالى : { إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون ومن يتول الله ورسوله والذين آمنوا فإن حزب الله هم الغالبون } )
و إذا تأملت قوله ( ولم يكونوا في الاستسقاء وغيره بعد موته يقولون: اللهم إنا نستشفع، أو نتوسل، أو نتوجه؛ لأنه لن يشفع لهم في ذلك، وإنما يتوسل، ويستشفع ويتوجه به، فيما كان شفيعًا فيه صلى الله عليه وسلم) علمت أن المقصود من قوله : ( فيما كان شفيعا فيه صلى الله عليه وسلم ) ليس طلب الرزق و غفران الذنب وغيره مما لا يقدر عليه إلا الله كما يُقال ، وإنما معناه ما لو كان طُلب منه حال حياته لجاز - كالإستسقاء الوارد فى السياق - ولكن بعد موته لا يكون شفيعا فيه لا لأنه مما لا يقدر عليه إلا الله ولكن لأنه طُلب منه بعد الممات .
ويقول أيضا صـ 122:120 مؤكدا على أن طلب الدعاء من الأموات والغائبين هو أصل الشرك وفاعله مشرك بلا خلاف لأنه جعل من الشافع شريك للمشفوع إليه : ( فلو شرع أن يطلب من الميت الدعاء، والشفاعة، كما كان يطلب منه في حياته؛ كان ذلك مشروعًا في حق الأنبياء، والصالحين، فكان يسنّ أن يأتي الرجل قبر الرجل الصالح، نبيًّا كان، أو غيره، فيقول ادع لي بالمغفرة، والنصر، والهدى، والرزق، اشفع لي إلى ربك، فيتخذ الرجل الصالح شفيعًا بعد الموت ، كما يفعل ذلك النصارى ، و كما تفعل كثير من مبتدعة المسلمين ، وإذا جاز طلب هذا منه، جاز أن يطلب ذلك من الملائكة، فيقال: يا جبريل، يا ميكائيل، اشفع لنا إلى ربك، ادع لنا . ومعلوم أن هذا ليس من دين المسلمين، ولا دين أحد من الرسل، لم يسنّ أحد من الأنبياء للخلق أن يطلبوا من الصالحين الموتى، والغائبين، والملائكة، دعاء، ولا شفاعة، بل هذا أصل الشرك، فإن المشركين إنما اتخذوهم شفعاء ،قال تعالى: {وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِمَا لَا يَعْلَمُ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ} [يونس: 18] . وقال: {وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُمْ مَا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ وَمَا نَرَى مَعَكُمْ شُفَعَاءَكُمُ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكَاءُ لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ وَضَلَّ عَنْكُمْ مَا كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ} [الأنعام: 94] . وقال تعالى: {وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّمَاوَاتِ لَا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا إِلَّا مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَرْضَى} [النجم: 26] . وقال تعالى: {قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِنْ شِرْكٍ وَمَا لَهُ مِنْهُمْ مِنْ ظَهِيرٍ • وَلَا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ عِنْدَهُ إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ قَالُوا مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُوا الْحَقَّ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ} [سبأ: 22-23] . وقال: {وَأَنْذِرْ بِهِ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْ يُحْشَرُوا إِلَى رَبِّهِمْ لَيْسَ لَهُمْ مِنْ دُونِهِ وَلِيٌّ وَلَا شَفِيعٌ} [الأنعام: 51] . وقال: {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ مَا لَكُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا شَفِيعٍ} [السجدة: 4] . وقال: {يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مَا مِنْ شَفِيعٍ إِلَّا مِنْ بَعْدِ إِذْنِهِ} [يونس: 3] . فهذه الشفاعة التي كان المشركون يثبتونها أبطلها القرآن في غير موضع، وهي كشفاعة المخلوق عند المخلوق بغير إذنه، فإن هذا الشافع شريك للمشفوع إليه، فإنه طلب منه ما لم يكن يريد أن يفعله، فيحتاج لقضاء حق الشفيع أن يفعله، فالشفيع بغير إذن المشفوع إليه شريك له، والله تعالى لا شريك له، ولهذا قال: {لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ} [البقرة: 255] .فلو شفع أحد بغير إذنه شفاعة نافعة مقبولة كان شريكًا له، وهو سبحانه لا يشفع عنده أحد إلا بإذنه ، وهذا من وجهين: أحدهما: أنه هو الذي يخلق أفعال العباد، فلا يفعل أحد شيئًا إلا بمشيئته. والثاني: وهو المقصود: أن الملائكة، والأنبياء، لا يشفعون عنده إلا بإذنه، فلا تكون شفاعتهم مقبولة نافعة إلا إذا كانت بإذنه، وما وقع بغير إذنه لم يقبل، ولم ينفع، وإن كان الشفيع عظيمًا .)
إذن فاتخاذ الشفعاء المقطوع بكونه شركا بالله يقع بمجرد طلب الأحياء من الأموات والغائبين الدعاء لهم ، و استخدام الإمام لتعبير ( مبتدعة المسلمين ) لا يُفهم منه أنهم مسلمون ولكن ابتدعوا بدعة غير مكفرة – كما قد يُتوهم – ولكن لتمييزهم هم وأهل الكتاب عن المشركين الذين لا ينتسبون إلى دين سماوى فى الحديث وإن كان يجمعهم حكم واحد وهو الكفر لاشتراكهم فى وصف هو للشرك أصل ، ولذلك قال بعدها ( ومعلوم أن هذا ليس من دين المسلمين، ولا دين أحد من الرسل، لم يسنّ أحد من الأنبياء للخلق أن يطلبوا من الصالحين الموتى، والغائبين، والملائكة، دعاء، ولا شفاعة، بل هذا أصل الشرك، فإن المشركين إنما اتخذوهم شفعاء ،قال تعالى: {وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِمَا لَا يَعْلَمُ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ} ) .
الوجه الثانى : وأما قولهم أن دعاء الأموات الذى هو شرك لابد وأن صاحبه أمر آخر جعل منه شركا كأن يُطلب منهم ما لا يقدر عليه إلا الله عز وجل ، وهذا بخلاف دعاء الأموات الذى ليس بشرك و هو أن يُطلب منهم ما يجوز أن يُطلب منهم وهم أحياء كطلب الدعاء بالمغفرة والرزق .
أقول فيه : قد سبق أن أوضحنا بما لا يدع مجالا للشك أن هذا الشرك إنما يقع بمجرد اتخاذ الأحياء الأموات أو الغائبين شفعاء كاتخاذهم شفعاء فيما بينهم فى الحياة وهي أن يشفع المخلوق عند المخلوق ابتداء و بغير إذنه فهو شريك له فى حصول المطلوب ، والله تعالى لا شريك له ، و بشفاعة المخلوق يصير المشفوع إليه فاعلا للمطلوب فقد شفع الطالب و المطلوب ، والله تعالى وتر لا يشفعه أحد فلا يشفع عنده أحد إلا باذنه فالأمر كله إليه وحده ، فلا شريك له بوجه .
وأزيد على ذلك القدر الجامع القاطع فأقول : كيف يُظن بأناس يعتقدون ويقرون بأن الله هو رب كل شيء و مليكه و لا خالق و لا رازق إلا هو ، و ليس لغيره عليهم خلق و لا رزق و لا بيده لهم منع و لا عطاء بل هو عبد مثلهم لا يملك لنفسه ضرا و لانفعا و لا موتا و لا حياة و لا نشورا ، أن يكون سبب كفر عامتهم هو طلبهم من الأموات ما لا يقدر عليه إلا الله ؟ وأنهم إذا طلبوا منهم أن يدعو ويشفعوا لهم لا يُعد ذلك شركا ؟!!! فهل هذا الذى جعلتم منه وصفا مهملا إلا أصل شركهم و مقصودهم الأصيل منه كما بيّنا ،
يقول ابن تيمية فى مجموعة الفتاوى 311/1 : ( قال تعالى : " أم جعلوا لله شركاء خلقوا كخلقه فتشابه الخلق عليهم " الرعد : 16 ، وهذا استفهام إنكار بمعنى النفى ، أى ما جعلوا لله شركاء خلقوا كخلقه ، فإنهم مقرون أن آلهتهم لم يخلقوا كخلقه ، وإنما كانوا يجعلونهم شفعاء ووسائط ، قال تعالى : " ويعبدون من دون الله ما لا يضرهم ولا ينفعهم ويقولون هؤلاء شفعاؤنا عند الله قل أتنبئون الله بما لا يعلم في السماوات ولا في الأرض سبحانه وتعالى عما يشركون " يونس : 18 ، وقال صاحب يس : " ومالى لا أعبد الذى فطرنى وإليه ترجعون . أأتخذ من دونه آلهة إن يردن الرحمن بضر لا تغن عن شفاعتهم شيئا ولا يُنقذون . إنى إذا لفى ضلال مبين . إنى آمنت بربكم فاسمعون " . )
فأى اعتبار قد بقى لشرك الوساطة والشفاعة إذا اشتُرط فى تكفير صاحبه أن يقصد طلب ما لا يقدر عليه إلا الله ؟!!! و ها هو الإمام ابن تيمية يؤكد - فى كتابه الذى نقلتم عنه من جملة ما نقلتم - أن اتخاذ الشفعاء الذى هو شرك أكبر يقع بمجرد طلب الدعاء والشفاعة من الأموات إذ هو نوع من أنواعه ، يقول صـ 128: 140 : ( وفي صحيح البخاري عن أبي هريرة أنه قال: قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَنْ أَسْعَدُ النَّاسِ بِشَفَاعَتِكَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ؟ فَقَالَ: «لَقَدْ ظَنَنْتُ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ أَنْ لَا يَسْأَلَنِي عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ أَحَدٌ أَوْلَى مِنْكَ ؛ لِمَا رَأَيْتُ مِنْ حِرْصِكَ عَلَى الْحَدِيثِ، أَسْعَدُ النَّاسِ بِشَفَاعَتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَنْ قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، خَالِصًا مِنْ قِبَلِ نَفْسِهِ » . فأهل التوحيد المخلصون لله هم أحق الناس بشفاعته صلى الله عليه وسلم، فمن كان لا يدعو إلا الله، ولا يرجو إلا الله، ولا يتوكل إلا على الله، ولا يدعو مخلوقًا، لا ملكًا، ولا بشرًا، لا نبيًّا، ولا صالحًا، ولا غيرهما، كان أحق بشفاعته ممن يدعوه، أو يدعو غيره من المخلوقين، فإن هؤلاء مشركون، والشفاعة إنما هي لأهل التوحيد. وإذا كان كذلك فالذين يدعون المخلوقين ويطلبون من الموتى والغائبين من الملائكة والبشر الدعاء والشفاعة هم أبعد عن الشفاعة فيهم، والذين لا يدعون إلا الله هم أحق بالشفاعة لهم، والله تعالى قد جعل الملائكة يدعون، ويستغفرون لأهل التوحيد، فقال تعالى: {الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ • رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدْتَهُمْ وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ • وَقِهِمُ السَّيِّئَاتِ وَمَنْ تَقِ السَّيِّئَاتِ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمْتَهُ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} [غافر: 7-9] وقال تعالى: {وَالْمَلَائِكَةُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَنْ فِي الْأَرْضِ أَلَا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} [الشورى: 5] . وثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إِنَّ الْمَلَائِكَةَ تُصَلِّي عَلَى أَحَدِكُمْ مَا دَامَ فِي مُصَلَّاهُ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهُ، اللَّهُمَّ ارْحَمْهُ. مَا لَمْ يُحْدِثْ» . وقد قال تعالى: {هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ} [الأحزاب: 43] .وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى مُعَلِّمِ النَّاسِ الْخَيْرَ» وفي حديث آخر: «إِنَّهُ لَيَسْتَغْفِرُ لَهُ كُلُّ شَيْءٍ حَتَّى حِيتَانَ الْبَحْرِ» . فالناس إذا فعلوا ما أمروا به فتح الله عليهم أبواب رحمته من ملائكته وغير ملائكته ، وقد روي أن أعمال الأحياء تعرض على الموتى ، وأنهم إن وجدوا شيئًا استغفروا لصاحبه ، وروي أن أعمال الأمة تعرض على الرسول كذلك ، كما رواه الطبري عن أبي هريرة قال : «إِنَّ أَعْمَالَكُمْ تُعْرَضُ عَلَى أَقْرِبَائِكُمْ مِنْ مَوْتَاكُمْ، فَإِنْ رَأَوْا خَيْرًا فَرِحُوا بِهِ، وَإِنْ رَأَوْا شَرًّا كَرِهُوهُ، وَإِنَّهُمْ يَسْتَخْبِرُونَ الْمَيِّتَ إِذَا أَتَاهُمْ مَنْ مَاتَ بَعْدَهُمْ، حَتَّى إِنَّ الرَّجُلَ لَيَسْأَلُ عَنِ امْرَأَتِهِ: أَزَّوَّجَتْ أَمْ لَا؟ وَحَتَّى إِنَّ الرَّجُلَ لَيَسْأَلُ عَنِ الرَّجُلِ، فَإِذَا قِيلَ قَدْ مَاتَ، قَالَ : هَيْهَاتَ ، ذَهَبَ ! فَإِنْ لَمْ يُحِسُّوهُ عِنْدَهُمْ قَالُوا: إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ، ذُهِبَ بِهِ إِلَى أُمِّهِ الْهَاوِيَةِ » . و قد جاء عن السلف الخلاف في تأويل قوله: «مَا أَنْتُمْ بِأَسْمَعَ لِمَا أَقُولُ مِنْهُمْ» وهذا مبسوط في جوابي عن الأرواح، فأما علم الأموات بأحوال الأحياء ففيه آثار كثيرة، مثل ما رواه أبو حاتم في صحيحه عن أبي أيوب الأنصاري ، وأما استغفارهم لهم فما يحضرني إسناده، وكذلك ما يروى أن الرسول يستغفر لهم ما أعرف له إسنادًا ... فهذا إن كان ثابتًا ففيه استغفار الرسول والصالحين بأمر ربهم ، كما تستغفر الملائكة هنا ، فما أمروا به لا حاجة إلى طلبه منهم ، وما لم يؤمروا به لا يفعلونه وإن طلب منهم ، فإنهم لا يشفعون إلا بإذنه . وحينئذ فلا فائدة في طلب الدعاء والشفاعة ، لا من الملائكة ، ولا من الأموات الأنبياء والصالحين ، ومن طلب ذلك منهم فتح أبواب الشرك، فإنه إذا اعتقد الناس أن ما طلب من الميت أو الملك من دعاءٍ وشفاعة بذله طلبوا ذلك ؛ لكثرة حاجات الخلق ، لا سيما إذا اعتقد ما يقوله المشركون الذين يقولون: إنما نعبدهم ليقربونا إلى الله زلفى ، يقولون : هؤلاء خواص الربّ فنحن نتقرب إليه بهم كما نتقرب إلى الملوك بخواصهم ، فكما أن آحاد الرعيّة لا تصلح أن تخاطب السّلطان، بل يدخل على خواصه حتى يخاطبوه له ، كذلك نحن لا يصلح لنا أن نطلب من الله، بل نطلب من خواصه أن يسألوه، وإذا أقدمنا على الطلب منه كان ذلك سوء أدب عليه، واجتراء عليه، كما يكون ذلك سوء أدب على الملوك، واجتراء عليهم، فهذه من أعظم شبه المشركين الذين قال الله فيهم: {وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى} [الزمر: 3] أي : يقولون : ما نعبدهم . وقال تعالى: {وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ} [يونس: 18] فهؤلاء دعوا الملائكة، والأنبياء، والصالحين، وقد رد الله على هؤلاء في غير موضعٍ من القرآن، ورسل الله كلهم ردوا على هؤلاء، وهذا الذي ذكروه من قياس الله على خلقه قياس فاسد ، وضربوا لله مثل السوء ، والله له المثل الأعلى ، وذلك أن الملوك هم عاجزون عن أمور الرعية إن لم يكن لهم من يعاونهم ، بل من يدفع عنهم الضرر ، عجزوا وقهروا ، وهم أيضًا لا يعلمون من أحوال الرعيّة إلا ما طولعوا به ، وأيضًا فهم لا يحسنون إلى الرعيّة إلا لرغبة أو رهبة . والله سبحانه بكل شيء عليم ، وعلى كل شيء قدير ، وهو أرحم الراحمين ، فهو يعلم السرّ وأخفى ، فلا يحتاج إلى من يعرِّفه بحاجته ، بل هو يعلم حاجته ، وهو وحده يدبر أمر السموات والأرض ، ليس له ظهير ، ولا وزير ، ولا معين ، ولا مشير ، قال تعالى: { قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِنْ شِرْكٍ وَمَا لَهُ مِنْهُمْ مِنْ ظَهِيرٍ } [سبأ: 22] . وقال تعالى: {وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيرًا } [الإسراء: 111] فهو سبحانه لم يوال عباده من ذلٍّ ليعتز بهم ، كما يوالي الملوك لأوليائهم . قال مجاهد : لم يذل فيحتاج إلى ولي يتعزز به . بل هو سبحانه يوالي المؤمنين فضلاً منه ورحمة ، وإحسانًا ، وهو سبحانه الصمد ، الذي كل ما سواه فقير إليه ، وهو غني عن كل ما سواه ، وهو سبحانه أرحم الراحمين ، وخير الحاكمين ، وهو نعم الوكيل لمن توكل عليه ، ونعم المولى ونعم النصير . وفي صحيح البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لَلَّهُ أَرْحَمُ بِعِبَادِهِ مِنْ الْوَالِدَةِ بِوَلَدِهَا» فهو سبحانه رحمته وسعت كل شيء، فقد كتب على نفسه الرحمة، فهو أعلم بحال عبده من كل أحدٍ، وهو أقدر على نفعه وأنفع من كل أحد، بل لا يقدر أحد إلا بإقداره، وهو أرحم به من كل أحدٍ، وهذا بخلاف الملوك، وقد قال تعالى: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ} [البقرة: 186] ...... فهو سبحانه لا يقاس به غيره، ولا يمثل به سواه ، إذ ليس كمثله شيء ، والمشركون ضربوا له أمثالاً من خلقه ، فجعلوا لله ندًّا ، ومثلاً ، والقرآن مملوء من ذم هؤلاء ولعنهم وتكفيرهم ، قال تعالى : {وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَتِ اللَّهِ هُمْ يَكْفُرُونَ • وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَمْلِكُ لَهُمْ رِزْقًا مِنَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ شَيْئًا وَلَا يَسْتَطِيعُونَ • فَلَا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الْأَمْثَالَ إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} [النحل: 72-74] وقوله: {رِزْقًا} {شَيْئًا} ، قيل هو مفعول المصدر، وقيل هو بدل منه، وقد قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} [النساء: 48] . وفي الصحيحين عن ابن مسعود قال: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَيُّ الذَّنْبِ أَعْظَمُ؟ قَالَ: «أَنْ تَجْعَلَ لِلَّهِ نِدًّا وَهُوَ خَلَقَكَ» قُلْتُ: ثُمَّ أَيُّ؟ قَالَ: «ثُمَّ أَنْ تَقْتُلَ وَلَدَكَ خَشْيَةَ أَنْ يَطْعَمَ مَعَكَ» قُلْتُ: ثُمَّ أَيُّ؟ قَالَ: «ثُمَّ أَنْ تُزَانِي بِحَلِيلَةِ جَارِكَ» وَأَنْزَلَ اللَّهُ تَصْدِيقَ ذَلِكَ: {وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ} [الفرقان: 68] . والمشركون، مشركو العرب، لم يكونوا يعتقدون أن المخلوقات، كالملائكة، والأنبياء، والشمس، والقمر، أو الكواكب، وتماثيلهم، شاركت الربّ في خلق العالم، بل كانوا معترفين بأن الله خلق ذلك وحده، كما أخبر الله عنهم في غير موضع، كقوله: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ} [العنكبوت: 61] . وقوله: {قُلْ لِمَنِ الْأَرْضُ وَمَنْ فِيهَا إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ • سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ • قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ • سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ • قُلْ مَنْ بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ يُجِيرُ وَلَا يُجَارُ عَلَيْهِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ • سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ فَأَنَّى تُسْحَرُونَ} [المؤمنون: 84-89] . ومثل هذا في القرآن كثير، لكن كانوا يتخذونهم شفعاء يتقربون بهم إلى الله، كما قال تعالى: {وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ} [يونس: 18] .وقال تعالى: {وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى} [الزمر: 3] . وقال: {وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا مَا حَوْلَكُمْ مِنَ الْقُرَى وَصَرَّفْنَا الْآيَاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ • فَلَوْلَا نَصَرَهُمُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ قُرْبَانًا آلِهَةً بَلْ ضَلُّوا عَنْهُمْ وَذَلِكَ إِفْكُهُمْ وَمَا كَانُوا يَفْتَرُونَ} [الأحقاف: 27-28] . وقال صاحب يس: {وَمَا لِيَ لَا أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ • أَأَتَّخِذُ مِنْ دُونِهِ آلِهَةً إِنْ يُرِدْنِ الرَّحْمَنُ بِضُرٍّ لَا تُغْنِ عَنِّي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا وَلَا يُنْقِذُونِ • إِنِّي إِذًا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ • إِنِّي آمَنْتُ بِرَبِّكُمْ فَاسْمَعُونِ} [يس: 22-24] . وبسط هذا له موضع آخر. والمقصود هنا التنبيه على أن الشرك أنواع : فنوع منه يتخذونهم شفعاء يطلبون منهم الشفاعة والدعاء من الموتى والغائبين ومن تماثيلهم . ونوع يتقربون بهم إلى الله . ونوع يحبونهم لا لشيء، بل كما قال الله تعالى : {أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ} [الجاثية: 23] يهوى أحدهم شيئًا فيتخذه إلهًا من غير أن يقصد منه نفعًا ولا ضرًّا ، كما يحصل لأهل الغي هوى في أمور لا تنفعهم ، والله سبحانه هو الذي يستحق أن يُحَبَّ لذاته ويعبد لذاته دون ما سواه ، وهؤلاء جعلوا لله أندادًا ، كما قال تعالى : { وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ } [البقرة: 165] . وهذه الأنواع الثلاثة كانت في مشركي العرب وغيرهم ، ممن يقر بأن الله خالق السموات والأرض ......... وهذا باب واسع ، وكل من كان به أعرف ، إذا عرف ما جاءت به الرسل ، وعرف ما في القرآن من التوحيد العظيم ، والعناية العظيمة بذلك، ومذمة الشرك على اختلاف أنواعه؛ عرف بعض قدر ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم وتبين له كثرة الشرك في بني آدم، الذين لا يعرفون، بل يظنون أن العرب كانوا يعتقدون في آلهتهم أنها شاركت الله في الخلق، وهذا من غاية الجهل والكذب بمن يظنه بهم، وذلك لأن الشرك الذي كانوا فيه قد وقع هو وأمثاله في نوع منه، وهو لا يعرف أنه الشرك، يعتقد أن التوحيد هو الإقرار بأن الله خالق كل شيء، لم يشاركه في الخلق أحد، فهذا عنده غاية التوحيد، كما تجد ذلك في كلام كثير من الناس من متكلميهم، وعبّادهم، فإذا رأى هذا هو التوحيد؛ كان الشرك عنده ما يناقض ذلك. وقد علم بالتواتر، وإجماع المسلمين، ونص القرآن : أن العرب كانوا مشركين، وأن النبي صلى الله عليه وسلم دعاهم إلى التوحيد، ونهاهم عن الشرك، وكان هذا من أعظم أسباب معاداتهم له، ولمن آمن به، فيظن هذا الذي لم يعرف حقيقة الأمر، أن ذلك الشرك، أنهم جعلوا آلهتهم شركاء لله في خلق السموات والأرض، وإنزال المطر، وخلق النبات، ونحو ذلك. ولو كان هذا يفهم القرآن، ويعرف ما كانت عليه العرب، ويعرف التوحيد، والشرك؛ لتبين له أن ما يقرُّ به من التوحيد كان المشركون يقرّون به أيضًا، وهم مع هذا مشركون؛ حيث أحبّوا غير الله كما يحبّون الله، وحيث دعوا غير الله، وجعلوه شفيعًا لهم، وحيث عبدوا غير الله يتقربون بعبادته إلى الله، فهذا وأمثاله كان شركهم، مع إقرارهم بأن الله خالق كل شيء، وأنه لا خالق غيره، ولهذا قال عمر بن الخطاب: إنما تنقض عرى الإسلام عروة عروة إذا نشأ في الإسلام من لا يعرف الجاهلية. فمعرفة المسلم بدين الجاهلية هو مما يعرفه بدين الإسلام ، الذي بعث الله به رسله ، وأنزل به كتبه ، ويعرف الفرق بين دين المسلمين الحنفاء أهل التوحيد والإخلاص ، أتباع الأنبياء ، ودين غيرهم ، ومن لم يميّز بين هذا وهذا فهو في جاهلية ، وضلال ، وشرك ، وجهل ، ولهذا ينكر هؤلاء ما كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه من إخلاص الدين لله ، إذ ليست لهم به خبرة من جهة النقل ، ولا لهم فهم في القرآن يعرفون به توحيد القرآن ، ولا لهم معرفة بحقيقة الإيمان والتوحيد الذي أرسل الله به رسله وأنزل به كتبه ، فليس لهم علم لا بالقرآن ، ولا بالإيمان ، ولا بأحوال الناس ، وما نقل من أخبارهم ، ومعرفة هذا من أهم الأمور ، وأنفعها ، وأوجبها ، وهذه جملة لها بسط، مضمونها : معرفة ما بعث الله به الرسول ، وما جاء به الكتاب والسنة . )
فتبين لنا مما سبق : أن هذا الشرك يقع بمجرد أن يطلب الإنسان من صاحب قبر أن يدعو الله له تحقق مطلوبه مغفرة كانت أو رزق أو غيره لأنهم يرون أن دعاء صاحب القبر لهم وتوسطه بينهم وبين ربهم سببا لقضاء حاجتهم لأن الله إنما يتقبل من المتقين ، فالمشركون كما قال ابن تيمية فى غير موضع ، يتخذون شفعاء من جنس ما يعهدونه من الشفاعة ،كما أن الوسائط عند الملوك يسألهم الناس ، وهم يسألون الملوك حوائج الناس ؛ لقربهم منهم والناس يسألونهم أدبا منهم أن يباشروا سؤال الملك ، وهذا ليس فيه كراهة أن يفعل مثله بين العباد ولكن عندما يُفعل مثله مع الله يصبح شركا بالله ؛ إذ ليس كل ما كان تعظيما للعباد وتأدبا معهم يكون صالحا أن يتعامل به العباد مع ربهم بل إن منه ما يكون شركا وتنقصا له ، كما أن ليس كل ما جاز طلبه من الأحياء جاز طلبه من الأموات ، كما هو الحال فى مسألتنا .
ولعل هذا يدلنا كذلك على أمر هام وهو أنه حتى لو كان أصحاب هذا الشرك أمثال مشركى قريش قد يقع منهم سؤال الموتى والغائبين بصورة مباشرة صريحة توحى وكأنهم ينتظرون منهم الإجابة و تحقيق ما طلبوه إلا أنهم يقصدون بذلك جعلهم وسطاء وشفعاء ، كما أن ليس من اللازم كلما طلب الناس من الوزير أن يسأل لهم الملك قضاء حاجتهم أن يكون ذلك بهذه الصيغة الدالة على التوسط وسؤال الملك لهم فقد يسألونه بصيغة مباشرة فيقولون نريد كذا وكذا وهم يقصدون به أن يتوسط و يشفع لهم عند الملك لتُقضى حاجتهم ، فلا يصح أن نشترط وقوع هذا الوصف منهم حتى يُحكم على صاحبه بالشرك - وهو طلب من الأموات والغائبين ما لا يقدر عليه إلا الله ؛ لأنه ليس إلا وصفا ظاهرا لا يصاحبه اعتقاد بقدرتهم المطلقة و المستقلة على تحقيق مطالبهم ، و قضايا الإيمان والشرك لا يكون مبناها على مجرد أوصاف ظاهرة من غير قصد و اعتقاد يصاحبه مكفر بذاته ، فالعقائد لا تُبنى عرية عن المقاصد .
بل إننا نجد أنه إذا عُوتب أحدهم على ذلك قال : " هؤلاء شفعاؤنا عند الله " ، وإنما ندعوه ليشفع كما أخبرنا القرآن بذلك ، وكما نقلنا من أقوال المعاصرين منهم وقد أوردته فى موضوع واقعنا المعاصر و أنقل لكم منه بعضه : إن المطالع المتصفح للصحف والمنتديات يجد كلاما كثيرا ما نقرأه ونسمعه لكثرة تردده لاسيما فى فترة إحياء الموالد كمولد الحسين والبدوى وغيره - ولا تعجب إن كان القائل له ممن ينتسب إلى الإسلام ، فتجد أحد العاملين فى الصحافة المصرية - بعد ذكره لحال الناس فى المولد وترديدهم فيه مدد يا حسين مدد ، وذكر مقصدهم وحالهم فيه وهو أنهم جاءوا ليطلبوا العون منه وقضاء الحاجات لكونهم على ثقة أنه قادر على تخليصهم من آلامهم ويطمعون فى كرمه وقدرته على إنقاذهم من هموم الدنيا ، ويتصدقون فى المولد حبا وتقربا للحسين - يقول : فى زحمة مولد الحسين الذى يعيش أحداثه المصريون الآن يمكن أن يخرج علينا من يحرم ما يحدث فى هذا المولد ، يحرم لجوء الناس للحسين وينسى أن الناس لا ترفع الحسين إلى مقام الألوهية .. ولكنها تطلب من الله بشفاعة الحسين أن ينالوا ما يريدون أن يحقق لهم أحلامهم ولهذا يذهبون إليه .
وآخر يصحح ما يُنقل عنهم ، فيقول فى منتدى من منتدياتهم ظنا منه أنه بكلامه هذا يدافع عنهم بما لا يدنهم بشرك : أنا منذ أكثر من عشرين عاما أزور المقامات ومنها مقام سيدي البدوي , ولم أر من العوام من يقول : ارزقني ! أو لماذا لم ترزقني ؟ لماذا لم تعطني الولد ؟ نعم أسمع الكثير يخاطبون صاحب الضريح : أنا عاوز كذا , أريد كذا , يا فلان مدد .
كما أنك تجد من يستدل على عدم كون هذا شركا بقوله : التوسل وألفاظه مسألة معروفة فالتوسل مشروع بنص الكتاب والسنة كالتوسل بأسماء الله وصفاته والتوسل بالعمل الصالح ، فمن اعتقد عند توسله بالعمل الصالح أن ذاك العمل يجلب النفع ويدفع الضر من دون الله فقد وقع في المحذور ، فكذلك أولياء الله ليسوا سوى سبباً وواسطة حتى عند العوام بالرغم من مبالغتهم في التعلق بهذه الواسطة . وكان هذا الدفاع منهم ضد وصف محمد حسان لفعلهم ولقصدهم بالشرك و أنه عبادة لهم كعبادة الأصنام ، وإن لم يكفرهم به لجهلهم كما هو معروف عن السلفية وضلالهم فى ذلك .
يقول ابن تيمية فى مجموعة الفتاوى 130:121/1 فى سياق حديثه عن اتخاذ الوسطاء : ( وإن أثبتهم وسائط بين الله وبين خلقه - كالحجاب الذين بين الملك ورعيته - بحيث يكونون هم يرفعون إلى الله حوائج خلقه ؛ فالله إنما يهدي عباده ويرزقهم بتوسطهم ؛ فالخلق يسألونهم وهم يسألون الله؛ كما أن الوسائط عند الملوك : يسألون الملوك الحوائج للناس ؛ لقربهم منهم والناس يسألونهم أدبا منهم أن يباشروا سؤال الملك ؛ أو لأن طلبهم من الوسائط أنفع لهم من طلبهم من الملك ؛ لكونهم أقرب إلى الملك من الطالب للحوائج . فمن أثبتهم وسائط على هذا الوجه : فهو كافر مشرك يجب أن يستتاب فإن تاب وإلا قتل . وهؤلاء مشبهون لله شبهوا المخلوق بالخالق وجعلوا لله أندادا . )
ومثله ما ذكره الإمام فى مجموعة الفتاوى 75: 27/76 ولكنه اشتبه أمره على من لم يستحكم الأمر عنده : ( ملحوظة سيكون كلامى المتداخل مع كلام الإمام باللون الأزرق ) ( فصل : وأما من يأتي إلى قبر نبي أو صالح أو من يعتقد فيه أنه قبر نبي أو رجل صالح وليس كذلك ويسأله ويستنجده فهذا على ثلاث درجات : إحداها : أن يسأله حاجته مثل أن يسأله أن يزيل مرضه أو مرض دوابه أو يقضي دينه أو ينتقم له من عدوه أو يعافي نفسه وأهله ودوابه ونحو ذلك مما لا يقدر عليه إلا الله عز وجل : فهذا شرك صريح يجب أن يستتاب صاحبه فإن تاب وإلا قتل . وإن قال أنا أسأله لكونه أقرب إلى الله مني ليشفع لي في هذه الأمور ؛ لأني أتوسل إلى الله به كما يتوسل إلى السلطان بخواصه وأعوانه فهذا من أفعال المشركين والنصارى فإنهم يزعمون أنهم يتخذون أحبارهم ورهبانهم شفعاء يستشفعون بهم في مطالبهم وكذلك أخبر الله عن المشركين أنهم قالوا : { ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى } وقال سبحانه وتعالى : { أم اتخذوا من دون الله شفعاء قل أولو كانوا لا يملكون شيئا ولا يعقلون } { قل لله الشفاعة جميعا له ملك السماوات والأرض ثم إليه ترجعون } وقال تعالى : { ما لكم من دونه من ولي ولا شفيع أفلا تتذكرون } وقال تعالى : { من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه } فبين الفرق بينه وبين خلقه . فإن من عادة الناس أن يستشفعوا إلى الكبير من كبرائهم بمن يكرم عليه فيسأله ذلك الشفيع فيقضي حاجته : إما رغبة وإما رهبة وإما حياء وإما مودة وإما غير ذلك والله سبحانه لا يشفع عنده أحد حتى يأذن هو للشافع فلا يفعل إلا ما شاء وشفاعة الشافع من إذنه فالأمر كله له . فهذا تأكيد آخر على أن الوصف الجوهرى الذى جعل من هذا العمل شركا هو فعل المشرك مع ربه مثل ما يفعل مثله مع الأحياء ولا يُعد شرك ولا حرام ، فالمشركون - كما سبق أن ذكرنا - يتخذون شفعاء من جنس ما يعهدونه من الشفاعة ، وأن الشفاعة المنفية هي الشفاعة المعروفة عند الناس وهي أن يشفع الشفيع إلى غيره ابتداء فيقبل شفاعته .
ولهذا قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم في الحديث المتفق عليه عن أبي هريرة رضي الله عنه " { لا يقولن أحدكم : اللهم اغفر لي إن شئت اللهم ارحمني إن شئت ولكن ليعزم المسألة فإن الله لا مكره له } . فبين أن الرب سبحانه يفعل ما يشاء لا يكرهه أحد على ما اختاره كما قد يكره الشافع المشفوع إليه وكما يكره السائل المسئول إذا ألح عليه وآذاه بالمسألة . فالرغبة يجب أن تكون إليه كما قال تعالى : { فإذا فرغت فانصب } { وإلى ربك فارغب } والرهبة تكون من الله كما قال تعالى : { وإياي فارهبون } وقال تعالى : { فلا تخشوا الناس واخشون } وقد أمرنا أن نصلي على النبي صلى الله عليه وآله وسلم في الدعاء وجعل ذلك من أسباب إجابة دعائنا .
وقول كثير من الضلال : هذا أقرب إلى الله مني وأنا بعيد من الله لا يمكنني أن أدعوه إلا بهذه الواسطة ونحو ذلك من أقوال المشركين فإن الله تعالى يقول : { وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان } وقد روي : أن الصحابة قالوا يا رسول الله : ربنا قريب فنناجيه أم بعيد فنناديه ؟ فأنزل الله هذه الآية . وفي الصحيح أنهم كانوا في سفر وكانوا يرفعون أصواتهم بالتكبير فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم " { يا أيها الناس أربعوا على أنفسكم فإنكم لا تدعون أصم ولا غائبا بل تدعون سميعا قريبا إن الذي تدعونه أقرب إلى أحدكم من عنق راحلته } وقد أمر الله تعالى العباد كلهم بالصلاة له ومناجاته وأمر كلا منهم أن يقول : { إياك نعبد وإياك نستعين } وقد أخبر عن المشركين أنهم قالوا { ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى } . ثم يقال لهذا المشرك أنت إذا دعوت هذا فإن كنت تظن أنه أعلم بحالك وأقدر على عطاء سؤالك أو أرحم بك فهذا جهل وضلال وكفر وإن كنت تعلم أن الله أعلم وأقدر وأرحم فلم عدلت عن سؤاله إلى سؤال غيره ؟
فتأمل حديثه عمن هذا حاله بإثبات له وصف الشرك وحكمه فقال ( ثم يقال لهذا المشرك )
ألا تسمع إلى ما خرجه البخاري وغيره عن جابر رضي الله عنه قال : " { كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يعلمنا الاستخارة في الأمور كما يعلمنا السورة من القرآن يقول : إذا هم أحدكم ب
ليست هناك تعليقات