غربة الإسلام و أهله
فإذا عرفت دين الإسلام و أردت أن تكون مسلما كما يريد الله ، فلا تستوحش من الحق لقلة السالكين ، و لا تغتر بالباطل لكثرة الهالكين .
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( بدأ الإسلام غريبا و سيعود كما بدأ غريبا فطوبى للغرباء ))
وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (( وَيْلٌ لِلْعَرَبِ مِنْ شَرٍّ قَدِ اقْتَرَبَ, فِتَنًا كَقِطَعِ اللَّيْلِ الْمُظْلِمِ, يُصْبِحُ الرَّجُلُ مُؤْمِنًا, وَيُمْسِي كَافِرًا, يَبِيعُ قَوْمٌ دِينَهُمْ بِعَرَضٍ مِنَ الدُّنْيَا قَلِيلٍ, الْمُتَمَسِّكُ يَوْمَئِذٍ بِدِينِهِ كَالْقَابِضِ عَلَى الْجَمْرِ, أَوْ قَالَ عَلَى الشَّوْكِ )).
سأل عمرو بن عَبَسَة رسول الله صلى الله عليه وسلم (( فَمَنْ مَعَكَ عَلَى هَذَا? قَالَ عليه السلام: حُرٌ وَعَبْدٌ )).
فالزم طريق الهدى, ولا يضرك قلة السالكين, وإياك وطرق الضلالة,
ولا تغتر بكثرة الهالكين.
قال نُعَيم بن حماد رحمه الله ( إذا فسدت الجماعة فعليك بما كانت عليه الجماعة قبل أن تفسد, وان كنت وحدك فإنك أنت الجماعة حينئذ ) انتهى.
وقال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه ( الجماعة ما وافق الحق وإن كنت وحدك ) انتهى.
قال أبو شامة رحمه الله ( حيث جاء الأمر بلزوم الجماعة فالمراد به لزوم الحق واتباعه, وإن كان الممتسك به قليلاً, والمخالف له كثيراً, لأن الحق هو الذي كانت عليه الجماعة الأولى, من عهد النبي صلى الله عليه و سلم وأصحابه, ولا نظر إلى كثرة أهل البدع بعدهم ) انتهى.
قال ابن القيم رحمه الله ( فالبصير الصادق لا يستوحش من قلة الرفيق, ولا من فَقْدِه إذا استشعر قلبه مرافقة الرعيل الأول, الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أوﻟﺌك
رفيقا, فتفرُد العبد في طريق طلبه دليل على صدق الطلب.
ولقد سئل إسحاق بن رَاهُويَه عن مسألة فأجاب, فقيل له: إن أخاك
أحمد بن حنبل يقول فيها بمثل ذلك, فقال: ما ظننت أن أحداً يوافقني
عليها. ولم يستوحش بعد ظهور الصواب له من عدم الموافقة, فإن الحق
إذا لَاحَ وتبين لم يحْتَجْ إلى شاهد يشهد به, والقلب يبصر الحق كما تبصر
العين الشمس, فإذا رأى الرائي الشمس لم يحتج في علمه بها
و اعتقاده أنها طالعة إلى من يشهد بذلك ويوافقه عليه ) انتهى.
وقال ابن القيم أيضاً: ( وكان الإمام أحمد وحده هو الجماعة, وﻟّﻤا لم
تحمل ذلك عقول الناس, قالوا للخليفة: يا أمير المؤمنين, أتكون أنت
وقضاتك وولاتك والفقهاء والمُفتون على الباطل, وأحمد وحده على
الحق, فلم يتسع علمه لذلك, فأخذه بالسياط والعقوبة بعد الحبس
الطويل.
فلا إﻟﻪ إلا الله ما أشبه الليلة بالبارحة ) انتهى.
ليست هناك تعليقات