Header Ads

الرد على شبهة قول إبراهيم "هذا ربي"




ادعي بعض المتوهمين أن نبي الله إبراهيم – عليه السلام – قد وقع فى الشرك وعبد الكواكب و الشمس والقمر مستدلين بقول الله سبحانه : "فلما جن عليه الليل رأى كوكبا قال هذا ربي فلما أفل قال لا أحب الآفلين فلما رأى القمر بازغا قال هذا ربي فلما أفل قال لئن لم يهدني ربي لأكونن من القوم الضالين فلما رأى الشمس بازغة قال هذا ربي هذا أكبر فلما أفلت قال يا قوم إني بريء مما تشركون إني وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض حنيفا وما أنا من المشركين" سورة الانعام



وهذا الادعاء يعتبر طعناً فى عصمة الانبياء , فالأنبياء والرسل لا شك أنهم معصومون من الوقوع في الكفر والشرك، وقد نقل الجرجاني إجماع الأمة على عصمة الأنبياء من الكفر والشرك قبل النبوة وبعدها، حيث قال: "وأمَّا الكفر فأجْمعت الأمَّة على عصمتهم منه قبل النبوَّة وبعدها، ولا خِلاف لأحدٍ منهم في ذلك"[1]، وقال الرَّازي: "وأجْمعتِ الأمَّة على أنَّ الأنبياء معصومون عن الكفْر والبدعة"[2]، وقال ابن تيمية: "ففي الجُملة كل ما يقدح في نبوَّتهم وتبليغهم عن الله فهُم متَّفقون على تنزيههم عنه"[3]، وقال الآمدي: "فما كان منها كفرًا فلا نعرف خلافًا بين أهل الشَّرائع في عصمتهم عنه"[4]



وقال بعضهم فى تفسير هذا القول على أن إبراهيم كان مهلة النظر وحال الطفولية وقبل قيام الحجة ; وفي تلك الحال لا يكون كفر ولا إيمان.

وأنكر الآخرون هذا القول ، وقالوا : لا يجوز أن يكون لله رسول يأتي عليه وقت من الأوقات إلا وهو لله موحد وبه عارف ، ومن كل معبود سواه بريء وكيف يتوهم هذا على من عصمه الله وطهره وآتاه رشده من قبل وأخبر عنه فقال : " إذ جاء ربه بقلب سليم " ( الصافات ، 84 ) فالله نفى كون الشرك الماضي عن إبراهيم في قوله : "وما كان من المشركين" في عدة آيات ، ونفي الكون الماضي يستغرق جميع الزمن الماضي ، فثبت أنه لم يتقدم عليه شرك يوما ما وهذا هو الصحيح وهو ما يفق مع عصمة الانبياء التي أجمع عليها العلماء.



قال أبو جعفر: ولو جاز أن يكون قد أتى عليه بعض الأوقات وهو به كافر ، لم يجز أن يختصه بالرسالة ، لأنه لا معنى فيه إلا وفي غيره من أهل الكفر به مثله ، وليس بين الله وبين أحد من خلقه مناسبة ، فيحابيه باختصاصه بالكرامة



والحق أن إبراهيم عليه الصلاة والسلام ، كان في هذا المقام مناظرا لقومه ، مبينا لهم بطلان ما كانوا عليه [5] وهذا إسلوب إبراهيم عليه السلام فى دعوة قومه وابطال ما هم يعبدونه باستخدامه الحجة والمنطق والبرهان ففي قصة تحطيمه للأصنام قال "بل فعله كبيرهم هذا" ، ليقولوا إنهم لا ينطقون ولا يفعلون ولا ينفعون ولا يضرون ، فيقول لهم : فلم تعبدون ؟ فتقوم الحجة عليهم منهم . ولهذا يجوز عند الأئمة فرض الباطل مع الخصم حتى يرجع إلى الحق من ذات نفسه ، فإنه أقرب في الحجة وأقطع للشبهة ، كما قال لقومه : هذا ربي ، على معنى الحجة عليهم ، حتى إذا أفل منهم تبين حدوثه ، واستحالة كونه إلها. [6]



وقيل : إنما قال هذا ربي لتقرير الحجة على قومه فأظهر موافقتهم ; فلما أفل النجم قرر الحجة وقال : ما تغير لا يجوز أن يكون ربا [7]



فإبراهيم عليه السلام عندما قال "هذا ربي" أراد أن يستدرج القوم بهذا القول ويعرفهم خطأهم في تعظيم ما عظموه ، وكانوا يعظمون النجوم ويعبدونها ، ويرون أن الأمور كلها إليها فأراهم أنه معظم ما عظموه وملتمس الهدى من حيث ما التمسوه ، فلما أفل أراهم النقص الداخل على النجوم ليثبت خطأ ما يدعون [8] وقالوا : وإنما قال ذلك لهم ، معارضة ، كما يقول أحد المتناظرين لصاحبه معارضا له في قول باطل قال به بباطل من القول ، على وجه مطالبته إياه بالفرقان بين القولين الفاسدين عنده ، اللذين يصحح خصمه أحدهما ويدعي فساد الآخر . [9]



فلم يقل إبراهيم هذا القول على سبيل الاعتقاد كما يتوهمون وأما كونه جازما موقنا بعدم ربوبية غير الله ، فقد دل عليه ترتيب قوله : فلما جن عليه الليل رأى كوكبا قال هذا ربي ، إلى آخره ، " بالفاء " على قوله : وكذلك نري إبراهيم ملكوت السماوات والأرض وليكون من الموقنين فدل على أنه قال ذلك موقنا مناظرا ومحاجا لهم ، كما دل عليه قوله : وحاجه ، وقوله : وتلك حجتنا آتيناها إبراهيم على قومه الآية [10]



فالخلاصة هي أن قول إبراهيم لما رأى " هذا ربي " هو مناظرة لقومه واستدراج لهم ، وأنه كان موقنا بنفي إلهيتها ، وهو المناسب لصفة النبوءة أن يكون أوحي إليه ببطلان الإشراك وبالحجج التي احتج بها على قومه , والله أعلم




فى تاريخ 4 شعبان 1434 هـ



_______________________________________



[1] - شرح المواقف (ص134).

[2] - عصمة الأنبياء (ص18).

[3] - منهاج السنة النبوية (ج1/ ص471).

[4] - الأحكام للآمدي (ج1/ ص170).

[5] - تفسير ابن كثير

[6] - احكام القرآن لابن العربي

[7] – تفسير القرطبي [8] – تفسير البغوي

[9] – تفسير الطبري

[10] - تفسير أضواء البيان

ليست هناك تعليقات