حكم من يقول لا إله إلا الله لكنه لم يكفر بالطواغيت
إِنَّ مَنْ يقولُ لا إلهَ إلاَّ اللهُ لكنَّهُ لَمْ يكفرْ بالطَّاغوتِ هُوَ كمَنْ يقولُ بالشَّيءِ وضِدِّهِ في آنٍ واحدٍ، وبالشَّيءِ وعَدَمِهِ لا تستقيمُ الأمورُ،
فإِنَّ لا إلهَ إلاَّ اللهُ تَتَضَمَّنُ الكفرَ بالطَّاغوتِ في جانِبِ النَّفيِ منها، فمَنْ لا يكفرْ بالطَّاغوتِ مَثَلُهُ كَمَثِلِ مَنْ يقولُ: لا إلهَ إلاَّ اللهُ ثُمَّ مِنْ جِهَةٍ أخرى - بلسانِ الحالِ أَوِ المَقَالِ – يقولُ : هناكَ إلهٌ مَعَ اللهِ
وهذا في دعواهُ الإسلامَ كذَّابٌ ومنافقٌ وزِنديقٌ ومُستهزِئٌ بدينِ اللهِ، وهُو كافرٌ بَلْ لَمْ يدخلْ في الإسلامِ أصلاً ومُرْتَدٌّ عَنْهُ إِنْ كانَ قَدْ دخلَ فيهِ،
وقَدْ تكونُ رِدَّتُهُ مُغَلَّظَةً مِنْ جهةِ تكرارِ رِدَّتِهِ وتهاوُنِهِ في ذلكَ، وإليكَ الأدلَّةُ على ذلكَ
-أمَّا كَوْنُهُ كذَّابًا:
فَهُوَ لقولِهِ بالشَّيءِ وضِدِّهِ، فَمِنْ جِهَةٍ يَدَّعِي أَنَّهُ يكفرُ بالآلهةِ جميعِها إلاَّ اللهَ، ثُمَّ تراهُ يُؤمنُ بالطَّاغوتِ ويعبُدُهُ مِنْ دونِ اللهِ أَوْ مَعَهُ.
-وأمَّا كَوْنُهُ منافقًا،
فَهُوَ لجَمْعِهِ بَيْنَ الشَّيءِ وضِدِّهِ، فمِنْ جِهَةٍ تراهُ يَزْعُمُ بلسانِهِ التَّوحيدَ، ثُمَّ هُوَ في المقابلِ يُضْمِرُ الكفرَ وعبادَةَ الطَّاغوتِ.
- وأمَّا كونُهُ زِنْديقًا:
فهُوَ لجُحودِهِ وكفرِهِ وأَنَّهُ عابدٌ للطَّاغوتِ، وإذا ما أُقيمتِ الحُجَّةُ على كُفرِهِ، فهُوَ سُرعانَ ما يُنْكِرُ ويَتَمَلَّصُ بأَنَّهُ مُسلمٌ وأَنَّهُ يقولُ لا إلهَ إلاَّ اللهُ متحصِّنًا بها كما زيَّنَ لَهُ شياطينُ الإنسِ ممَّنْ يُسَمَّوْنَ بالدُّعاةِ في هذ الزَّمانِ، فَهُمْ حقًّا دُعاةٌ ولَكِنْ دُعاةٌ على أبوابِ جهنَّمَ مَنْ أجابَهمْ قذفوهُ فيها
-وأمَّا كونُهُ مستهزِئًا بدينِ اللهِ:
فهُوَ لإعلانِهِ التَّوحيدَ مئاتِ المرَّاتِ بتلفُّظِهِ بلا إلهَ إلاَّ اللهُ – كما يَزْعُمُ - وفي كلِّ مرَّةٍ لا يبالي في أَنْ يأتيَ بما يَنْقُضُ التَّوحيدَ على مدارِ السَّاعةِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَجِدَ حَرَجًا في أَنْ يأتيَ بضدِّهِ وبما ينقُضُهُ في نفسِ الوقتِ. فأيُّ تلاعبٍ بدينِ اللهِ بعدَ هذا التَّلاعُبِ، وأيُّ استهانةٍ بَعْدَ هذهِ الاستهانةِ.
يقولُ محمَّدُ بنُ عبدِ الوهَّابِ :
[دينُ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ التَّوحيدُ، وهُوَ معرفةُ لا إلهَ إلاَّ اللهُ محمَّدٌ رسولُ اللهِ، والعَمَلُ بمُقتضاها، فإِنْ قِيلَ: كُلُّ النَّاسِ يقولونها، قِيلَ: منهمْ مَنْ يقولُها ويحسَبُ معناه أَنَّهُ لا يخلقُ إلاَّ اللهُ ولا يَرزُقُ إلاَّ اللهُ وأشباهُ ذلكَ، ومنهمْ لا يفهمُ معناها، ومنهمْ مَنْ لا يعملُ بمُقتضاها، ومنهمْ مَنْ لا يَعْقِلُ حقيقَتَها، وأَعَجْبُ مِنْ ذلكَ مَنْ عَرَفَها مِنْ وَجْهٍ وعاداها وأهلَها مِنْ وَجْهٍ! وَأَعْجَبُ مِنْهُ مَنْ أحبَّها وانتسَبَ إلى أهلِها ولَمْ يُفرِّقْ بَيْنَ أوليائِها وأعدائِها! يا سبحانَ اللهِ العظيمِ أَتكونُ طائفتانِ مختلفتانِ في دينٍ واحدٍ وكلُّهمْ على الحقِّ؟ كلا واللهِ، فماذا بَعْدَ الحقِّ إلاَّ الضَّلالُ؟]. (الرسائل) اهـ
وأمَّا كوْنُهُ كافرًا:
لأنَّ الكفرَ بالطَّاغوتِ رُكن في صحَّةِ الإسلامِ كما قَدَّمْنا.
وأمَّا كونُهُ مرتدًّا:
هُوَ ممَّا لا خَفاءَ فيهِ، حيثُ هُوَ بَعْدَ دخولِهِ الإسلامَ بشهادَةِ التَّوحيدِ الَّتي نَطَقَ بها – كما يظنُّ – لا يزالُ عاكفًا على عبادةِ آلهةٍ أخرى مَعَ اللهِ أَوْ مِنْ دونِهِ. فالشِّرْكُ مُحْبِطٌ للعملِ كليًّا، كما قالَ تعالي : {وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [الأنعام: 88].
-وأمَّا كوْنُ ردَّتِهِ مغلَّظَةً لِتَلاعُبِهِ بالتَّوحيدِ
وتِكْرارِ رِدَّتِهِ مِنْ غَيْرِ اكْتراثٍ بما يَصْنَعُ. قالَ تعالي: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْرًا لَّمْ يَكُنِ اللهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ
وَلا لِيَهْدِيَهُمْ سَبِيلاً} [النساء: 137]. وقالَ تعالي: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بَعْد إِيمَانِهِمْ ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْرًا لَنْ تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الضَّالُّونَ} [آل عمران: 90].
قالَ ابنُ تيميّةَ :
----------------------------------
[أخبرَ سبحانَهُ أَنَّ مَنِ ازدادَ كفرًا بَعْدَ إيمانِهِ لَنْ تُقبَلَ توبَتُهُ، وفرقٌ بَيْنَ الكفرِ المَزِيدِ كفرًا والكفرِ المجرَّدِ في قَبُولِ التَّوبةِ مِنَ الثَّاني دُونَ الأوَّلِ، فمَنْ زَعَمَ أَنَّ كلَّ كُفْرٍ بَعْدَ الإيمانِ تُقْبَلُ مِنْهُ التَّوبةُ فَقَدْ خالَفَ نَصَّ القرآنِ]. (الصارم المسلول) اهـ
إذا تقرَّر هذا: فإِنَّ مَنْ لَمْ يكفرْ بالطَّاغوتِ لا تنفَعُهُ لا إلهَ إلاَّ اللهُ، ولا سائرُ الأعمالِ الصَّالحةِ مِنْ صلاةٍ وزكاةٍ وصِيامٍ وحَجٍّ وغَيْرِ ذلكَ،لأنَّهُ يأتي بالتَّوحيدِ وبما يُكذِّبُهُ في آنٍ واحدٍ.
واعلم أنَّ العبوديَّةَ للهِ وحدَهُ والبراءَةَ مِنْ عبادَةِ الطَّاغوتِ والتَّحاكُمَ إليهِ سبحانَهُ مِنْ مُقتضَى شهادَةِ أَن لاَّ إلهَ إلاَّ اللهُ وحدَهُ لا شريكَ لَهُ وأَنَّ محمَّدًا عَبْدُهُ ورسولُهُ بَلْ من اركان قَبُولِهَا.
فمَنْ نَصَحَ نفسَهُ وأهلَهُ وعِيَالَهُ، وأرادَ النَّجاةَ مِنَ النَّارِ، فَلْيعرِفْ شَهادةَ أَن لاَّ إلهَ إلاَّ اللهُ، فإِنَّها العُروةُ الوُثقى وكلمَةُ التَّقوى، لا يَقْبَلُ اللهُ مِنْ أَحَدٍ عملاً إلاَّ بها، لا صلاةً ولا صوْمًا ولا حَجًّا ولا صدقةً ولا جميعَ الأعمالِ الصَّالحةِ إلاَّ بمعرفةِ معناها والعملِ بمُقتضى هذهِ المعرفةِ، وهِيَ كلمةُ التَّوحيدِ وحَقُّ اللهِ على العباد.
ليست هناك تعليقات