عقيدة ابي بكر الجصاص الرازي المتكلم المعطل
قال:"لا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ سورة الأنعام آية 103
يقال : إن الإدراك أصله اللحوق , نحو قولك : أدرك زمان المنصور , وأدرك أبا حنيفة , وأدرك الطعام ، أي : لحق حال النضج , وأدرك الزرع والثمرة , وأدرك الغلام إذا لحق حال الرجال ، وإدراك البصر للشيء لحوقه له برؤيته إياه ; لأنه لا خلاف بين أهل اللغة أن قول القائل : أدركت ببصري شخصا ، معناه : رأيته ببصري , ولا يجوز أن يكون الإدراك الإحاطة لأن البيت محيط بما فيه وليس مدركا له , فقوله تعالى : لا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ سورة الأنعام آية 103 معناه : لا تراه الأبصار ,
وهذا تمدح بنفي رؤية الأبصار ، كقوله تعالى : لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ سورة البقرة آية 255 وما تمدح الله بنفيه عن نفسه فإن إثبات ضده ذم ونقص , فغير جائز إثبات نقيضه بحال , كما لو بطل استحقاق الصفة بـ لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ سورة البقرة آية 255 لم يبطل إلا إلى صفة نقص ,
فلما تمدح بنفي رؤية البصر عنه لم يجز إثبات ضده ونقيضه بحال ; إذ كان فيه إثبات صفة نقص ولا يجوز أن يكون مخصوصا بقوله تعالى وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ {22} إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ {23} سورة القيامة آية 22-23 لأن النظر محتمل لمعان ,
منه انتظار الثواب كما روي عن جماعة من السلف , فلما كان ذلك محتملا للتأويل لم يجز الاعتراض عليه بما لا مساغ للتأويل فيه."
والأخبار المروية في الرؤية إنما المراد بها العلم لو صحت , وهو علم الضرورة الذي لا تشوبه شبهة ولا تعرض فيه الشكوك؛ لأن الرؤية بمعنى العلم مشهورة في اللغة.
وقال عند تفسيره قوله تعالى: "فلما جن عليه الليل إلى قوله وتلك حجتنا آتيناها إبراهيم على قومه" (سورة الأنعام)
ومن حيث دلت أحوال هذه الكواكب على أنها مخلوقة غير خالقة ومربوبة غير رب فهي دالة أيضا على أن من كان في مثل حالها في الانتقال والزوال والمجيء والذهاب لا يجوز أن يكون ربا خالقا وأنه يكون مربوبا، فدل على أن الله تعالى لا يجوز عليه الانتقال ولا الزوال ولا المجيء ولاالذهاب، لقضية استدلال إبراهيم عليه السلام بأن من كان بهذه الصفة فهو محدث , وثبت بذلك أن من عبد ما هذه صفته فهو غير عالم بالله تعالى وأنه بمنزلة من عبد كوكبا أو بعض الأشياء المخلوقة.
وفيه الدلالة على أن معرفة الله تعالى تجب بكمال العقل قبل إرسال الرسل ; لأن إبراهيم عليه السلام استدل عليها قبل أن يسمع بحجج الأنبياء عليهم السلام." انتهى
ليست هناك تعليقات