البغويّ عاذريّ خلافيّ نبطيّ جهمي
كما عذر البغويّ إمامه أبا حنيفة وشيخه الخطّابيّ وهما جهميّان،
قال في تفسيره لقوله تعالى: "وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَّكَ عَسَىٰ أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَّحْمُودًا (79)":
"والأخبار في الشفاعة كثيرة وأول من أنكرها عمرو بن عبيد وهو مبتدع باتفاق أهل السنة ." انتهى. فهذا كأنّه يشير إلى أنّ إنكار الشّفاعة عنده بدعة فقط، لا كفر.
وقال: "قال أبو سليمان الخطابي: قوله: «لله أفرح». معناه: أرضى بالتوبة، وأقبل لها، والفرح الذي يتعارفه الناس في نعوت بني آدم، غير جائز على الله عز وجل، إنما معناه: الرضا، كقوله عز وجل: {كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ}. أي: راضون. وكذلك فسر الضحك الوارد في الحديث في صفات الله سبحانه وتعالى بالرضى، وكذلك الاستبشار، قد جاء في الحديث، ومعناه عندهم: الرضا"اهـ (شرح السنة 5/88)
وقال: "وقيل: معنى كونه أطيب عند الله من ريح المسك. الثناء على الصائم والرضا بفعله، لئلا يمنعه من المواظبة على الصوم الجالب للخلوف، كأنه قال: إن خلوف فم الصائم أبلغ في القبول عند الله من ريح المسك عندكم"اهـ (شرح السنة 6/222-223)
وقال: "قيل: الغيرة من الله. الزجر. والله غيور، أي: زجور يزجر عن المعاصي. وقوله: «لا أحد أغير من الله». أي: أزجر عن المعاصي منه"اهـ (شرح السنة 9/269، شرح السنة » كِتَابُ الطَّلاقِ » باب الغَيْرةِ )
قلت : ولم يسق قولا غيره! ولم يخطّئ هذا التّأويل!
وقال: "وقيل في قوله: «عجب الله»، معناه: الرضا، وكذلك الفرح والاستبشار الوارد في صفات الله عز وجل، معناه: الرضا"اهـ (شرح السنة 11/76-77)
وقال: "قال أبو سليمان الخطابي في قوله صلى الله عليه وسلم: «خلق الله آدم على صورته»: الهاء مرجعها إلى آدم صلى الله عليه وسلم، فالمعنى: أن ذرية آدم خلقوا أطواراً، كانوا في مبدأ الخلق نطفة، ثم علقة، ثم مضغة، ثم صاروا صوراً أجنة إلى أن تتم مدة الحمل، فيولدون أطفالاً، وينشئون صغاراً إلى أن يكبروا، فيتم طول أجسادهم، يقول: إن آدم لم يكن خلقه على هذه الصفة، ولكنه أول ما تناولته الخلقة، وجد خلقاً تاماً طوله ستون ذراعاً"اهـ (شرح السنة 12/255)
وقال: "قوله: «فاستحيا، فاستحيا الله منه». قيل: معناه جازاه على استحيائه بأن ترك عقوبته على ذنوبه، وقوله سبحانه وتعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا}. أي: لا يترك، لأن الحياء سبب للترك"اهـ (شرح السنة 12/299)
وقال: "قيل في معنى التعلق بحقو الرحمن: إنه الاستجارة والاعتصام بالله سبحانه وتعالى، يقال: عذت بحقو فلان: إذا استجرت به. وقيل: الحقو: الإزار، وإزاره عزه، ولاذت الرحم بعزه من القطيعة"اهـ (شرح السنة 13/21)
وقال: "قوله: «يكشف ربنا عن ساقه». قال الخطابي: هذا مما تهيب القول فيه شيوخنا، وأجروه على ظاهر لفظه، ولم يكشفوا عن باطن معناه، على نحو مذهبهم في التوقف في تفسير كل ما لا يحيط العلم بكنهه من هذا الباب، وقد تأوله بعضهم على معنى قوله: {يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ}. فروي عن ابن عباس، أنه قال: عن شدة وكرب، وسئل عكرمة عن قوله: {يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ}، قال: إذا اشتد الأمر في الحرب، قيل: كشفت الحرب عن الساق"اهـ (شرح السنة 15/142)
قلت : وهي آثار ثابتة لكن تُجمع مع أثر ابن مسعود المثبت لساقين اثنين (تفسير ابن أبي حاتم الرّازي رحمه الله) والتّوقّف كفرٌ.
وقال: "قوله: «فيأتيهم الله في غير الصورة التي يعرفون»، قال أبو سليمان الخطابي رحمه الله: هذا يحتاج إلى تأويل، وليس ذلك من أجل أنا ننكر رؤية الله تعالى، بل نثبتها، ولا من أجل أنا ندفع ما جاء في الكتاب، وفي أخبار الرسول صلى الله عليه وسلم من ذكر المجيء والإتيان، غير أنا لا نكيف ذلك، ولا نجعله حركة وانتقالاً، كمجيء الأشخاص وإتيانها، إلى غير ذلك من نعوت الحدث، وتعالى الله علواً كبيراً،
ويجب أن تعلم أن الرؤية التي هي ثواب الأولياء في الجنة، غير هذه الرؤية المذكورة في مقامهم يوم القيامة، وإنما تعريضهم لهذه الرؤية، امتحان من الله سبحانه وتعالى لهم، يقع به التمييز بين من عبد الله سبحانه، وبين من عبد الشمس والقمر والطواغيت، فيتبع كل فريق معبوده، وليس ينكر أن يكون الامتحان إذ ذاك قائماً،
وحكمه على الخلق جارياً حتى يفرغ من الحساب، ويقع الجزاء بما يستحقونه من الثواب والعقاب، ثم ينقطع إذا حقت الحقائق، واستقرت أمور العباد قرارها، ألا ترى قوله سبحانه وتعالى: {يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلا يَسْتَطِيعُونَ}، فامتحنوا هنالك بالسجود، ويشبه أن يكون، والله أعلم، إنما حجبهم عن تحقق الرؤية في الكرة الأولى، حتى قالوا: هذا مكاننا حتى يأتينا ربنا. من أجل من معهم من المنافقين الذين لا يستحقون الرؤية، وهم عن ربهم محجوبون، فلما تميزوا عنهم ارتفع الحجب، فقالوا عندما رأوه: أنت ربنا. وذكر من الكلام غير هذا،
وقال: الصورة في هذه القصة بمعنى الصفة. قلت: والواجب فيه وفي أمثاله الإيمان والتسليم، والله أعلم. وروي عن إسحاق بن عيسى الطباع، قال: أتينا عبدالعزيز بن أبي سلمة الماجشون برجل كان ينكر حديث يوم القيامة، وأن الله يأتيهم في صورته، فقال له: يا بني، ما تنكر من هذا؟ قال: إن الله أجل وأعظم من أن يرى في هذه الصفة. فقال: يا أحمق، إن الله ليس تتغير عظمته، ولكن عيناك يغيرهما حتى تراه كيف شاء. فقال الرجل: أتوب إلى الله. ورجع عما كان عليه"اهـ (شرح السنة 15/177-178)
قلت : قوله (والله أعلم) كأنّه ليس متيقّنا من إثبات الصّورة. والدّليل على ذلك ترحُّمُهُ على الخطّابيّ الجهميّ وعدم الجزم بكفره هنا ولا حتّى في غير هذا.
ليست هناك تعليقات