فضيحة ابن حزم المعطل الظاهري
قال: "نقول: إن الله عز وجل قادر على أن ينسخ التوحيد، وعلى أن يأمر بالتثنية، والتثليث، وعبادة الأوثان، وأنه تعالى لو فعل ذلك؛ لكان حكمة وعدلاً وحقاً، ولكان التوحيد كفراً، وظلماً، وعبثاً، ولكنه تعالى لا يفعل ذلك أبداً"اهـ (الإحكام 4/73)
وقال: "وقف العلم عند الجهل بصفات الباري عز وجل"اهـ (رسائل ابن حزم 1/345)
وقال: "وأما كلام الشيطان على لسان المصروع؛ فهذا من مخاريق العزامين، ولا يجوز إلا في عقول ضعفاء العجائز، ونحن نسمع المصروع يحرك لسانه بالكلام؛ فكيف صار لسانه لسان الشيطان؟ إن هذا لتخليط ما شئت. وإنما يلقي الشيطان في النفس يوسوس فيها؛ كما قال الله تعالى: {يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ}، وكما قال تعالى: {إِلَّا إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ}؛ فهذا هو فعل الشيطان فقط، وأما أن يتكلم على لسان أحد؛ فحمق عتيق، وجنون ظاهر؛ فنعوذ بالله من الخذلان، والتصديق بالخرافات"اهـ (رسائل ابن حزم 3/228)
وقال: "مسألة: وأنه خلق كل شيء لغير علة أوجبت عليه أن يخلق؛ برهان ذلك: أنه لو فعل شيئاً مما فعل لعلة؛ لكانت تلك العلة إما لم تزل معه، وإما مخلوقة محدثة، ولا سبيل إلى قسم ثالث؛ فلو كانت لم تزل معه؛ لوجب من ذلك شيئاًن ممتنعان؛ أحدهما: أن معه تعالى غيره لم يزل؛ فكان يبطل التوحيد الذي قد أبنا برهانه آنفاً؛
والثاني: أنه كان يجب إذ كانت علة الخلق لم تزل؛ أن يكون الخلق لم يزل؛ لأن العلة لا تفارق المعلول، ولو فارقته لم تكن علة له، وقد أوضحنا آنفاً برهان وجوب حدوث العالم كله. وأيضاً: فلو كانت ههنا علة موجبة عليه تعالى أن يفعل ما فعل؛ لكان مضطراً مطبوعاً أو مدبراً مقهوراً لتلك العلة،
وهذا خروج عن الإلهية، ولو كانت العلة محدثة؛ لكانت ولا بد: إما مخلوقة له تعالى، وإما غير مخلوقة؛ فإن كانت غير مخلوقة فقد أوضحنا آنفاً وجوب كون كل شيء محدث مخلوقاً؛ فبطل هذا القسم، وإن كانت مخلوقة؛ وجب ولا بد أن تكون مخلوقة لعلة أخرى أو لغير علة؛ فإن وجب أن تكون مخلوقة لعلة أخرى؛ وجب مثل ذلك في العلة الثانية، وهكذا أبداً، وهذا يوجب وجوب محدثين لا نهاية لعددهم، وهذا باطل لما ذكرنا آنفاً، وبأن كل ما خرج إلى الفعل فقد حصره العدد ضرورة بمساحته أو بزمانه ولا بد، وكل ما حصره العدد فهو متناه؛ فبطل هذا القسم أيضاً، وصح ما قلناه"اهـ (المحلى - مسألة رقم 4)
وقال: "مسألة: وأن الناس يعطون كتبهم يوم القيامة؛ فالمؤمنون الفائزون الذين لا يعذبون يعطونها بأيمانهم؛ والكفار بأشملهم والمؤمنون أهل الكبائر وراء ظهورهم"اهـ (المحلى - مسألة رقم 35)
وقال: "وأنه تعالى لا في مكان ولا في زمان؛ بل هو تعالى خالق الأزمنة، والأمكنة .. والزمان، والمكان فهما مخلوقان؛ قد كان تعالى دونهما، والمكان: إنما هو للأجسام، والزمان: إنما هو مدة كل ساكن أو متحرك، أو محمول في ساكن أو متحرك، وكل هذا مبعد عن الله عز وجل"اهـ (المحلى - مسألة رقم 53)
وقال: "مسألة: وأن الله تعالى يتنزل كل ليلة إلى سماء الدنيا، وهو فعل يفعله عز وجل؛ ليس حركة، ولا نقلة"اهـ (المحلى - مسألة رقم 57)
وقال: "مسألة: وأن لله عز وجل عزاً، وعزة، وجلالاً، وإكراماً، ويداً ويدين وأيد، ووجهاً وعيناً وأعيناً وكبرياء، وكل ذلك حق لا يرجع منه، ولا من علمه تعالى وقدره وقوته إلا إلى الله تعالى؛ لا إلى شيء غير الله عز وجل أصلاً"اهـ (المحلى - مسألة رقم 62)
وقال: "قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «العز إزاره والكبرياء رداؤه»؛ يعني الله تعالى .. عن أبي هريرة؛ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ في حديث خلق الله تعالى الجنة والنار؛ «أن جبريل قال لله تعالى: وعزتك لقد خشيت أن لا يدخلها أحد» ولو كان شيء من ذلك غير الله تعالى؛ لكان إما لم يزل، وإما محدثاً؛ فلو كان لم يزل؛ لكان مع الله تعالى أشياء غيره لم تزل، وهذا شرك مجرد، ولو كان محدثاً لكان تعالى بلا علم، ولا قوة، ولا قدرة، ولا عز، ولا كبرياء؛ قبل أن يخلق كل ذلك، وهذا كفر"اهـ (المحلى - مسألة رقم 62)
وقال: "الإيمان والإسلام شيء واحد؛ قال عز وجل: {فَأَخْرَجْنَا مَنْ كَانَ فِيهَا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ}، وقال تعالى: {يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلامَكُمْ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلإِيمَانِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ}"اهـ (المحلى - مسألة رقم 75)
وقال: "من ضيع الأعمال كلها؛ فهو مؤمن عاص ناقص الإيمان؛ لا يكفر"اهـ (المحلى - مسألة رقم 79)
وقال: "واليقين لا يتفاضل؛ لكن إن دخل فيه شيء من شك، أو جحد؛ بطل كله؛ برهان ذلك: أن اليقين هو إثبات الشيء، ولا يمكن أن يكون إثبات أكثر من إثبات؛ فإن لم يحقق الإثبات صار شكاً"اهـ (المحلى - مسألة رقم 80)
وقال: "مسألة: وأن الدجال سيأتي، وهو كافر أعور ممخرق ذو حيل"اهـ (المحلى - مسألة رقم 89)
وقال: "وأما نحن فنقول: إن مجيء الرسل عندهم قبل أن يبعثهم الله تعالى؛ واقع في باب الإمكان، وأما بعد إن بعثهم الله عز وجل ففي حد الوجوب؛ ثم أخبر الصادق عليه السلام عنه تعالى؛ أنه لا نبي بعده؛ فقد جد الامتناع. ولسنا نحتاج إلى تكلف ذكر قول من قال من المسلمين: إن مجيء الرسل من باب الواجب، واعتلالهم في ذلك بوجوب الإنذار في الحكمة؛ إذ ليس هذا القول صحيحاً؛ وإنما قولنا الذي بيناه في غير موضع: إنه تعالى لا يفعل شيئاً لعلة، وأنه تعالى يفعل ما يشاء، وأن كل ما فعله فهو عدل، وحكمة؛ أي شيء كان"اهـ (الفصل 1/63)
وقال: "صح أنه تعالى أخرج العالم كله إلى الوجود بعد أن لم يكن؛ بلا كلفة، ولا معاناة، ولا طبيعة، ولا استعانة، ولا مثال سلف، ولا علة موجبة، ولا حكم سابق قبل الخلق يكون ذلك الحكم لغيره تعالى؛ فقد ثبت أنه لم يفعل إذ لم يشأ، وفعل إذ شاء كما شاء؛ فيزيد ما شاء وينقص ما شاء؛ فكل منطوق به مما يتشكك في النفس أو لا يتشكك؛
فهو داخل له تعالى في باب الإمكان على ما بينا في غير هذا المكان؛ إلا أننا نذكر ههنا طرفاً إن شاء الله عز وجل؛ فنقول وبالله تعالى نتأيد: إن الممكن ليس واقعاً في العالم وقوعاً واحداً؛ ألا ترى أن نبات اللحية للرجال ما بين الثمان عشرة إلى عشرين سنة ممكن، وهو في حدود الاثني عشر سنة إلى العامين ممتنع، وإن فك الإشكالات العويصة، واستخراج المعاني الغامضة، وقول الشعر البديع، وصناعة البلاغة الرائقة؛ ممكن لذي الذهن اللطيف والذكاء النافذ،
وغير ممكن من ذي البلادة والشديدة والغباوة المفرطة؛ فعلى هذا: ما كان ممتنعاً بيننا؛ إذ ليس في بنيتنا ولا في طبيعتنا ولا من عادتنا؛ فهو غير ممتنع على الذي لا بنية له ولا طبيعة له ولا عادة عنده ولا رتبة لازمة لفعله؛ فإذ قد صح هذا؛ فقد صح أنه لا نهاية لما يقوى عليه تعالى؛ فصح أن النبوة في الإمكان، وهي بعثة قوم قد خصهم الله تعالى بالفضيلة؛ لا لعلة؛ إلا أنه شاء ذلك فعلمهم الله تعالى العلم بدون تعلم، ولا تنقل في مراتبه، ولا طلب له"اهـ (الفصل 1/64)
وقال: "لكنا نقول: إن اللفظ مشترك، والمعنى هو ما قام الدليل عليه؛ كما فعلنا في: النزول، وفي الوجه، واليدين، والأعين، وحملنا كل ذلك على أنه حق؛ بخلاف ما يقع عليه اسم: ينزل عندنا، واسم يد وعين عندنا؛ لأن هذا عندنا في اللغة؛ واقع على الجوارح والنقلة، وهذا منفي عن الله تعالى"اهـ (الفصل 1/71)
وقال: "وأما قولنا في هذا: فهو أن العجائب الظاهرة من الدجال؛ إنما هي حيل من نحو ما صنع سحرة فرعون، ومن باب أعمال الحلاج، وأصحاب العجائب"اهـ (الفصل 1/89)
وقال: "فإن قيل: إنكم تقولون: إن الدجال يأتي بالمعجزات؛ قلنا: حاشا لله من هذا، وما الدجال إلا صاحب عجائب؛ كأبي العجائب ولا فرق؛ إنما هو محيل يتحيل بحيل معروفة"اهـ (الفصل 2/41)
وقال: "لو كان الباري - تعالى عن إلحادهم - جسماً؛ لاقتضى ذلك ضرورة أن يكون له زمان، ومكان هما غيره، وهذا إبطال التوحيد وإيجاب الشرك معه تعالى لشيئين سواه، وإيجاب أشياء معه غير مخلوقة، وهذا كفر"اهـ (الفصل 2/92)
وقال: "لم يأت نص بتسميته تعالى جسماً، ولا قام البرهان بتسميته جسماً؛ بل البرهان مانع من تسميته بذلك تعالى، ولو أتانا نص بتسميته تعالى جسماً؛ لوجب علينا القول بذلك، وكنا حينئذ نقول: إنه لا كالأجسام؛ كما قلنا في: عليم، وقدير، وحي، ولا فرق. وأما لفظة: شيء؛ فالنص أيضاً جاء بها، والبرهان أوجبها على ما نذكر بعد هذا إن شاء الله تعالى. وقالت طائفة منهم: إنه تعالى نور. واحتجواً بقوله تعالى: {الله نور السَّمَاوَات وَالْأَرْض}؛ قال أبو محمد: ولا يخلو النور من أحد وجهين؛ إما أن يكون جسماً، وإما أن يكون عرضاً، وأيهما كان فقد قام البرهان أنه تعالى ليس جسماً،
ولا عرضاً، وأما قوله تعالى: {الله نور السَّمَاوَات وَالْأَرْض}؛ فإنما معناه: هدى الله بتنوير النفوس إلى نور الله تعالى في السموات والأرض. وبرهان ذلك: أن الله عز وجل أدخل الأرض في جملة ما أخبر أنه نور له؛ فلو كان الأمر على أنه النور المضيء المعهود؛ لما خبأ الضياء ساعة من ليل أو نهار البتة؛ فلما رأينا الأمر بخلاف ذلك؛ علمنا أنه بخلاف ما ظنوه"اهـ (الفصل 2/93-94)
وقال: "ويبطل قول من وصف الله تعالى بأنه جسم، وقول من وصفه بحركة تعالى الله عن ذلك؛ أن الضرورة توجب أن كل متحرك فذو حركة، وأن الحركة لمتحرك بها، وهذا من باب الإضافة، والصورة في المتصور لمتصور، وهذا أيضاً من باب الإضافة؛ فلو كان كل مصور متصوراً، وكل محرك متحركاً؛ لوجب وجوب أفعال لا أوائل لها، وهذا قد أبطلناه فيما خلا من كتابنا بعون الله تعالى لنا وتأييده إيانا؛ فوجب ضرورة: وجود محرك ليس متحركاً، ومصور ليس متصوراً ضرورة ولا بد، وهو الباري تعالى محرك المتحركات، ومصور المصورات لا إله إلا هو، وكل جسم فهو ذو صورة، وكل ذي حركة فهو ذو عرض محمول فيه؛ فصح أنه تعالى ليس جسماً ولا متحركاً، وبالله تعالى التوفيق"اهـ (الفصل 2/94)
وقال: "وأما إطلاق لفظ الصفات لله تعالى عز وجل؛ فمحال لا يجوز؛ لأن الله تعالى لم ينص قط في كلامه المنزل على لفظة الصفات، ولا على لفظ الصفة، ولا حفظ عن النبي صلى الله عليه وسلم بأن لله تعالى صفة أو صفات؛ نعم، ولا جاء قط ذلك عن أحد من الصحابة رضي الله عنهم، ولا عن أحد من خيار التابعين، ولا عن أحد من خيار تابعي التابعين، وما كان هكذا؛ فلا يحل لأحد أن ينطق به، ولو قلنا: إن الإجماع قد تيقن على ترك هذه اللفظة لصدقنا؛ فلا يجوز القول بلفظ الصفات، ولا اعتقاده؛ بل هي بدعة منكرة .. وإنما اخترع لفظ الصفات: المعتزلة وهشام ونظراؤه من رؤساء الرافضة، وسلك سبيلهم قوم من أصحاب الكلام؛ سلكوا غير مسلك السلف الصالح؛ ليس فيهم أسوة ولا قدوة، وحسبنا الله، ونعم الوكيل"اهـ (الفصل 2/95)
وقال: "وقال بعض أصحاب بن كلاب: إن الاستواء صفة ذات، ومعناه نفي الاعوجاج. قال أبو محمد: وهذا القول في غاية الفساد؛ لوجوه: أحدها: أنه تعالى لم يسم نفسه مستوياً،
ولا يحل لأحد أن يسم الله تعالى بما لم يسم به نفسه؛ لأن من فعل ذلك فقد ألحد في أسمائه حدود الله؛ أي مال عن الحق .. وثانيها: أن الأمة مجمعة على أنه لا يدعو أحد؛ فيقول: يا مستوي ارحمني، ولا يسمي ابنه عبد المستوي، وثالثها: أنه ليس كل ما نفي عن الله عز وجل؛ وجب أن يوقع عليه ضده؛ لأننا ننفي عن الله تعالى السكون، ولا يحل أن يسمى الله متحركاً، وننفي عنه الحركة، ولا يجوز أن يسمى ساكناً .. وكذلك كل صفة لم يأت بها النص؛ فكذلك الاستواء والاعوجاج؛ منفيان عنه معاً سبحانه وتعالى، وتعالى الله عن ذلك؛ لأن كل ذلك من صفات الأجسام ومن جملة الإعراض، والله قد تعالى عن الأعراض"اهـ (الفصل 2/97)
وقال: "فإن قالوا لنا: فإذن معنى سميع بصير؛ هو بعد معنى عليم؛ فقولوا: إنه تعالى يبصر المسموعات، ويسمع المرئيات. قلنا وبالله تعالى التوفيق: ما يمنع من هذا، ولا ننكره؛ بل هو صحيح"اهـ (الفصل 2/97-98)
وقال: "القول الرابع في معنى الاستواء: هو أن معنى قوله تعالى: {عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى}؛ أنه فعل فعله في العرش، وهو انتهاء خلقه إليه؛ فليس بعد العرش شيء، ويبين ذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر الجنات، وقال: (فسألوا الله الفردوس الأعلى فإنه وسط الجنة وأعلى الجنة وفوق ذلك عرش الرحمن)؛ فصح أنه ليس وراء العرش خلق، وأنه نهاية جرم المخلوقات الذي ليس خلفه خلاء ولا ملاء، ومن أنكر أن يكون للعالم نهاية من المساحة والزمان والمكان؛
فقد لحق بقول الدهرية، وفارق الإسلام. والاستواء في اللغة يقع على الانتهاء؛ قال الله تعالى: {وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوَى آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا}؛ أي: فما انتهى إلى القوة والخير. وقال تعالى: {ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ}؛ أي: أن خلقه وفعله انتهى إلى السماء بعد أن رتب الأرض على ما هي عليه، وبالله تعالى التوفيق، وهذا هو الحق، وبه نقول لصحة البرهان به، وبطلان ما عداه"اهـ (الفصل 2/98)
وقال: "أما القول الثالث في المكان: فهو أن الله تعالى لا في مكان، ولا في زمان أصلاً، وهو قول الجمهور من أهل السنة، وبه نقول، وهو الذي لا يجوز غيره لبطلان كل ما عداه"اهـ (الفصل 2/98)
وقال: "وجملة ذلك: أننا لا نسمي الله عز وجل إلا بما سمى به نفسه، ولم يسم نفسه علماً، ولا قدرة؛ فلا يحل لأحد أن يسمه بذلك، وأما قوله: هل يفهم من قول القائل: الله؛ كالذي يفهم من قوله: عالم فقط، أو يفهم من قوله: عالم معنى غير ما يفهم من قوله: الله؟ فجوابنا، وبالله تعالى نتأيد: أننا لا نفهم من قولنا: قدير وعالم؛ إذا أردنا بذلك الله تعالى؛ إلا ما نفهم من قولنا: الله فقط؛ لأن كل ذلك أسماء أعلام؛ لا مشتقة من صفة أصلاً؛ لكن إذا قلنا: هو الله تعالى بكل شيء عليم، ويعلم الغيب؛ فإنما يفهم من كل ذلك؛ أن ههنا له تعالى معلومات، وأنه لا يخفى عليه شيء، ولا يفهم منه البتة: أن له علماً هو غيره. وهكذا نقول في: يقدر، وفي غير ذلك كله"اهـ (الفصل 2/100-101)
وقال: "فصح أن علم الله تعالى حق، وقدرته حق، وقوته حق، وكل ذلك ليس هو غير الله تعالى، ولا العلم غير القدرة، ولا القدرة غير العلم؛ إذ لم يأت دليل بغير هذا؛ لا من عقل، ولا من سمع، وبالله تعالى التوفيق"اهـ (الفصل 2/101)
وقال: "فإذا قد صح ما ذكرنا؛ فقد ثبت ضرورة: أن قول القائل: متى علم الله زيداً ميتاً؟ سؤال فاسد بالضرورة؛ لأن متى؛ سؤال عن زمان، وعلم الله تعالى ليس في زمان أصلاً؛ لأنه ليس هو غير الله تعالى"اهـ (الفصل 2/103)
وقال: "وقد ثبت ضرورة أن علم الله تعالى ليس عرضاً ولا جسماً أصلاً؛ لا محمولاً فيه، ولا في غيره، ولا هو
شيء غير الباري عز وجل؛ فبالضرورة نعلم: أن معنى قوله عز وجل: }وَلَا يحيطون بِشَيْء مِنْ عِلْمِه{؛ إنما المراد العلم المخلوق الذي أعطاه عباده، وهو عرض في العالمين محمول فيهم، وهو مضاف إلى الله عز وجل بمعنى الملك، وهذا لا شك فيه؛ لأنه لا علم لنا إلا ما علمنا"اهـ (الفصل 2/104)
وقال: "أجمع المسلمون على القول بما جاء به نص القرآن؛ من أن الله تعالى سميع بصير؛ ثم اختلفوا؛ فقالت طائفة من أهل السنة، والأشعرية، وجعفر بن حرب من المعتزلة، وهشام بن الحكم، وجميع المجسمة: نقطع أن الله سميع بسمع؛ بصير ببصر. وذهبت طوائف من أهل السنة؛ منهم: الشافعي، وداود بن علي، وعبدالعزيز بن مسلم الكناني رضي الله عنهم، وغيرهم؛ إلى أن الله تعالى: سميع بصير، ولا نقول: بسمع، ولا يبصر؛ لأن الله تعالى لم يقله، ولكن سميع بذاته، وبصير بذاته. قال أبو محمد: وبهذا نقول، ولا يجوز إطلاق سمع ولا بصر حيث لم يأت به نص"اهـ (الفصل 2/109)
وقال: "قال الله تعالى: {هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ}؛ فقلنا: نعم؛ هو السميع البصير، ولم يقل تعالى: إن له سمعاً، وبصراً؛ فلا يحل لأحد أن يقول: إن له سمعاً وبصراً؛ فيكون قائلاً على الله تعالى بلا علم، وهذا لا يحل، وبالله تعالى نعتصم. وأما خصومنا: فإنهم أطلقوا أنه لا يكون إلا كما عهدوا من كل سميع وبصير؛ في أنه ذو سمع وبصر؛ فيلزمهم ضرورة أن لا يكون إلا كما عهدوا من كل سميع وبصير؛ في أنه ذو جارحة يسمع بها، ويبصر بها، ولا بد، ولولا تلك الجارحة ما سمي أحد من العالم سميعاً، ولا بصيراً، ولا أبصر أحد شيئاً"اهـ (الفصل 2/110)
وقال: "وقال تعالى: {يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى}؛ فصح أن (بصيراً، وسميعاً، وعليماً) بمعنى واحد"اهـ (الفصل 2/111)
وقال: "فإن قالوا: أتقولون: لم يزل الله خالقاً خلاقاً رازقاً. قلنا: لا نقول هذا؛ لأن الله تعالى لم ينص على أنه كان خالقاً خلاقاً رازقاً؛ لكنا نقول: لم يزل الخلاق الرزاق، ولم يزل الله تعالى لا يخلق، ولا يرزق؛ ثم خلق، ورزق من خلق"اهـ (الفصل 2/111)
وقال: "المعنى في سميع وبصير عن الله تعالى؛ هو المعنى في عليم، ولا فرق، وليس ما يظن أهل العلم؛ من أن له تعالى سمعاً وبصراً مختصين بالمسموع والمبصر تشبيهاً بخلقه"اهـ (الفصل 2/111-112)
وقال: "فإن قال قائل: أتقولون أن الله عز وجل لم يزل يسمع ويرى ويدرك. قلنا: نعم لأن الله عز وجل قال: {إِنَّنِي مَعَكُمَا أسمع وَأرى}، وقال تعالى: {وَهُوَ يدْرك الْأَبْصَار}، وقال تعالى: {وَالله يسمع تحاوركما}، وصح الإجماع بقول: سمع الله لمن حمده، وصح النص (فما أذن الله لشيء إذنه لنبي حسن الصوت يتغنى بالقرآن)؛ فنقول: إن يسمع ويرى. وأسمع، وأرى، ويدرك؛ كل ذلك بمعنى واحد، وهو معنى يعلم، ولا فرق. وأما الأذن لنبي حسن الصوت؛ فهي من الأذن بمعنى القبول؛ كما يأذن الحاجب لمأذون له في الدخول، وليس من الأذن التي هي الجارحة، ولو كان كما تظنون لكان ببصره للمبصرات، وسمعه للمسموعات محدثاً، ولكان غير سميع حتى سمع، وغير بصير حتى أبصر، ولم يدرك، وحاشا له تعالى من هذا؛ فكل هذا بمعنى العلم، ولا مزيد"اهـ (الفصل 2/112)
وقال: "وكذلك قول عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها: الحمد لله الذي وسع سمعه الأصوات؛ إنما هو بمعنى: أن علمه وسع كل ذلك؛ يعلم السر، وأخفى"اهـ (الفصل 2/112)
وقال: "فإن ذكروا الحديث الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما بينهم وبين أن يروه إلا رداء الكبرياء على وجهه؛ لو كشفه لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره)؛ ففي هذا الخبر إبطال لقولهم؛ لأن فيه أن البصر منه ذو نهاية، وكل ذي نهاية محدود محدث، وهم لا يقولون هذا؛ لكن معناه: أن البصر قد يستعمل في اللغة بمعنى الحفظ؛ قال النابغة: رأيتك ترعاني بعين بصيرة، وتبعث حراساً علي وناظراً. فمعنى هذا الخبر: لو كشف تعالى الستر الذي جعل دون سطوته؛ لأحرقت عظمته ما انتهى إليه حفظه، ورعايته من خلقه"اهـ (الفصل 2/112)
وقال: "أما نحن فلولا النص الوارد بعليم، وقدير، وعالم الغيب والشهادة، وقادر على أن يخلق مثلهم، والحي؛ لما جاز أن يسمى الله تعالى بشيء من هذا أصلاً، ولا يجوز أن يقال: حي بحياة؛ البتة"اهـ (الفصل 2/114)
وقال: "واحتجاجكم بأن من كان سميعاً فلا بد له من سمع، ومن كان بصيراً فلا بد له من بصر، ومن كان حياً فلا بد له من حياة، ومن كان مريداً فلا بد له من إرادة، ومن كان له كلام فهو متكلم؛ فأطلقتم كل هذا على الله عز وجل بلا برهان؛ فإن ناب عندكم ما ورد به النص من: حكيم، وقوي، وكريم، ومتكبر، وجبار؛ عن عاقل، وشجاع، وسخي، ومتجبر، ومستكبر، وتياه، وزاه؛ فلم تجيزوا أن تسموا الباري عز وجل بشيء من هذا؛ فكذلك فقولوا كما قلنا نحن: إن سمعياً، وبصيراً، وحياً، وله كلام، ويريد؛ يغني عن تجويز ذكر السمع، والبصر، والإرادة، ومتكلم، ولا فرق"اهـ (الفصل 2/114)
وقال: "ويقال لمن قال: إنما سمي الله تعالى عليماً لأنه له علماً، وحكيماً لأن له حكمة، وهكذا في سائر أسمائه، وادعى أن الضرورة توجب أنه لا يسمى عالماً إلا من له علم، وهكذا في سائر الصفات .. وصح بهذا البرهان الواضح؛ أنه لا يدل حينئذ عليم على علم، ولا قدير على قدرة، ولا حي على حياة، وهكذا في سائر ذلك، وإنما قلنا بالعلم والقدرة والقوة والعزة بنصوص أخر؛ يجب الطاعة لها، والقول بها"اهـ (الفصل 2/116-117)
وقال: "فإن قالوا: لم ينص تعالى على أنه يقظان. قيل لهم: ولا نص تعالى على أن له حياة"اهـ (الفصل 2/120)
وقال: "الباري تعالى لو كان حياً بحياة لم يزل، وهي غيره؛ لوجب ضرورة أن يكون تعالى مؤلفاً مركباً من ذاته وحياته وسائر صفاته، ولكان كثيراً لا واحداً، وهذا إبطال الإسلام، ونعوذ بالله من الخذلان"اهـ (الفصل 2/120)
وقال: "قد علمنا أن الله تعالى أرحم الراحمين حقاً؛ لا مجازاً؛ من أنكر هذا فهو كافر حلال دمه وماله، وهو تعالى يبتلي الأطفال بالجدري واواكل والجن والذبحة والأوجاع حتى يموتوا وبالجوع حتى يموتوا كذلك ويفجع الآباء بالأبناء، وكذلك الأمهات والأحباء بعضهم ببعض حتى يهلكوا ثكلاً ووجداً, وكذلك الطير بأولادها، وليست هذه صفة الرحمة بيننا؛ فصح يقينا أنها أسماء الله تعالى؛ سمى الله تعالى بها نفسه غير مشتقة من صفة محمولة فيه تعالى؛ حاشا له من ذلك"اهـ (الفصل 2/124)
وقال: "ولكنا نقول: وجه الله ليس هو غير الله تعالى، ولا نرجع منه إلى شيء سوى لله تعالى؛ برهان ذلك قول الله تعالى حاكياً عمن رضي قوله: {إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ}؛ فصح يقيناً أنهم لم يقصدوا غير الله تعالى"اهـ (الفصل 2/127)
وقال: "وقال تعالى: {يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ}، وقال تعالى: {لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ}، وقال تعالى: {مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا أَنْعَامًا}، وقال: {بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ}؛ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم عن يمين الرحمن: (وكلتا يديه يمين)؛ فذهبت المجسمة إلى ما ذكرنا مما قد سلف من بطلان قولهم فيه، وذهبت المعتزلة إلى أن اليد: النعمة،
وهو أيضاً لا معنى له لأنها دعوى بلا برهان، وقال الأشعري: إن المراد بقول الله تعالى: {أَيْدِينَا}؛ إنما معناه: اليدان، وإن ذكر الأعين؛ إنما معناه: عينان. وهذا باطل مدخل في قول المجسمة؛ بل نقول: إن هذا إخبار عن الله تعالى؛ لا يرجع من ذكر اليد إلى شيء سواه تعالى، ونقر إن لله تعالى كما قال: يداً، ويدين، وأيدي، وعين، وأعيناً؛ كما قال عز وجل: {وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي}، وقال تعالى: {فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا}، ولا يجوز لأحد أن يصف الله عز وجل؛ بأن له عينين؛ لأن النص لم يأت بذلك، ونقول: إن المراد بكل ما ذكرنا: الله عز وجل لا شيء غيره"اهـ (الفصل 2/127-128)
وقال: "وكذلك صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ أنه قال: (إن جهنم لا تملأ حتى يضع فيها قدمه)، وصح أيضاً في الحديث: (حتى يضع فيها رجله) ومعنى هذا؛ ما قد بينه رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث آخر صحيح؛ أخبر فيه أن الله تعالى بعد يوم القيامة يخلق خلقاً يدخلهم الجنة، وأنه يقول للجنة والنار: لكل واحدة منكما ملؤها؛ فمعنى القدم في الحديث المذكور؛ إنما هو كما قال تعالى: {أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَ رَبِّهِمْ} يريد سالف صدق؛ معناه الأمة التي تقدم في علمه تعالى أنه يملأ بها جهنم، ومعنى رجله نحو ذلك؛ لأن الرجل: الجماعة في اللغة؛ أي يضع فيها الجماعة التي قد سبق في علمه تعالى أنه يملأ جهنم بها"اهـ (الفصل 2/128)
وقال: "وكذلك الحديث الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ قال: (إن قلب المؤمن بين أصبعين من أصابع الله عز وجل) أي بين تدبيرين ونعمتين من تدبير الله عز وجل، ونعمه"اهـ (الفصل 2/128)
وقال: "وكذلك القول في الحديث الثابت (خلق الله آدم على صورته) فهذه إضافة ملك؛ يريد الصورة التي تخيرها الله سبحانه وتعالى ليكون آدم مصوراً عليها"اهـ (الفصل 2/128)
وقال: "وقد رأيت لابن فورك وغيره من الأشعرية في الكلام في هذا الحديث؛ أنهم قالوا في معنى قوله عليه السلام: (ن الله خلق آدم على صورته) إنما هو على صفة الرحمن من الحياة، والعلم، والاقتدار، واجتماع صفات الكمال فيه، وأسجد له ملائكته كما أسجدهم لنفسه، وجعل له الأمر والنهي على ذريته؛ كما كان لله كل ذلك. قال أبو محمد: هذا نص كلام أبي جعفر السمعاني عن شيوخه حرفاً حرفاً، وهذا كفر مجرد لا مرية فيه"اهـ (الفصل 2/128-129)
وقال: "وكذلك ما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم عن يوم القيامة؛ أن الله عز جل يكشف عن ساق فيخرون سجداً؛ فهذا كما قال الله عز وجل في القرآن: {يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ{، وإنما هو إخبار عن شدة الأمر، وهول الموقف"اهـ (الفصل 2/129)
وقال: "وأما القدرة، والقوة؛ فقد قال عز وجل: {أولم يرَوا أَن الله الَّذِي خلقهمْ هُوَ أَشد مِنْهُم قُوَّة}، وحدثنا عبدالرحمن بن عبدالله بن خالد الهمذاني؛ حدثنا إبراهيم بن أحمد البلخي؛ حدثنا الفربري؛ حدثنا محمد بن إسماعيل؛ حدثنا إبراهيم بن المنذر؛ حدثنا معن بن عيسى؛ حدثنا عبدالرحمن بن أبي الموال؛ سمعت محمد بن المنكدر يحدث عبدالله بن
الحسن؛ قال: أخبرني جابر بن عبدالله؛ قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلم أصحابه الاستخارة؛ فذكر الحديث، وفيه: (اللهم إني أستخيرك بعلمك وأستقدرك بقدرتك وأسألك من فضلك)؛ قال أبو محمد: والقول في القدرة والقوة؛ كالقول في العلم سواء بسواء في اختلاف الناس على تلك الأقوال، وتلك الحجاج، ولا فرق. وقولنا في هذا هو ما قلناه هنالك؛ من أن القدرة والقوة لله تعالى حقاً، وليستا غير الله تعالى، ولا يقال هما الله تعالى"اهـ (الفصل 2/131)
وقال: "وصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ أنه أخبر: (أن الله تعالى ينزل كل ليلة إذا بقي ثلث الليل إلى سماء الدنيا). قال أبو محمد: وهذا إنما هو فعل يفعله الله تعالى في سماء الدنيا من الفتح لقبول الدعاء، وأن تلك الساعة من مظان القبول، والإجابة، والمغفرة للمجتهدين، والمستغفرين، والتائبين، وهذا معهود في اللغة؛
تقول: نزل فلان عن حقه؛ بمعنى: وهبه لي، وتطول به علي. ومن البرهان على أنه صفة فعل؛ لا صفة ذات؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم علق التنزل المذكور بوقت محدد؛ فصح أنه فعل محدث في ذلك مفعول حينئذ، وقد علمنا أن ما لم يزل؛ فليس متعلقاً بزمان البتة، وقد بين رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض ألفاظ الحديث المذكور؛ ما ذلك الفعل، وهو أنه ذكر عليه السلام: أن الله يأمر ملكاً ينادي في ذلك الوقت بذلك. وأيضاً: فإن ثلث الليل مختلف في البلاد باختلاف المطالع، والمغارب؛ يعلم ذلك ضرورة من بحث عنه؛ فصح ضرورة: أنه فعل يفعله ربنا تعالى في ذلك الوقت لأهل كل أفق. وأما من جعل ذلك نقلة؛ فقد قدمنا بطلان قوله في إبطال القول بالجسم؛ بعون الله، وتأييده، ولو انتقل تعالى؛ لكان محدوداً مخلوقاً مؤلفاً شاغلاً لمكان، وهذه صفة المخلوقين؛ تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً"اهـ (الفصل 2/132)
وقال: "وكذلك القول في قوله تعالى: {وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا}، وقوله تعالى: {هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ وَالْمَلَائِكَةُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ}؛ فهذا كله على ما بينا؛ من أن المجيء والإتيان يوم القيامة؛ فعل يفعله الله تعالى في ذلك اليوم؛ يسمي ذلك الفعل: مجيئاً، وإتياناً"اهـ (الفصل 2/132)
وقال: "لا تعقل الصفة والصفات في اللغة التي بها نزل بها القرآن، وفي سائر اللغات، وفي وجود العقل، وفي ضرورة الحس؛ إلا أعراضاً محمولة في الموصوفين؛ فإذا جوزوها غير أعراض بخلاف المعهود؛ فقد تحكموا بلا دليل؛ إذ إنما يصار إلى مثل هذا فيما ورد به نص، ولم يرد قط نص بلفظ الصفات، ولا بلفظ الصفة؛ فمن المحال أن يؤتى بلفظ لا نص فيه يعبر به عن خلاف المعهود. وقال تعالى: {للَّذين لَا يُؤمنُونَ بِالآخِرَة مثل السوء وَللَّه الْمثل الْأَعْلَى وَهُوَ الْعَزِيز الْحَكِيم}؛ ثم قال تعالى: {فَلَا تضربوا لله الْأَمْثَال إِن الله يعلم وَأَنْتُم لَا تعلمُونَ}؛ فلو ذكروا الأمثال مكان الصفات لذكر الله تعالى لفظة المثل؛ لكان أولى. ثم قد بين الله تعالى غاية البيان؛ فقال: {فَلَا تضربوا لله الْأَمْثَال}، وقد أخبر الله تعالى بأن له المثل الأعلى؛ فصح ضرورة أنه لا يضرب له مثل؛ إلا ما أخبر به تعالى فقط، ولا يحل أن يزاد على ذلك شيء أصلاً، وبالله تعالى التوفيق"اهـ (الفصل 2/132)
وقال: "وصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ أنه أخبر أن الله تعالى ينزل كل ليلة إذا بقي ثلث الليل إلى سماء الدنيا. قال أبو محمد: وهذا إنما هو فعل يفعله الله تعالى في سماء الدنيا من الفتح لقبول الدعاء، وأن تلك الساعة من مظان القبول والإجابة والمغفرة للمجتهدين والمستغفرين والتائبين،
وهذا معهود في اللغة؛ تقول: نزل فلان عن حقه؛ بمعنى وهبه لي، وتطول به علي. ومن البرهان على أنه صفة فعل لا صفة ذات؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم علق التنزل المذكور بوقت محدد؛ فصح أنه فعل محدث في ذلك مفعول حينئذ، وقد علمنا أن ما لم يزل؛ فليس متعلقاً بزمان البتة، وقد بين رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض ألفاظ الحديث المذكور ما ذلك الفعل، وهو أنه ذكر عليه السلام أن الله يأمر ملكاً ينادي في ذلك الوقت بذلك، وأيضاً: فإن ثلث الليل مختلف في البلاد باختلاف المطالع والمغارب؛ يعلم ذلك ضرورة من بحث عنه؛
فصح ضرورة أنه فعل يفعله ربنا تعالى في ذلك الوقت لأهل كل أفق. وأما من جعل ذلك نقلة؛ فقد قدمنا بطلان قوله في إبطال القول بالجسم بعون الله وتأييده، ولو انتقل تعالى؛ لكان محدوداً مخلوقاً مؤلفاً شاغلاً لمكان، وهذه صفة المخلوقين؛ تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً، وقد حمد الله إبراهيم خليله ورسوله وعبده صلى الله عليه وسلم؛ إذ بين لقومه بنقلة القمر؛ أنه ليس رباً؛ فقال: {فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَا أُحِبُّ الْآفِلِينَ}، وكل منتقل عن مكان فهو آفل عنه؛ تعالى الله عن هذا"اهـ (الفصل 2/132)
وقال: "وأما الإرادة: فقد أثبتها قوم من صفات الذات، وقالوا: لم تزل الإرادة، ولم يزل الله تعالى. قال أبو محمد: وهذا خطأ لبرهانين ضروريين؛ أحدهما: أن الله تعالى لم ينص على أنه مريد، ولا على أن له إرادة"اهـ (الفصل 2/134)
وقال: "ولا يجوز أن يقال البتة: إن الله تعالى متكلم؛ لأنه لم يسم بذلك نفسه، ومن قال: إن الله تعالى مكلم موسى. لم ينكره؛ لأنه يخبر عن فعله تعالى الذي لم يكن"اهـ (الفصل 3/6)
وقال: "اسم القرآن يقع على خمسة أشياء وقوعاً مستوياً صحيحاً؛ منها: أربعة مخلوقة، وواحد غير مخلوق"اهـ (الفصل 3/7)
وقال: "وهذا هو قولنا: أن كل ما فعله الله تعالى من تكليف ما لا يطاق، وتعذيبه عليها، وخلقه الكفر والظلم في الكافر والظالم، وإقراره كل ذلك؛ ثم تعذيبهما عليه، وخلقه الكفر وغضبه منه وسخطه إياه؛ كل ذلك من الله تعالى حكمة وعدل وحق، وممن دونه تعالى سفه وظلم وباطل؛ لا يسأل عما يفعل وهم يسألون"اهـ (الفصل 3/41)
وقال: "لا نقبح إلا ما قبح الله تعالى، ولا نحسن إلا ما حسن الله تعالى"اهـ (الفصل 3/41)
وقال: "والقول الصحيح: هو أن العقل الصحيح يعرف بصحته ضرورة أن الله تعالى حاكم على كل ما دونه، وأنه تعالى غير محكوم عليه، وأن كل ما سواه تعالى فمخلوق له عز وجل؛ سوء كان جوهراً حاملاً، أو عرضاً محمولاً؛ لا خالق سواه، وأنه يعذب من يشاء أن يعذبه، ويرحم من يشاء أن يرحمه، وأنه لا يلزم أحدا إلا ما ألزمه الله عز وجل، ولا قبيح إلا ما قبح الله، ولا حسن إلا ما حسن الله"اهـ (الفصل 3/60)
وقال: "وذهب سائر الفقهاء وأصحاب الحديث والمعتزلة والشيعة وجميع الخوارج؛ إلى أن الإيمان هو المعرفة بالقلب بالدين، والإقرار به باللسان، والعمل بالجوارح"اهـ (الفصل 3/106)
وقال: "أصل الإيمان كما قلنا في اللغة: التصديق بالقلب وباللسان معاً؛ بأي شيء صدق المصدق لا شيء دون شيء البتة؛ إلا أن الله عز وجل على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ أوقع لفظة الإيمان على العقد بالقلب لأشياء محدودة مخصوصة معروفة على العقد لكل شيء، وأوقعها أيضاً تعالى على الإقرار باللسان بتلك الأشياء خاصة لا بما سواها، وأوقعها أيضاً على أعمال الجوارح لكل ما هو طاعة له تعالى فقط؛ فلا يحل لأحد خلاف الله تعالى فيما أنزله وحكم به، وهو تعالى خالق اللغة، وأهلها فهو أملك بتصريفها، وإيقاع أسمائها على ما يشاء"اهـ (الفصل 3/107)
وقال: "والتصديق بالشيء - أي شيء كان - لا يمكن البتة أن يقع فيه زيادة، ولا نقص، وكذلك التصديق بالتوحيد والنبوة؛ لا يمكن البتة أن يكون فيه زيادة، ولا نقص"اهـ (الفصل 3/108)
وقال: "ولا عدد للاعتقاد، ولا كمية، وإنما الكمية والعدد في الأعمال، والأقوال فقط"اهـ (الفصل 3/109)
وقال: "فإذا قد وضح وجود الزيادة في الإيمان؛ بخلاف قول من قال: إنه التصديق؛ فبالضرورة ندري أن الزيادة تقتضي النقص ضرورة ولا بد؛ لأن معنى الزيادة إنما هي عدد مضاف إلى عدد، وإذا كان ذلك؛ فذلك العدد المضاف إليه هو بيقين ناقص عند عدم الزيادة فيه، وقد جاء النص بذكر النقص، وهو قول رسول الله صلى الله عليه وسلم المشهور؛ المنقول نقل الكواف؛ أنه قال للنساء: (ما رأيت من ناقصات عقل ودين أسلب للرجل الحازم منكن) قلن: يا رسول الله، وما نقصان ديننا؟
قال عليه السلام: (أليس تقيم المرأة العدد من الأيام والليالي لا تصوم ولا تصلي فهذا نقصان دينها)،
ولو نقص من التصديق شيء لبطل عن أن يكون تصديقاً؛ لأن التصديق لا يتبعض أصلاً، ولصار شكاً"اهـ (الفصل 3/110)
وقال: "إن قال قائل أليس الكفر ضد الإيمان؟ قلنا وبالله تعالى التوفيق: إطلاق هذا القول خطأ؛ لأن الإيمان اسم مشترك يقع على معان شتى كما ذكرنا؛ فمن تلك المعاني: شيء يكون الكفر ضداً له. ومنها: ما يكون الفسق ضداً له؛ لا الكفر. ومنها: ما يكون الترك ضداً؛ له لا الكفر، ولا الفسق. فأما الإيمان الذي يكون الكفر ضداً له؛ فهو العقد بالقلب، والإقرار باللسان؛ فإن الكفر ضد لهذا الإيمان. وأما الإيمان الذي يكون الفسق ضداً؛ له لا الكفر؛ فهو ما كان من الأعمال فرضاً؛ فإن تركه ضد للعمل، وهو فسق؛ لا كفر. وأما الإيمان الذي يكون الترك له ضداً؛ فهو كل ما كان من الأعمال تطوعاً؛ فإن تركه ضد العمل به، وليس فسقاً، ولا كفراً"اهـ (الفصل 3/118-119)
وقال: "القول عندنا في هذه المسألة: إن هذه صفة يعلمها المرء من نفسه؛ فإن كان يدري أنه مصدق بالله عز وجل، وبمحمد صلى الله عليه وسلم، وبكل ما أتى به عليه السلام، وأنه يقر بلسانه بكل ذلك؛ فواجب عليه أن يعترف بذلك كما أمر تعالى؛ إذ قال تعالى {وَأما بِنِعْمَة رَبك فَحًدث} ولا نعمة أوكد، ولا أفضل، ولا أولى بالشكر؛ من نعمة الإسلام؛ فواجب عليه أن يقول: أنا مؤمن مسلم قطعاً عند الله تعالى في وقتي هذا. ولا فرق بين قوله: أنا مؤمن مسلم، وبين قوله: أنا أسود، أو: أنا أبيض. وهكذا سائر صفاته التي لا يشك فيها"اهـ (الفصل 3/127)
وقال: "وقال سائر أهل الإسلام: كل من اعتقد بقلبه؛ اعتقاداً لا يشك فيه، وقال بلسانه: لا إله إلا الله، وأن محمد رسول الله، وأن كل ما جاء به حق، وبرئ من كل دين سوى دين محمد صلى الله عليه وسلم؛ فإنه مسلم مؤمن؛ ليس عليه غير ذلك"اهـ (الفصل 4/29)
وقال: "وقد بين عليه السلام ذلك؛ بأنه يخرج من النار من في قلبه مثقال حبة من شعير من خير؛ ثم من في قلبه مثقال برة من خير؛ ثم من في قلبه مثقال حبة من خردل؛ ثم من في قلبه مثقال ذرة؛ إلى أدنى أدنى أدنى من ذلك؛ ثم من لم يعمل خيرا قط إلا شهادة السلام؛ فوجب الوقوف عند هذه النصوص كلها المفسرة للنص المجمل "اهـ (الفصل 4/43)
وقال: "وأما من قال بما لا يدري؛ أن ذلك الميزان ذو كفتين؛ فإنما قاله قياساً على موازين الدنيا، وقد أخطأ في قياسه؛ إذ في موازين الدنيا ما لا كفة له"اهـ (الفصل 4/55)
وقال: "صح بنص القرآن أن روح من مات لا يرجع إلى جسده إلا إلى أجل مسمى، وهو يوم القيامة، وكذلك أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه رأى الأرواح ليلة أسرى به عند سماء الدنيا؛ عن يمين آدم عليه السلام أرواح أهل السعادة، وعن شماله أرواح أهل الشقاء، وأخبر عليه السلام يوم بدر إذ خاطب القتلى أنهم وجدوا ما توعدهم به حقاً قبل أن يكون لهم قبور؛ فقال المسلمون: يا رسول الله أتخاطب قوماً قد جيفوا؛ فقال عليه السلام: ما أنتم بأسمع لما أقول منهم؛ فلم ينكر عليه السلام على المسلمين قولهم: إنهم قد جيفوا، وأعلمهم أنهم سامعون؛ فصح أن ذلك لأرواحهم فقط بلا شك، وأما الجسد فلا حس له"اهـ (الفصل 4/56)
وقال: "فتنة القبر وعذابه والمسألة؛ إنما هي للروح فقط بعد فراقه للجسد إثر ذلك"اهـ (الفصل 4/56)
وقال: "في نص القرآن دليل على صحة خلافة أبي بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم، وعلى وجوب الطاعة لهم، وهو أن الله تعالى قال مخاطباً لنبيه صلى الله عليه وسلم في الأعراب: {فَإِن رجعك الله إِلَى طَائِفَة مِنْهُم فاستأذنوك لِلْخُرُوجِ فَقل لن تخْرجُوا معي أبدا وَلنْ تقاتلوا معي عدوا}، وكان نزول سورة براءة التي فيها هذا الحكم؛ بعد غزوة تبوك بلا شك التي لا تخلف فيها الثلاثة المعذورون الذين تاب الله عليهم في سورة براءة، ولم يغز عليه السلام بعد غزوة تبوك إلى أن مات صلى الله عليه وسلم. وقال تعالى أيضاً: {سَيَقُولُ الْمُخَلفُونَ إِذا انطلقتم إِلَى مَغَانِم لتأخذوها ذرونا نتبعكم يُرِيدُونَ أَن يبدلوا كَلَام الله قل لن تتبعونا كذلكم قَالَ الله من قبل}؛
فبين أن العرب لا يغزون مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد تبوك لهذا؛ ثم عطف سبحانه وتعالى عليهم أثر منعه إياهم من الغزو مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وغلق باب التوبة؛ فقال تعالى: {قل للمخلفين من الْأَعْرَاب ستدعون إِلَى قوم أولي بَأْس شَدِيد تقاتلونهم أَو يسلمُونَ فَإِن تطيعوا يُؤْتكُم الله أجرا حسنا وَإِن تَتَوَلَّوْا كَمَا توليتم من قبل يعذبكم عذَابًا أَلِيمًا{؛ فأخبر تعالى
أنهم سيدعوهم غير النبي صلى الله عليه وسلم إلى قوم يقاتلونهم أو يسلمون، ووعدهم على طاعة من دعاهم إلى ذلك؛ بجزيل الأجر العظيم، وتوعدهم على عصيان الداعي لهم إلى ذلك العذاب الأليم، وما دعا أولئك الأعراب أحد بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى قوم يقاتلونهم أو يسلمون؛ إلا أبو بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم؛ فإن أبا بكر رضي الله عنه دعاهم إلى قتال مرتدي العرب بني حنيفة وأصحاب الأسود وسجاح وطليحة والروم والفرس وغيرهم، ودعاهم عمر إلى قتال الروم والفرس، وعثمان دعاهم إلى قتال الروم والفرس والترك؛ فوجب طاعة أبي بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم بنص القرآن الذي لا يحتمل تأويلاً، وإذ قد وجبت طاعتهم فرضاً؛ فقد صحت إمامتهم وخلافتهم رضي الله عنهم"اهـ (الفصل 4/89)
وقال: "والذي نقول به، وندين الله تعالى عليه، ونقطع على أنه الحق عند الله عز وجل: أن أفضل الناس بعد الأنبياء عليهم السلام؛ نساء رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ ثم أبو بكر"اهـ (الفصل 4/91)
وقال: "قد صحت النصوص والإجماع على أن محبة رسول الله صلى الله عليه وسلم لمن أحب فضيلة، وذلك كقوله عليه السلام لعلي: (لأعطين الرابة غداً رجلاً يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله) .. فقد صح يقيناً؛ أن كان أتم حظاً في الفضيلة؛ فهو أفضل ممن هو أقل حظاً في تلك الفضيلة؛ هذا شيء يعلم ضرورة؛ فإذا كانت عائشة أتم حظاً في المحبة التي هي أتم فضيلة؛ فهي أفضل ممن حظه في ذلك أقل من حظها، ولذلك لما قيل له عليه السلام: من الرجال؟ قال: أبوها؛ ثم عمر. فكان ذلك موجباً لفضل أبي بكر؛ ثم عمر على سائر الصحابة رضي الله عنهم؛ فالحكم بالباطل لا يجوز في أن يكون يقدم أبو بكر ثم عمر في الفضل من أجل تقدمها في المحبة عليهما، وما نعلم نصاً في وجوب القول بتقديم أبي بكر ثم عمر على سائر الصحابة إلا هذا الخبر وحده"اهـ (الفصل 4/99)
وقال: "فهذا عمار، والحسن، وكل من حضر من الصحابة رضي الله عنهم، والتابعين، والكوفة يومئذ مملؤة منهم؛ يسمعون تفضيل عائشة على علي، وهو عند عمار والحسن؛ أفضل من أبي بكر وعمر؛ فلا ينكرون ذلك، ولا يعترضونه، وهم أحوج ما كانوا إلى إنكاره؛ فصح أنهم متفقون على أنها وأزواجه عليه السلام؛ أفضل من كل الناس بعد الأنبياء عليهم السلام"اهـ (الفصل 4/106)
وقال: "ووجه الله تعالى هو الله، وليس هو شيئاً غيره"اهـ (الفصل 4/141)
وقال: "وإنما حملهم على هذا الضلال؛ ظنهم أن إثبات علم الله تعالى، وقدرته، وعزته، وكلامه؛ لا يثبت إلا بهذه الطريقة الملعونة، ومعاذ الله من هذا؛ بل كل ذلك حق؛ لم يزل غير مخلوق؛ ليس شيء من ذلك غير الله تعالى، ولا يقال في شيء من ذلك: هو الله تعالى؛ لأن هذه تسمية له عز وجل، وتسميته لا تجوز إلا بنص، وقد تقصينا الكلام في هذا في صدر ديواننا هذا، والحمد لله رب العالمين"اهـ (الفصل 4/157)
وقال: "وأما الصرع فإن الله عز وجل؛ قال: {الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ}؛ فذكر عز وجل تأثير الشيطان في المصروع؛ فإنما هو بالمماسة؛ فلا يجوز لأحد أن يزيد على ذلك شيئاً، ومن زاد على هذا شيئاً؛ فقد قال ما لا علم له به، وهذا حرام لا يحل"اهـ (الفصل 5/10)
وقال: "جاء القرآن بأن الله عز وجل أرسل الملائكة إلى نساء؛ فأخبروهن بوحي حق من الله تعالى؛ فبشروا أم إسحاق بإسحاق عن الله تعالى قال عز وجل: {وَامْرَأَته قَائِمَة فَضَحكت فبشرناها بِإسْحَاق وَمن وَرَاء إِسْحَاق يَعْقُوب قَالَت يَا ويلتى أألد وَأَنا عَجُوز وَهَذَا بعلي شَيخا إِن هَذَا لشَيْء عَجِيب قَالُوا أَتَعْجَبِينَ من أَمر الله رَحْمَة الله وَبَرَكَاته عَلَيْكُم أهل الْبَيْت}؛ فهذا خطاب الملائكة لأم إسحاق عن الله عز وجل بالبشارة لها بإسحاق ثم يعقوب؛ ثم بقولهم لها: {أَتَعْجَبِينَ من أَمر الله}، ولا يمكن البتة أن يكون هذا الخطاب من ملك لغير نبي بوجه من الوجوه.
ووجدناه تعالى قد أرسل جبريل إلى مريم أم عيسى عليهما السلام يخاطبها، وقال لها: {إِنَّمَا أَنا رَسُول رَبك لأهب لَك غُلَاما زكيا}؛ فهذه نبوة صحيحة بوحي صحيح، ورسالة من الله تعالى إليها، وكان زكريا عليه السلام يجد عندها من الله تعالى رزقاً وارداً؛ تمنى من أجله ولداً فاضلاً. ووجدنا أم موسى عليهما الصلاة والسلام قد أوحى الله إليها بإلقاء ولدها في اليم، وأعلمها أنه سيرده إليها، ويجعله نبيا مرسلاً؛ فهذه نبوة لا شك فيها، وبضرورة العقل يدري كل ذي تمييز صحيح؛ أنها لو لم تكن واثقة بنبوة الله عز وجل لها؛ لكانت بإلقائها ولدها في اليم برؤيا تراها، أو بما يقع في نفسها، أو قام في هاجستها؛ في غاية الجنون، والمرار الهائج، ولو فعل ذلك أحدنا لكان في غاية الفسق، أو في غاية الجنون؛ مستحقاً لمعالجة دماغه في البيمارستان؛ لا يشك في هذا أحد؛ فصح يقيناً أن الوحي الذي ورد لها في إلقاء ولدها في اليم؛ كالوحي الوارد على إبراهيم في الرؤيا في ذبح ولده؛
فإن إبراهيم عليه الصلاة والسلام لو لم يكن نبياً واثقاً بصحة الوحي، والنبوة الوارد عليه من ذبح ولده؛ لكان ذبح ولده لرؤيا رآها، أو ظن وقع في نفسه، وكان بلا شك فاعل ذلك من غير الأنبياء فاسقاً في نهاية الفسق، أو مجنوناً في غاية الجنون؛ هذا ما لا يشك فيه أحد من الناس؛ فصحت نبوتهن بيقين. ووجدنا الله تعالى قد قال، وقد ذكر من الأنبياء عليهم السلام في سورة كهيعص؛ ذكر مريم في جملتهم؛
ثم قال عز وجل: {أُولَئِكَ الَّذين أنعم الله عَلَيْهِم من النَّبِيين من ذُرِّيَّة آدم وَمِمَّنْ حملنَا مَعَ نوح}، وهذا هو عموم لها معهم لا يجوز تخصيصها من جملتهم، وليس قوله عز وجل: }وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ{؛ بمانع من أن تكون نبية؛ فقد قال تعالى: }يُوسُفُ أَيُّهَا الصِّدِّيقُ{، وهو مع ذلك نبي رسول، وهذا ظاهر وبالله تعالى التوفيق. ويلحق بهن عليهن السلام في ذلك امرأة فرعون؛ بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (كمل من الرجال كثيرون ولم يكمل من النساء إلا مريم بنت عمران وآسية بنت مزاحم امرأة فرعون)، أو كما قال عليه السلام. والكمال في الرجال لا يكون إلا لبعض المرسلين عليهم الصلاة والسلام؛ لأن من دونهم ناقص عنهم بلا شك، وكان تخصيصه صلى الله عليه وسلم مريم وامرأة فرعون تفضيلاً لهما على سائر من أوتيت النبوة من النساء بلا شك؛ إذ من نقص عن منزلة آخر، ولو بدقيقة؛ لم يكمل؛
فصح بهذا الخبر أن هاتين المرأتين كملتا كمالاً لم يلحقهما فيه امرأة غيرها أصلاً، وأنهن بنصوص القرآن نبيات"اهـ (الفصل 5/13)
وقال: "وإنما نعني بقولنا العلماء: من حفظ عنه الفتيا من الصحابة، والتابعين، وتابعيهم، وعلماء الأمصار، وأئمة أهل الحديث، ومن تبعهم رضي الله عنهم أجمعين. ولسنا نعني: أبا الهذيل، ولا ابن الأصم، ولا بشر بن المعتمر، ولا إبراهيم بن سيار، ولا جعفر بن حرب، ولا جعفر بن مبشر، ولا ثمامة، ولا أبا عفان، ولا الرقاشي، ولا الأزارقة والصفرية، ولا جهال الإباضية، ولا أهل الرفض؛ فإن هؤلاء لم يتعنوا من تثقيف الآثار، ومعرفة صحيحها من سقيمها، ولا البحث عن أحكام القرآن لتمييز حق الفتيا من باطلها بطرف محمود؛ بل اشتغلوا عن ذلك بالجدال في أصول الاعتقادات، ولكل قوم علمهم، ونحن، وإن كنا لا نكفر كثيراً ممن ذكرنا، ولا نفسق كثيراً منهم؛ بل نتولى جميعهم؛ حاشا من أجمعت الأمة على تكفيره منهم؛ فإنا تركناهم لأحد وجهين: إما لجهلهم بحدود الفتيا والحديث والآثار،
وإما لفسق ثبت عن بعضهم في أفعاله ومجونه فقط؛ كما نفعل نحن بمن كان قبلنا من أهل نحلتنا جاهلاً، أو ماجناً، ولا فرق، وبالله التوفيق. ولسنا نخرج من جملة العلماء؛ من ثبتت عدالته، وبحثه عن حدود الفتيا، وإن كان مخالفاً لنحلتنا؛ بل نعتد بخلافه كسائر العلماء ولا فرق؛ كعمرو بن عبيد، ومحمد بن إسحاق، وقتادة بن دعامة السدوسي، وشبابة بن سوار، والحسن بن حي، وجابر بن زيد، ونظرائهم، وإن كان فيهم القدري، والشيعي، والإباضي، والمرجئ؛ لأنهم كانوا أهل علم، وفضل، وخير، واجتهاد؛ رحمهم الله، وغلط هؤلاء بما خالفونا فيه؛ كغلط سائر العلماء في التحريم والتحليل، ولا فرق"اهـ (مراتب الإجماع ص 14-15)
وقال: "وإنما لم يكفر من ترك العمل، وكفر من ترك القول؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم حكم بالكفر على من أبى من القول، وإن كان عالماً بصحة الإيمان بقلبه، وحكم بالخروج من النار لمن علم بقلبه، وقال بلسانه؛ وإن لم يعمل خيراً قط"اهـ (الدرة ص 337-338)
وقال: "إن الخلق لما كانوا لا يقع منهم الفعل إلا لعلة؛ وجب للبراهين الضرورية أن الباري عز وجل خلاف جميع خلقه من جميع الجهات؛ فلما كان ذلك؛ وجب أن يكون فعله لا لعلة بخلاف أفعال الخلق، ولا يجب أن يقال في شيء من أفعاله: لم فعل هكذا أولاً؟ إذ حبا الإنسان بالعقل، وحرمه سائر الحيوان .. تعالى الذي لا يسأل عن فعله؛ يقول تعالى: {لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ}"اهـ (الأصول والفروع 1/181)
وقال: "وكلام الله تعالى صفة قديمة من صفاته، ولا توجد صفاته إلا به، ولا تبين منه؛ لأنه لم يزل متكلماً؛ كما أن قدرته لا تبين منه؛ لأن الكلام لا يكون إلا من متكلم، ولا تكون القدرة إلا من قدير .. والله عز وجل لم يزل متكلماً؛ ليس لكلامه أول، ولا آخر"اهـ (الأصول والفروع 2/395-396)
حتّى قوله (والله عز وجل لم يزل متكلماً؛ ليس لكلامه أول، ولا آخر) مشبوه إذ الله هو الأوّل والآخر بكلامه وجميع صفاته. فكان عليه قول (كلامه أزليّ أبديّ). وقوله (ولا توجد صفاته إلا به) مشبوه أيضا إذ قد يعني أنّ الله أوجد صفاته. وهذا كفر لأنّ صفاته أزليّة أبديّة غير مخلوقة.
وقوله "لا نقبح إلا ما قبح الله تعالى، ولا نحسن إلا ما حسن الله تعالى"اهـ (الفصل 3/41) و"والقول الصحيح: هو أن العقل الصحيح يعرف بصحته ضرورة أن الله تعالى حاكم على كل ما دونه، وأنه تعالى غير محكوم عليه، وأن كل ما سواه تعالى فمخلوق له عز وجل؛ سوء كان جوهراً حاملاً، أو عرضاً محمولاً؛ لا خالق سواه، وأنه يعذب من يشاء أن يعذبه، ويرحم من يشاء أن يرحمه، وأنه لا يلزم أحدا إلا ما ألزمه الله عز وجل، ولا قبيح إلا ما قبح الله، ولا حسن إلا ما حسن الله"اهـ (الفصل 3/60) يقصد به مذهب المسكوتيّة ومذهب المبتدعة النّافي لما نصّ عليه الله من دور العقل في إقرار ما شرعه في التّحسين والتّقبيح .
وقوله "أصل الإيمان كما قلنا في اللغة: التصديق بالقلب وباللسان معاً؛ بأي شيء صدق المصدق لا شيء دون شيء البتة؛ إلا أن الله عز وجل على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ أوقع لفظة الإيمان على العقد بالقلب لأشياء محدودة مخصوصة معروفة على العقد لكل شيء، وأوقعها أيضاً تعالى على الإقرار باللسان بتلك الأشياء خاصة لا بما سواها، وأوقعها أيضاً على أعمال الجوارح لكل ما هو طاعة له تعالى فقط؛ فلا يحل لأحد خلاف الله تعالى فيما أنزله وحكم به، وهو تعالى خالق اللغة، وأهلها فهو أملك بتصريفها، وإيقاع أسمائها على ما يشاء"اهـ (الفصل 3/107) هو لمز للنّبيّ بأنّه تكلّف، بأمر الله، تعريف الإيمان بما ليس من اللّغة!!!!!!
وقوله "والذي نقول به، وندين الله تعالى عليه، ونقطع على أنه الحق عند الله عز وجل: أن أفضل الناس بعد الأنبياء عليهم السلام؛ نساء رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ ثم أبو بكر"اهـ (الفصل 4/91) مردود بحديث وزن إيمان أبي بكر فإيمان عمر أمام إيمان بقيّة الأمّة.
وقوله "وأما الصرع فإن الله عز وجل؛ قال: {الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ}؛ فذكر عز وجل تأثير الشيطان في المصروع؛ فإنما هو بالمماسة؛ فلا يجوز لأحد أن يزيد على ذلك شيئاً، ومن زاد على هذا شيئاً؛ فقد قال ما لا علم له به، وهذا حرام لا يحل"اهـ (الفصل 5/10) هو كفر بنصوص السّنّة المبيّنة لمعنى الآية.
وقوله "جاء القرآن بأن الله عز وجل أرسل الملائكة إلى نساء؛ فأخبروهن بوحي حق من الله تعالى؛ فبشروا أم إسحاق بإسحاق عن الله تعالى قال عز وجل: {وَامْرَأَته قَائِمَة فَضَحكت فبشرناها بِإسْحَاق وَمن وَرَاء إِسْحَاق يَعْقُوب قَالَت يَا ويلتى أألد وَأَنا عَجُوز وَهَذَا بعلي شَيخا إِن هَذَا لشَيْء عَجِيب قَالُوا أَتَعْجَبِينَ من أَمر الله رَحْمَة الله وَبَرَكَاته عَلَيْكُم أهل الْبَيْت}؛ فهذا خطاب الملائكة لأم إسحاق عن الله عز وجل بالبشارة لها بإسحاق ثم يعقوب؛ ثم بقولهم لها: {أَتَعْجَبِينَ من أَمر الله}، ولا يمكن البتة أن يكون هذا الخطاب من ملك لغير نبي بوجه من الوجوه. ووجدناه تعالى قد أرسل جبريل إلى مريم أم عيسى عليهما السلام يخاطبها،
وقال لها: {إِنَّمَا أَنا رَسُول رَبك لأهب لَك غُلَاما زكيا}؛ فهذه نبوة صحيحة بوحي صحيح، ورسالة من الله تعالى إليها، وكان زكريا عليه السلام يجد عندها من الله تعالى رزقاً وارداً؛ تمنى من أجله ولداً فاضلاً. ووجدنا أم موسى عليهما الصلاة والسلام قد أوحى الله إليها بإلقاء ولدها في اليم، وأعلمها أنه سيرده إليها، ويجعله نبيا مرسلاً؛ فهذه نبوة لا شك فيها، وبضرورة العقل يدري كل ذي تمييز صحيح؛ أنها لو لم تكن واثقة بنبوة الله عز وجل لها؛ لكانت بإلقائها ولدها في اليم برؤيا تراها، أو بما يقع في نفسها، أو قام في هاجستها؛ في غاية الجنون، والمرار الهائج، ولو فعل ذلك أحدنا لكان في غاية الفسق، أو في غاية الجنون؛ مستحقاً لمعالجة دماغه في البيمارستان؛ لا يشك في هذا أحد؛ فصح يقيناً أن الوحي الذي ورد لها في إلقاء ولدها في اليم؛ كالوحي الوارد على إبراهيم في الرؤيا في ذبح ولده؛ فإن إبراهيم عليه الصلاة والسلام لو لم يكن نبياً واثقاً بصحة الوحي، والنبوة الوارد عليه من ذبح ولده؛ لكان ذبح ولده لرؤيا رآها، أو ظن وقع في نفسه، وكان بلا شك فاعل ذلك من غير الأنبياء فاسقاً في نهاية الفسق، أو مجنوناً في غاية الجنون؛ هذا ما لا يشك فيه أحد من الناس؛ فصحت نبوتهن بيقين.
ووجدنا الله تعالى قد قال، وقد ذكر من الأنبياء عليهم السلام في سورة كهيعص؛ ذكر مريم في جملتهم؛ ثم قال عز وجل: {أُولَئِكَ الَّذين أنعم الله عَلَيْهِم من النَّبِيين من ذُرِّيَّة آدم وَمِمَّنْ حملنَا مَعَ نوح}، وهذا هو عموم لها معهم لا يجوز تخصيصها من جملتهم، وليس قوله عز وجل: }وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ{؛ بمانع من أن تكون نبية؛ فقد قال تعالى: }يُوسُفُ أَيُّهَا الصِّدِّيقُ{، وهو مع ذلك نبي رسول، وهذا ظاهر وبالله تعالى التوفيق. ويلحق بهن عليهن السلام في ذلك امرأة فرعون؛ بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (كمل من الرجال كثيرون ولم يكمل من النساء إلا مريم بنت عمران وآسية بنت مزاحم امرأة فرعون)، أو كما قال عليه السلام.
والكمال في الرجال لا يكون إلا لبعض المرسلين عليهم الصلاة والسلام؛ لأن من دونهم ناقص عنهم بلا شك، وكان تخصيصه صلى الله عليه وسلم مريم وامرأة فرعون تفضيلاً لهما على سائر من أوتيت النبوة من النساء بلا شك؛ إذ من نقص عن منزلة آخر، ولو بدقيقة؛ لم يكمل؛ فصح بهذا الخبر أن هاتين المرأتين كملتا كمالاً لم يلحقهما فيه امرأة غيرها أصلاً، وأنهن بنصوص القرآن نبيات"اهـ (الفصل 5/13) مفاده أنّه جعل من النّساء نبيّات ظنّا منه أنّ الوحي جعلهنّ نبيّات. وهذا تقوُّلٌ. ونحن لا نعلم نصّا ذكر كتابا أُنزل على كلٍّ منهنّ. وقد سوّغ العاذريّة والخلافيّة قول ابن حزم ذبّا عن شخصه.
وقوله بأنّ الصّفات ليست غير الله يقصد به أنّها بمعنى واحد كما أفصح عن ذلك في منزلقاته لعنه الله.
وهو ينفي العلّة والحكمة عن أفعال الله.
ليست هناك تعليقات