قضية الحكم على الناس
وأما إذا كان الشرك و الكفر الأكبر متفشيًا، - كما هو الحال في قومنا - مثل عبادة الطواغيت بجميع أشكالها، من متابعة وطاعة وتحاكم ونصرة وغيرها، واعتناق أديان تخالف الإسلام كـالديمقراطية والعلمانية والليبرالية والبعثية، واعتناق عقائد فاسدة هادمة لأصل الدين، كالعذر بالجهل، والتقرب إلي الله بالدساتير، واتّباع الأحبار والرهبان وولاة أمور الكفر والشرك.
وصار الولاء والبراء على أديان شتى، من القومية والوطنية، - والتي محت الولاء والبراء على أساس الإسلام والكفر - والشعارات والرايات الكُفرية، والمولاة والمعادة أيضًا على الأندية الرياضية، وكلّها من النعرات الجاهلية الرديّة.
ودعاء الأنبياء والصالحين والتقرب إليهم بالذبح والنذر والطواف، واعتقاد النفع والضر فيهم، وتحليل المحرمات والفواحش مثل الزنا والربا وأنواع الظلم، ونبذ السنن وراء الظهر، حتى صارت الدعوة إلى غير القرآن والسنة، وصار هذا معلومًا في كل الأقوام، فلا يشك من له أدنى علم وعقل أن مثل هؤلاء الأقوام محكوم عليهم بأنهم مشركون كفار، لا سيّما إذا كانوا معادين لأصل التوحيد وأهله ساعين في طمسه وإزالته، وفي أذية أهله وتشريدهم والكيد لهم، لا لشيء إلا أنهم قالوا ربنا الله ثم استقاموا ﴿وَمَا نَقَمُواْ مِنۡهُمۡ إِلَّآ أَن يُؤۡمِنُواْ بِٱللَّهِ ٱلۡعَزِيزِ ٱلۡحَمِيدِ ٨﴾ [البروج: ٨].
وإذا أردت إقامة الدليل على ذلك وجدت القرآن كلَّه يبين حقيقة أصل دين الإسلام وأساسه ومن هم أتباعه، ويبين حقيقة الشرك والكفر وحزبِه التابعين والمتبوعين. وقد اتضح الطريقان والسبيلان والحزبان عند جميع المسلمين الموحدين عوامّهم وخواصّهم على مر العصور، فهو معلوم بالضرورة عند كل مسلم بحكم إسلامه.
فالمسلمون يعلمون حكم الله في أمثال هؤلاء الأقوام؛ وذلك من مفهوم عقيدتهم، إذ هم يعلمون حالهم (المناط أو الواقع )، وذلك بالمباشرة أو بتواتر الأخبار( ).
وهذا العلم يستوي فيه جميع القوم، ويقرّ به كل عاقل، وليس هذا العلم من خصائص المسلمين فقط، فالعلم بالواقع لمن باشره أو تواترت عنده أخباره يعتبر من العلوم الضرورية التي يضطر إليها الإنسان اضطرارًا، وهذا العلم يفيد القطع وليس الظن، فمثلًا لو سألت شخصًا ما من القوم وقلت له: هل تتحاكمون إلى الكتاب والسنة في فضّ نزاعاتكم واختلافاتكم أم لا؟
فجوابه: معلوم بأنه لا تحكيم لشرع الله في ذلك. وهذا هو العلم بالواقع.
أما إن سألته هل هذا شرك و كفر أم لا؟ فسيكون جوابه كما أجاب عدي بن حاتم رسول الله ﷺ بأنه ليس من الشرك؛ لأن الشرك محصور في حسّه في الركوع والسجود والصلاة لغير الله، كسائر النصارى الذين اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابًا. فكثير من الناس إن قلت له بأن هذا شرك يصفك بأنك إرهابي أو تكفيري جئت بدين جديد؛ لجهله بمعنى الشرك والتوحيد.
والبعض الآخر إذا بينت له قليلًا من التوحيد فسيقول لك كما قال أحد البوادي عند ابن عبد الوهاب عندما سمع شيئا من التوحيد فقال: [أشهد بأن قومي كفار وأن المطوع الذي يسمينا أهل اسلام، كافر]( ). وكما قال الناس عندما سمعوا دعوة ابن عبد الوهاب للتوحيد قالوا: [إن كان ما يقوله هذا الإنسان حقًّا فالناس ليسوا على شيء]( ).
وكما نسمعه من الناس اليوم عندما ندعوهم لحقيقة أصل دين الإسلام وحقيقة الاستسلام لله، واعترافهم بأنه حسَب هذا القول لا يوجد مسلمون.
فالمسلم يَعلم بأن أي قوم فشا فيهم الشرك وتوابعه (من تحليل المحرمات، والدعوة إلى غير الكتاب والسنة، ونبذهما وراء الظهر، وترك الاحتكام بهما إلى غيرهما من الأهواء والضلالات التي من وحي الشياطين)، حتى شب عليه الصغير وهرم عليه الكبير هم كفار مشركون وإن تمسكوا ببعض شرائع دين نبيهم - كما تمسك اليهود والنصارى ببعض شرائع أنبيائهم - حتى يثبت عنهم خلاف ذلك. ويَعلم - أي المسلم - بأنه لا يحكم بإسلام الواحد منهم إلا عندما يثبت عنه مخالفته لقومه.
من مقالة(قضية الحكم على الناس بين غبش الباطل وصفاء الحق)
----------------------------
أغلب الناس اليوم لا يعلمون حقيقة الإسلام وكونه إفراد الله بالعبادة، وحتى من علم منهم هذا الكلام وردده، فهو لا يعلم حقيقة التعبد والاستسلام لله، فتجده يخرج بعض العبادات ويصرفها لغير الله، فعل سبيل المثال الإسلام قائم على الاستسلام لله، وهذا الاستسلام له لكونه هو الإله الخالق والمالك، فمن خلق وملك يحق له التصرف في ملكه وفي مخلوقاته كيفما شاء، يأمر وينهى، يحلل ويحرم، يشرع ويحكم، وما على العبد إلا السمع والطاع، فلهذا قرن الله الخلق بالأمر فقال سبحانه وتعالى : (ألا له الخلق والأمر...) ثم تسمع من أهل العمائم المنتسبون لما يسمى بأهل السنة والجماعة يدعون للاستسلام لشرعية دولة القانون واحترامه وعدم الخروج عليها، ولا يتكلمون عن تغيير حكم الله، بل رمي شرع الله كله بأنه لا يصلح وأن من يريده فهو إنسان متطرف، ويا أخينا في شيء أسمه كفر دون كفر، وأنت هكذا تكفيري لأنك تكفر من لم يستسلم لأمر الله الشرعي، فيا قومنا مالكم تؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض، إذا غير أحدكم الصلاة أو الصيام كفره الجميع، وإذا غير أحدكم أوامر الله وأحكامه الأخرى كالحدود والمعاملات، تعذرتم له ولسان حالكم ومقالكم يقول: ( أخرجوهم من قريتكم إنهم أناس يتطهرون)
ليست هناك تعليقات