Header Ads

موقف ابن تيمية من القول بفناء النار و مخالفته للسلف الأمة





يقول ابن تيمية في كتاب » الرد على من قال بفناء الجنة والنار» ما نصه : [وقد روى حرب الكرماني، وأبو بكر البيهقي عن أبي سعيد الخدري، وعن قتادة في قوله: {فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ}. والله أعلم بتثنيته على ما وقعت. 

وروى الطبري، عن يونس، نا ابن وهب، نا ابن زيد. في قوله: {خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ} فقرأ حتى بلغ: {عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ} فأخبرنا الذي شاء لأهل الجنة، فقال: {عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ} ولم يخبرن
ا بالذي يشاء لأهل النار.
وعن السُّدي: {إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ} . عن هذه الآية يوم نزلت كانوا يطعمون في الخروج. قوله: {خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً} ، ذكر البغوي عن عبد الرحمن بن زيد أنه قال: قد أخبرنا الله سبحانه وتعالى بالذي لأهل الجنة، فقال: {عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ} ولم يخبرنا بالذي يشاء لأهل النار .
وقد روى علماء السنة والحديث في ذلك آثارا عن الصحابة والتابعين مثل ما روى حرب الكرماني، وأبو بكر البيهقي، وأبو جعفر الطبري وغيرهم عن الصحابة في ذلك.
وفي المسند للطبراني: ذكر فيه "أنه ينبت فيها الجرجير" ، وحينئذ فيحتج على فنائها بالكتاب والسنة، وأقوال الصحابة - مع أن القائلين ببقائها ليس معهم كتاب، ولا سنة ولا أقوال الصحابة -.]. فظنّ المسكين أنّ السّلف قصدوا بذلك فناء النّار في حين أنّ مدار كلامهم هو تفسير الآية دون باقي القرآن فكذب عليهم وقال (أن القائلين ببقائها ليس معهم كتاب، ولا سنة ولا أقوال الصحابة). فلعنة الله على الكاذبين. 
وزعم في نفس الكتاب أن قول من قال بدوام النار محتجًا بالإجماع أن هذه المسألة الإجماع فيها غير معلوم وأنه لا يقطع فيها بإجماع ، ثم زعم أن القول بفنائها فيه قولان معروفان عن السلف والخلف، وقد نقل هذا عن عمر وابن مسعود وأبي هريرة وأبي سعيد وغيرهم. قال: [والذين قطعوا بدوام النار، لهم أربع طرق . أحدها: ظن الإجماع فإن كثيرا من الناس يعتقد أن هذا مجمع عليه، ولا خلاف فيه بين السلف، وإن كان فيه خلاف حادث، فهو من أقوال أهل البدع.
والثاني: أن القرآن قد دل على ذلك دلالة قطعية، فإنه أخبر بخلودهم في النار أبدا في غير موضع من القرآن . والثالث: أن السنة المستفيضة أخبرت بخروج من في قلبه مثال ذرة من إيمان من النار دون الكفار، فإنهم لم يخرجوا . والرابع: قول من يقول: الرسول وقفنا على ذلك، وعلمناه من بعده ضرورة ولا يحتجون بنص معين، وعامة الناس يقولون: هذا لا نعلمه إلا من الخبر وشذ بعضهم فزعم أن العقل دل على خلود الكفار.
فأما الإجماع فهو أولا: غير معلوم، فإن هذه المسائل لا يقطع فيها بإجماع، نعم قد يظن فيها الإجماع وذلك قبل أن يعرف النزاع، وقد عرف النزاع قديماً وحديثا، بل إلى الساعة لم أعلم أحدا من الصحابة قال: إنها لا تفنى، وإنما المنقول عنهم ضد ذلك ولكن التابعون نقل عنهم هذا وهذا.] الرد على من قال بفناء الجنة والنار. 
قلت: فيما ادعاه رد لصريح القرءان والسنة الثابتة المتفق على صحتها ولإجماع الأمة، أما مخالفته للآيات القرءانية الدالة على بقاء النار واستمرار عذاب الكفار بلا انقطاع إلى ما لا نهاية له وهي كثيرة منها قوله تعالى: {إنَّ الله لَعَن الكافرينَ وأعدَّ لهم سعيرًا* خالدينَ فيها أبدًا لا يَجِدونَ وليًّا ولا نصيرًا} [سورة الأحزاب/64-65]، وقوله تعالى: {وعدَ اللهُ المنافقينَ والمنافقات والكفارَ نارَ جهنّم خالدينَ فيها وهيَ حسبُهُم ولعنهم اللهُ ولهم عذابٌ مُقيمٌ} [سورة التوبة/68]، وقوله تعالى: {وما هُم بِخارجينَ منَ النارِ} [سورة البقرة/167]، وقوله تعالى: {إنَّ الذين كفروا وظَلموا لم يكن اللهُ ليغفرَ لهم ولا ليَهديهُم طريقًا* إلا طريقَ جهنم خالدينَ فيها أبدًا وكان ذلكَ على الله يسيرًا} [سورة النساء/169]، وغيرها من الآيات الكثيرة.
أما رده للحديث الصحيح الثابت فيما رواه البخاري في الصحيح عن أبي هريرة قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: « يقال لأهل الجنة: يا أهل الجنة خلودٌ لا موتَ، ولأهل النار: يا أهل النار خلود لا موت »، وما رواه الشيخان عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « إذا صار أهلُ الجنة إلى الجنة وأهل النار إلى النار جيءَ بالموت حتى يُجعلَ بين الجنة والنار، ثم يُذبحُ، ثم يُنادي منادٍ: يا أهل الجنة لا موتَ، يا أهل النار لا موتَ، فيزدادُ أهل الجنة فرحًا إلى فرحهم، ويزداد أهل النار جزنًا إلى حزنهم.
هذا، وإن القول بفناء النار قد أثر عن بعض السلف وهم: عمر وابن مسعود وأبو هريرة وأبو سعيد الخدري، وهذه الآثار إما أنها لا تصح نسبتها إليهم، أو أنها محمولة على فناء عذاب العصاة من الموحّدين وتجدّد نار الكفرة كلّما خبت. قال تعالى: "وَمَن يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ ۖ وَمَن يُضْلِلْ فَلَن تَجِدَ لَهُمْ أَوْلِيَاءَ مِن دُونِهِ ۖ وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَىٰ وُجُوهِهِمْ عُمْيًا وَبُكْمًا وَصُمًّا ۖ مَّأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ ۖ كُلَّمَا خَبَتْ زِدْنَاهُمْ سَعِيرًا (97)". وذكر أبو بكر البزار في المسند (6/442)، عن عمرو بن ميمون، عن عبد الله بن عمرو بن العاص، قال: ((يأتي على النار زمان تخفق الرياح أبوابها، ليس فيها أحد، يعني من الموحدين)). 
قال الإمام البربهاري (ت - 329هـ) رحمه الله: (وكل شيء مما أوجب الله عليه الفناء يفنى، إلا الجنة والنار، والعرش والكرسي، والصور، والقلم، واللوح ليس يفنى شيء من هذا أبداً). شرح السنة ص33. أبو زيد القيرواني – رحمه الله–: في كتابه الجامع ص 110 ( فمما أجمعت عليه الأمة من أمور الديانة، ومن السنن التي خلافها بدعة وضلالة.... وإن الجنة والنار قد خلقتا، أعدت الجنة للمتقين، والنار للكافرين، لا تفنيان ولا تبيدان ). قال الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله: (وإن الله خلق الجنة قبل الخلق، وخلق لها أهلاً، ونعيمها دائم، ومن زعم أنه يبيد من الجنة شيء فهو كافر، وخلق النار قبل خلقه الخلق، وخلق لها أهلاً وعذابها دائم). قال الإمام الآجوري (ت - 360هـ) رحمه الله: (وقد ذكر الله عزّ وجل في كتابه أهل النار الذين هم أهلها، يخلدون فيها أبداً.. وأن أهل النار الذين هم أهلها في العذاب الشديد أبداً). الشريعة ص399 - 400.
ونقل ابن تيمية في درء التعارض عن الأشعري قوله ((وقال أهل الإسلام جميعاً: ليس للجنة والنار آخر، وإنهما لا تزالان باقيتين، وكذلك أهل الجنة لا يزالون في الجنة يتنعمون، وأهل النار لا يزالون في النار يعذبون، وليس لذلك آخر) (142). قلت : هذا نقل عن الأشعريّ. وليس صريحا بموافقته. فأنا مثلا حين أنقل عن شخص نصّا، فذلك لا يعني موافقتي له! بل إنّه يعني نقلي لقوله، لا أكثر! وهو عاذريّ جلد وخالف الحديث والأثر والإجماع في طلاق الحائض وتثليث الطّلاق مجتمعا. 
وفيما قاله: " وقد اتفق سلف الأمة وأئمتها وسائر أهل السنة والجماعة على أن من المخلوقات ما لا يعدم ولا يفنى بالكلية كالجنة والنار والعرش وغير ذلك, ولم يقل بفناء جميع المخلوقات إلا طائفة من أهل الكلام المبتدعين كالجهم بن صفوان ومن وافقه من المعتزلة ونحوهم وهذا قول باطل يخالف كتاب الله وسنة رسوله وإجماع سلف الأمة وأئمتها" [مجموع الفتاوى(18 / 307)]، فهو نفي لكلّيّة الفناء. فقوله (من المخلوقات ما لا يعدم ولا يفنى بالكلية كالجنة والنار والعرش وغير ذلك) فيه تلبيس إذ أراد إثبات الفناء الجزئيّ لينصر قوله بفناء العذاب مع بقاء النّار دون أهلها وبقاء الجنّة بأهلها إذ قال (وفي المسند للطبراني: ذكر فيه "حديث طاووس عن عبدالله: ((يأتي على النار زمان تخفق أبوابها، وينبت في قعرها الجرجير))" ، وحينئذ فيحتج على فنائها بالكتاب والسنة، وأقوال الصحابة - مع أن القائلين ببقائها ليس معهم كتاب، ولا سنة ولا أقوال الصحابة -) ، فقال بفناء العذاب بدليل نبت الجرجير حيث ذكر قوله بعد ذكر نبت الجرجير: (وحينئذ فيحتج على فنائها بالكتاب والسنة، وأقوال الصحابة - مع أن القائلين ببقائها ليس معهم كتاب، ولا سنة ولا أقوال الصحابة -)، وهو يجهل ما ذكر أبو بكر البزار في المسند (6/442) أنّ ذلك خاصّ بخروج العصاة من الموحّدين من النّار: عن عمرو بن ميمون، عن عبد الله بن عمرو بن العاص، قال: ((يأتي على النار زمان تخفق الرياح أبوابها، ليس فيها أحد، يعني من الموحدين)). 
وأما ابن القيم، فإنه مال فيه إلى القول بفناء النار، وقواه، وذلك في كتابه (حادي الأرواح) (وشفاء العليل) كما أنه توقف في المسألة في كتابه (الصواعق المرسلة). 
قال ابن القيم في حادي الأرواح...: (ولا ريب أن من قال هذا القول عن عمر ونقله عنه إنما أراد بذلك جنس أهل النار الذين هم أهلها.. فأما قوم أصيبوا بذنوبهم فقد علم هؤلاء وغيرهم أنهم يخرجون منها.. وأنهم لا يلبثون قدر رمل عالج ولا قريبا منه.. ولفظ أهل النار لا يختص بالموحدين بل يختص بمن عداهم)
ثم بعد هذا ذكر قول الذين قطعوا بدوام النار.. وقال في احتجاجهم بالإجماع..: (فكثير من الناس يعتقدون أن هذا مجمع عليه بين الصحابة والتابعين لا يختلفون فيه.. وأن الاختلاف فيه حادث وهو من أقوال أهل البدع..)
ثم رده بقوله..:
(الإجماع الذي ادعيتموه غير معلوم.. وإنما يظن الإجماع في هذه المسألة من لم يعرف النزاع.. وقد عرف النزاع فيها قديما وحديثا.. بل لو كلف مدعي الإجماع أن ينقل عن عشرة من الصحابة فما دونهم إلى الواحد أنه قال إن النار لا تفنى أبدا لم يجد إلى ذلك سبيلا.. ونحن قد نقلنا عنهم التصريح بخلاف ذلك)
وذكر استدلالهم بأن..: (السنة المستفيضة أخبرت بخروج من كان في قلبه مثقال ذرة من إيمان دون الكفار.. وأحاديث الشفاعة من أولها إلى آخرها صريحة بخروج عصاة الموحدين من النار.. وأن هذا حكم مختص بهم فلو خرج الكفار منها لكانوا بمنزلتهم ولم يختص الخروج بأهل الإيمان)
ثم رده بقوله..: (وأما مجيء السنة المستفيضة بخروج أهل الكبائر من النار دون أهل الشرك.. فهي حق لا شك فيه.. وهي إنما تدل على ما قلناه من خروج الموحدين منها وهي دار العذاب لم تفن.. ويبقى المشركون فيها ما دامت باقية والنصوص دلت على هذا وعلى هذا)
ثم يقال أيها الفضلاء.. إذا كان القول السابع (وهو فناء النار) مختص بنار الموحدين.. فهل على كلامكم القول الثامن أيضا في نار الموحدين وأنها لا تفنى وأن أهلها لا يخرجون منها..؟!
فواضح للمنصف أن ابن القيم حكى القولين واستدل للقول بفناء النار.. ولم يخص نار الموحدين. أمّا ما قاله في الوابل الصيب: (وأما النار فإنها دار الخبث في الأقوال والأعمال والمآكل والمشارب ودار الخبيثين، فالله تعالى يجمع الخبيث بعضه إلى بعض فيركمه كما يركم الشيء المتراكب بعضه على بعض ثم يجعله في جهنم مع أهله فليس فيها إلا خبيث، ولما كان الناس على ثلاث طبقات: طيب لا يشينه خبث، وخبيث لا طيب فيه، وآخرون فيهم خبث وطيب كانت دورهم ثلاثة: دار الطيب المحض ودار الخبيث المحض، وهاتان الداران لا تفنيان، ودار لمن معه خبث وطيب وهي الدار التي تفنى وهي دار العصاة، فإنه لا يبقى في جهنم من عصاة الموحدين أحد، فإنه إذا عذبوا بقدر جزائهم أخرجوا من النار فأدخلوا الجنة ولا يبقى إلا دار الطيب المحض ودار الخبيث المحض).

اهـ، فليس صريحا بنقض قوله للفناء بعد نجاة العصاة. بل مداره هو فناء دار العصاة دون فناء الجنّة والنّار. فإذا فنت دار العصاة، قال (أخرجوا من النار فأدخلوا الجنة ولا يبقى إلا دار الطيب المحض ودار الخبيث المحض)، فلم يجب هل بقاؤهما من بعدُ أبديّان أم لا! والسّلف كانوا لا يقبلون توبة مذنب إلّا بالرّجوع عن محلّ الذّنب يقينا، لا تلميحا ولا احتمالا! هذا إن فرضنا أن ما قاله ابن القيم في (الوابل الصيب) و(طريق الهجرتين) كان بعد ما ذكره في (حادي الأرواح) و(شفاء العليل) و(الصواعق المرسلة). 
فتقرّر أنّ ما تأصّل في ابن القيّم هو الكفر ولم يثبت له الإسلام بعد ذلك بحكم اليقين. وهو عاذريّ وخالف الحديث والأثر والإجماع في طلاق الحائض مثل شيخه ابن تيمية. فهو في ظاهره كافر وسريرته موكلة إلى الله. ومن لم يقل أنّه في ظاهره كافر وقد بلغه كفره، فهو مثله.

فالحمد لله. قد ظهر أنّ هؤلاء ليسوا بحجّة. فكيف يسوّغون مذهبهم العاذريّ وهو كفريّ مخالف للسّلف؟! حقّا أنّ أكثر شيوخ الخلف كفرة. وهذا انتصار وتثبيت لمذهبنا السّنّي الأثريّ. وأكثر الخلف يعبدون الشّيوخ بطاعتهم وتقليدهم كما فعل ابن القيّم مع شيخه ابن تيمية وفعلت المرجئة مع حكّامهم والنّصارى مع رهبانهم واليهود مع أحبارهم.

ليست هناك تعليقات