بيان معتقد البيهقي المعطل
عقيدة البيهقي قال: "ومنها «المتعالي»؛ قال الله عز وجل: {الْكَبِيرُ الْمُتَعَالِ} .. قال الحليمي: ومعناه: المرتفع عن أن يجوز عليه ما يجوز على المحدثين؛ من الأزواج والأولاد والجوارح والأعضاء واتخاذ السرير للجلوس عليه والاحتجاب بالستور عن أن تنفذ الأبصار إليه والانتقال من مكان إلى مكان، ونحو ذلك؛ فإن إثبات بعض هذه الأشياء يوجب النهاية, وبعضها يوجب الحاجة، وبعضها يوجب التغير والاستحالة, وشيء من ذلك غير لائق بالقديم، ولا جائز عليه"اهـ (الأسماء والصفات 1/96) وقال: "وقوله في الحديث: «يدني منه المؤمن» يريد به يقربه من كراماته. وقوله: «فيضع عليه كنفه» يريد به عطفه ورأفته ورعايته"اهـ (الأسماء والصفات 1/150) وقال: "«إن الله تعالى خلق خلقه في ظلمة ثم ألقى عليهم من نوره؛ فمن أصابه من ذلك النور يومئذ شيء اهتدى, ومن أخطأه ضل, فلذلك أقول جف القلم على علم الله» قلت: يريد بقوله (من نوره)؛ أي: من نور خلقه"اهـ (الأسماء والصفات 1/304) وقال: "دخل أبو مسعود على حذيفة رضي الله عنهما؛ فقال: اعهد إلي فقال له: ألم يأتك اليقين؟ قال: بلى وعزة ربي .. قلت: العزة إن كانت بمعنى الشدة وهي القوة؛ فمعناها يرجع إلى صفة القدرة, وكذلك إن كانت بمعنى الغلبة؛ فمعناها يعود إلى القدرة، وإن كانت بمعنى نفاسة القدر؛ فإنها ترجع إلى استحقاق الذات تلك العزة"اهـ (الأسماء والصفات 1/337) وقال: "جماع أبواب إثبات صفة المشيئة والإرادة لله عز وجل وكلتاهما عبارتان عن معنى واحد, وكان الأستاذ أبو إسحاق رحمه الله يقول: من أسامي صفات الذات ما يعود إلى الإرادة منها: «الرحمن» وهو المريد لرزق كل حي في دار البلوى والامتحان، ومنها: «الرحيم» وذلك المريد لإنعام أهل الجنة"اهـ (الأسماء والصفات 1/349) وقال: "كلام الله تعالى واحد, وإنما جاء بلفظ الجمع على معنى التعظيم والتفخيم؛ كقوله: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ}, وقال: {فَقَدَرْنَا فَنِعْمَ الْقَادِرُونَ}، وإنما سماها تامة؛ لأنه لا يجوز أن يكون في كلامه عيب أو نقص كما يكون ذلك في كلام الآدميين"اهـ (الأسماء والصفات 1/477) وقال: "وفي رواية يحيى: «بكلمات الله التامات»، وفي هذا إثبات صفة الكلام لله عز وجل، وإنما قال: «بكلمات» على طريق التعظيم"اهـ (الاعتقاد ص 86) وقال: "كلام الله واحد؛ لم يزل ولا يزال، وإنما جاء بلفظ الجمع على معنى التعظيم؛ كقوله: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ}"اهـ (الاعتقاد ص 100) وقال: "الباري جل ثناؤه؛ ليس بذي مخارج، وكلامه ليس بحرف، ولا صوت .. ولم تثبت صفة الصوت في كلام الله عز وجل، أو في حديث صحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم غير حديثه، وليس بنا ضرورة إلى إثباته .. وأما الحديث الذي ذكره البخاري .. يقول الله: يا آدم، فيقول: لبيك وسعديك، فينادي بصوت: إن الله تبارك وتعالى يأمرك أن تخرج من ذريتك بعثا إلى النار. فهذا لفظ تفرد به حفص بن غياث، وخالفه وكيع وجرير وغيرهما من أصحاب الأعمش؛ فلم يذكروا فيه لفظ الصوت، وقد سئل أحمد بن حنبل عن حفص، فقال: كان يخلط في حديثه، ثم إن كان حفظه؛ ففيه ما دل على أن هذا القول لآدم؛ يكون على لسان ملك يناديه بصوت: «إن الله تبارك وتعالى يأمرك»؛ فيكون قوله: «فينادي بصوت» يعني والله أعلم: يناديه ملك بصوت. وهذا ظاهر في الخبر"اهـ (الأسماء والصفات 2/28-29) وقال: "معنى قول من قال: الله سبحانه وتعالى إنه نفس؛ إنه موجود ثابت غير منتف، ولا معدوم، وكل موجود نفس، وكل معدوم ليس بنفس. والنفس في كلام العرب على وجوه؛ فمنها: نفس منفوسة مجسمة مروحة، ومنها: مجسمة غير مروحة، تعالى الله عن هذين علواً كبيراً، ومنها: نفس بمعنى إثبات الذات؛ كما تقول في الكلام: هذا نفس الأمر، تريد إثبات الأمر لا أن له نفساً منفوسة أو جسماً مروحاً، فعلى هذا المعنى يقال في الله سبحانه: إنه نفس، لا أن له نفساً منفوسة أو جسماً مروحاً، وقد قيل في قوله تعالى: {تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ}؛ أي تعلم ما أكنه وأسره، ولا علم لي بما تستره عني وتغيبه، ومثل هذا قول النبي صلى الله عليه وسلم فيما رويناه عنه «فإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي»؛ أي حيث لا يعلم به أحد ولا يطلع عليه. وأما الاقتراب والإتيان المذكوران في الخبر؛ فإنما يعني بهما: إخباراً عن سرعة الإجابة والمغفرة .. وأما الغيرة المذكورة في حديث ابن مسعود، فإنما يعني بها الزجر؛ فقوله: «لا أحد أغير من الله تعالى» يعني لا أحد أزجر من الله تعالى، والله غيور؛ على معنى أنه زجور؛ يزجر عن المعاصي، ولا يحب دنيء الأفعال"اهـ (الأسماء والصفات 2/53) وقال: "فهذا حديث مخرج في الصحيحين. وقد قال أبو سليمان الخطابي رحمه الله، قوله: «خلق الله آدم على صورته» الهاء وقعت كناية بين اسمين ظاهرين، فلم تصلح أن تصرف إلى الله عز وجل، لقيام الدليل على أنه ليس بذي صورة سبحانه ليس كمثله شيء، فكان مرجعها إلى آدم عليه السلام، فالمعنى أن ذرية آدم إنما خلقوا أطواراً؛ كانوا في مبدأ الخلقة نطفة؛ ثم علقة ثم مضغة، ثم صاروا أجنة؛ إلى أن تتم مدة الحمل، فيولدون أطفالاً، وينشأون صغاراً، إلى أن يكبروا فتطول أجسامهم، يقول: إن آدم لم يكن خلقه على هذه الصفة، أو لما تناولته الخلقة وجد خلقاً تاماً طوله ستون ذراعاً. قال الشيخ: فذكر الأستاذ أبو منصور رحمه الله معناه، وذكر من فوائده أن الحية لما أخرجت من الجنة شوهت خلقتها، وسلبت قوائمها، فالنبي صلى الله عليه وسلم أراد أن يبين أن آدم كان مخلوقاً على صورته التي كان عليها بعد الخروج من الجنة، لم تشوه صورته، ولم تغير خلقته"اهـ (الأسماء والصفات 2/61) وقال: "قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا ضرب أحدكم فليتجنب الوجه، فإن الله خلق آدم على صورته»؛ قال: وإنما أراد والله أعلم: فإن الله خلق آدم على صورة هذا المضروب .. وهكذا المراد (إذا ضرب أحدكم فليجتنب الوجه، ولا يقل: قبح الله وجهك، ووجه من أشبه وجهك، فإن الله خلق آدم على صورته). قال: وذهب بعض أهل النظر إلى أن الصور كلها لله تعالى على معنى الملك والفعل، ثم ورد التخصيص في بعضها بالإضافة تشريفاً وتكريماً، كما يقال: ناقة الله، وبيت الله، ومسجد الله، وعبر بعضهم بأنه سبحانه ابتدأ صورة آدم لا على مثال سبق، ثم اخترع من بعده على مثاله، فخص بالإضافة"اهـ (الأسماء والصفات 2/63) وقال: "وأما الحديث .. يحشر الناس يوم القيامة؛ فيقال: من كان يعبد شيئاً فليتبعه؛ فمنهم من يتبع الشمس، ومنهم من يتبع القمر، ومنهم من يتبع الطواغيت، وتبقى هذه الأمة فيها منافقوها؛ فيأتيهم الله تبارك وتعالى في غير صورته التي يعرفون، فيقول: أنا ربكم. فيقولون: نعوذ بالله منك، هذا مكاننا حتى يأتينا ربنا، فإذا جاء ربنا عرفناه. فيأتيهم الله في صورته التي يعرفون، فيقول: أنا ربكم. فيقولون: أنت ربنا .. وقد تكلم الشيخ أبو سليمان الخطابي رحمه الله في تفسير هذا الحديث وتأويله بما فيه الكفاية، فقال: قوله: «فيأتيهم الله» إلى تمام الفصل؛ فإن هذا موضع يحتاج الكلام فيه إلى تأويل وتخريج، وليس ذلك من أجل أننا ننكر رؤية الله سبحانه، بل نثبتها، ولا من أجل أنا ندفع ما جاء في الكتاب وفي أخبار رسول الله صلى الله عليه وسلم من ذلك المجيء والإتيان، غير أنا لا نكيف ذلك ولا نجعله حركة وانتقالاً كمجيء الأشخاص وإتيانها، فإن غير ذلك من نعوت الحدث، وتعالى الله عن ذلك علواً كبيراً. ويجب أن تعلم أن الرؤية التي هي ثواب للأولياء وكرامة لهم في الجنة غير هذه الرؤية المذكورة في مقامهم يوم القيامة. واحتج بحديث صهيب في الرؤية بعد دخولهم الجنة، وإنما تعريضهم لهذه الرؤية امتحان من الله عز وجل لهم، يقع بها التمييز بين من عبد الله وبين من عبد الشمس والقمر والطواغيت، فيتبع كل من الفريقين معبوده، وليس ننكر أن يكون الامتحان إذ ذاك يعد قائماً، وحكمه على الخلق جارياً، حتى يفرغ من الحساب ويقع الجزاء بما يستحقونه من الثواب والعقاب، ثم ينقطع إذا حقت الحقائق، واستقرت أمور العباد قرارها .. قال: وتخريج معنى إتيان الله في هذا إياهم أنه يشهدهم رؤيته ليثبتوه فتكون معرفتهم له في الآخرة عياناً كما كان اعترافهم برؤيته في الدنيا علماً واستدلالاً، ويكون طروء الرؤية بعد أن لم يكن؛ بمنزلة إتيان الآتي من حيث لم يكونوا شاهدوه فيه .. قال: وأما ذكر الصورة في هذه القصة فإن الذي يجب علينا وعلى كل مسلم أن يعلمه: أن ربنا ليس بذي صورة ولا هيئة، فإن الصورة تقتضي الكيفية وهي عن الله وعن صفاته منفية، وقد يتأول معناها على وجهين: أحدهما: أن تكون الصورة بمعنى الصفة، كقول القائل: صورة هذا الأمر كذا وكذا، يريد صفته فتوضع الصورة موضع الصفة. والوجه الآخر: أن المذكور من المعبودات في أول الحديث إنما هي صور وأجسام كالشمس والقمر والطواغيت ونحوهما، ثم لما عطف عليها ذكر الله سبحانه خرج الكلام فيه على نوع من المطابقة فقيل: يأتيهم الله في صورة كذا إذ كانت المذكورات قبله صوراً وأجساماً .. ومما يؤكد التأويل الأول هو أن معنى الصورة الصفة، قوله من رواية عطاء بن يسار عن أبي سعيد: «فيأتيهم الله في أدنى صورة من التي رأوه فيها» وهم لم يكونوا رأوه قط قبل ذلك، فعلمت أن المعنى في ذلك الصفة التي عرفوه بها، وقد تكون الرؤية بمعنى العلم، كقوله {وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا}؛ أي: علمنا. قال أبو سليمان: «ومن الواجب في هذا الباب أن نعلم أن مثل هذه الألفاظ التي تستشنعها النفوس إنما خرجت على سعة مجال كلام العرب ومصارف لغاتها، وأن مذهب كثير من الصحابة وأكثر الرواة من أهل النقل الاجتهاد في أداء المعنى دون مراعاة أعيان الألفاظ، وكل منهم يرويه على حسب معرفته ومقدار فهمه وعادة البيان من لغته، وعلى أهل العلم أن يلزموا أحسن الظن بهم، وأن يحسنوا التأني لمعرفة معاني ما رووه، وأن ينزلوا كل شيء منه منزلة مثله، فيما تقتضيه أحكام الدين ومعانيها، على أنك لا تجد بحمد الله ومنه؛ شيئاً صحت به الرواية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا وله تأويل يحتمله وجه الكلام ومعنى لا يستحيل في عقل أو معرفة»"اهـ (الأسماء والصفات 2/66) وقال: "وأما الصورة المذكورة .. (ما لي وقد تبدى لي ربي في أحسن صورة) .. تأويله عند أهل النظر على وجهين: أحدهما: أن يكون معناه: وأنا في أحسن صورة، كأنه زاده كمالاً وحسناً وجمالاً عند رؤيته، وإنما التغير وقع بعده لشدة الوحي وثقله. والثاني: أنه بمعنى الصفة، ومعناه أنه تلقاه بالإكرام والإجمال، فوصفه بالجمال، وقد يقال في صفات الله تعالى إنه جميل، ومعناه أنه مجمل في أفعاله. وأما قوله: «فوضع كفه بين كتفي» .. وفي رواية بعضهم: «يده» وتأويله عند أهل النظر إكرام الله إياه وإنعامه عليه، حتى وجد برد النعمة - يعني روحها - وأثرها في قلبه، فعلم ما في السماء والأرض، وقد يكون المراد باليد الصفة، ويكون المراد بالوضع تعلق تلك الصفة بما وجد من زيادة العلم كتعلق اليد التي هي صفة لخلق آدم عليه السلام، تعلق الصفة بمقتضاها لا على معنى المباشرة، فإنما أمره إذا أراد شيئاً أن يقول له كن فيكون، لا تجوز عليه ولا على صفاته التي هي من صفات ذاته مماسة أو مباشرة، تعالى الله عز اسمه عن شبه المخلوقين علواً كبيراً"اهـ (الأسماء والصفات 2/72) وقال: "باب ما جاء في إثبات الوجه صفة؛ لا من حيث الصورة لورود خبر الصادق به"اهـ (الأسماء والصفات 2/81) وقال: "قال ابن عمر رضي الله عنهما: إن الله عز وجل مقبل على عبده بوجهه ما أقبل إليه، فإذا التفت انصرف عنه. قلت: ليس في صفات ذات الله عز وجل إقبال ولا إعراض ولا صرف، وإنما ذلك في صفات فعله، وكأن الرحمة التي للوجه تعلق بها تعلق الصفة بمقتضاها؛ تأتيه من قبل وجه المصلي، فعبر عن إقبال تلك الرحمة وصرفها بإقبال الوجه، وصرفه لتعلق الوجه الذي هو صفة بها"اهـ (الأسماء والصفات 2/89) وقال: "وأما نور الوجه فقد احتج بعضهم في ذلك .. «إن الله عز وجل لا ينام ولا ينبغي له أن ينام، يخفض القسط ويرفعه، يرفع إليه عمل الليل بالنهار، وعمل النهار بالليل» زاد المسعودي: «وحجابه النار لو كشفها لأحرقت سبحات وجهه كل شيء أدركه بصره» .. فليس فيه إثبات النور للوجه، وإنما فيه؛ أنه لو كشف الحجاب الذي على أعين الناس ولم يثبتهم لرؤيته؛ لاحترقوا والله أعلم. وفيه عبارة أخرى، وهي أنه لو كشف عنهم الحجاب لأفنى جلاله وهيبته وقهره ما أدركه بصره - يعني كل ما أوجده من العرش إلى الثرى - فلا نهاية لبصره .. وأخبرنا أبو الحسين بن بشران العدل ببغداد؛ عن ابن عباس، رضي الله عنه؛ فذكر الحديث بطوله، وذكر فيما علمه رسول الله صلى الله عليه وسلم في دعاء حفظ القرآن: «أسألك يا الله يا رحمن بجلالك ونور وجهك أن تلزم قلبي حفظ كتابك كما علمتني .. وذكر الحديث .. فإن كان لفظ «النور» محفوظاً فيه؛ فإنهم كانوا يقولون ذلك، ويريدون به نفي النقص عنه لا غير. ثم قد حكى أبو الحسن بن مهدي فيما كتب إلي أبو نصر بن قتادة من كتابه عن ابن الأنباري عن ثعلب؛ في قول الله عز وجل: {اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ}؛ يعني: أنه حق أهل السماوات والأرض، وهذا نظير قول العرب إذا سمعوا قول القائل؛ حقاً: كلامك هذا عليه نور، أي هو حق. فيحتمل أن يكون قوله إن كان ثابتاً: «أسألك بجلالك ونور وجهك» أي وحق وجهك، والحق هو المتحقق كونه ووجوده، وكان الأستاذ أبو إسحاق إبراهيم بن محمد بن إبراهيم يقول في معنى النور: إنه الذي لا يخفى على أوليائه بالدليل، ويصح رؤيته بالأبصار، ويظهر لكل ذي لب بالعقل، فيكون قوله: «أسألك بجلالك ونور وجهك» راجعاً في النور؛ إلى أحد هذه المعاني"اهـ (الأسماء والصفات 2/107-108) وقال: "أما قوله عز وجل: {يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ}؛ فلا يجوز أن يحمل على الجارحة، لأن الباري جل جلاله واحد، لا يجوز عليه التبعيض، ولا على القوة والملك والنعمة والصلة لأن الاشتراك يقع حينئذ بين وليه آدم وعدوه إبليس؛ فيبطل ما ذكر من تفضيله عليه لبطلان معنى التخصيص، فلم يبق إلا أن يحملا على صفتين تعلقتا بخلق آدم تشريفاً له، دون خلق إبليس تعلق القدرة بالمقدور، لا من طريق المباشرة، ولا من حيث المماسة، وكذلك تعلقت بما روينا في الأخبار من خط التوراة وغرس الكرامة لأهل الجنة وغير ذلك تعلق الصفة بمقتضاها، وقد روينا ذكر اليد في أخبار أخر؛ إلا أن سياقها يدل على أن المراد بها الملك والقدرة والرحمة والنعمة، أو جرى ذكرها صلة في الكلام"اهـ (الأسماء والصفات 2/126) وقال: "وأما قوله: «في كف الرحمن»؛ فمعناه عند أهل النظر: في ملكه وسلطانه"اهـ (الأسماء والصفات 2/158) وقال: "عن ابن عباس، رضي الله عنهما؛ قال: إن اليهود والنصارى وصفوا الرب عز وجل؛ فأنزل الله عز وجل على نبيه صلى الله عليه وسلم: {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ}؛ ثم بين للناس عظمته، فقال: {وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ}؛ فجعل وصفهم ذلك شركاً. هذا الأثر عن ابن عباس إن صح؛ يؤكد ما قاله أبو سليمان رحمه الله () وقال أبو الحسن علي بن محمد بن مهدي الطبري رحمه الله: إنا لا ننكر هذا الحديث ولا نبطله لصحة سنده، ولكن ليس فيه أنه يجعل ذلك على إصبع نفسه، وإنما فيه أنه يجعل ذلك على إصبع، فيحتمل أنه أراد إصبعاً من أصابع خلقه؛ قال: وإذا لم يكن ذلك في الخبر؛ لم يجب أن يجعل لله إصبعاً"اهـ (الأسماء والصفات 2/171) وقال: "«الميزان بيد الرحمن يرفع أقواماً ويضع آخرين، وقلب ابن آدم بين إصبعين من أصابع الرحمن إن شاء أقامه وإن شاء أزاغه». وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك». فقد قرأت بخط أبي حاتم أحمد بن محمد الخطيب رحمه الله في تأويل هذا الخبر؛ قيل: معناه: تحت قدرته وملكه، وفائدة تخصيصها بالذكر أن الله تعالى جعل القلوب محلاً للخواطر والإيرادات والعزوم والنيات، وهي مقدمات الأفعال، ثم جعل سائر الجوارح تابعة لها في الحركات والسكنات، ودل بذلك على أن أفعالنا مقدورة لله تعالى مخلوقة، لا يقع شيء دون إرادته، ومثل لأصحابه قدرته القديمة بأوضح ما يعقلون من أنفسهم، لأن المرء لا يكون أقدر على شيء منه على ما بين إصبعيه، ويحتمل أنها بين نعمتي النفع والدفع، أو بين أثريه في الفضل والعدل، يؤيده أن في بعض هذه الأخبار: «إذا شاء أزاغه وإذا شاء أقامه». ويوضحه قوله في سياق الخبر: «يا مقلب القلوب ثبت قلبي». وإنما ثنى لفظ الإصبعين والقدرة واحدة لأنه جرى على المعهود من لفظ المثل. وزاد عليه غيره في تأكيد التأويل الأول بقولهم: ما فلان إلا في يدي، وما فلان إلا في كفي، وما فلان إلا في خنصري، يريد بذلك إثبات قدرته عليه؛ لا أن خنصره يحوي فلاناً، وكيف يحويه وهي بعض من جسده؟ وقد يكون فلان أشد بطشاً وأعظم منه جسماً"اهـ (الأسماء والصفات 2/173) وقال: "«إن غلظ جلد الكافر اثنان وأربعون ذراعاً بذراع الجبار، وضرسه مثل أحد» قال بعض أهل النظر في قوله: «ساعد الله أشد من ساعدك» معناه: أمره أنفذ من أمرك، وقدرته أتم من قدرتك، كقولهم: جمعت هذا المال بقوة ساعدي، يعني به رأيه وتدبيره وقدرته، فإنما عبر عنه بالساعد للتمثيل لأنه محل القوة .. وقال في قوله: «بذراع الجبار» إن الجبار ههنا لم يعن به القديم، وإنما عنى به رجلاً جباراً كان يوصف بطول الذراع وعظم الجسم .. فقوله: «بذراع الجبار» أي: بذراع الجبار الموصوف بطول الذراع وعظم الجسد، ويحتمل أن يكون ذلك ذراعاً طويلاً يذرع به يعرف بذراع الجبار، على معنى التعظيم والتهويل؛ لا أن له ذراعاً كذراع الأيدي المخلوقة"اهـ (الأسماء والصفات 2/176) وقال: "عن ابن عباس .. قال: موضع القدمين. ولا يقدر قدر عرشه. كذا قال: موضع القدمين من غير إضافة. وقاله أيضاً أبو موسى الأشعري من غير إضافة، وكأنه أصح، وتأويله عند أهل النظر مقدار الكرسي من العرش، كمقدار كرسي يكون عند سرير قد وضع لقدمي القاعد على السرير، فيكون السرير أعظم قدراً من الكرسي الموضوع دونه موضعاً للقدمين. هذا هو المقصود من الخبر عند بعض أهل النظر والله أعلم، والخبر موقوف لا يصح رفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وأما المتقدمون من أصحابنا فإنهم لم يفسروا أمثال هذه، ولم يشتغلوا بتأويلها، مع اعتقادهم أن الله تعالى واحد غير متبعض، ولا ذي جارحة"اهـ (الأسماء والصفات 2/196) وقال: "قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: )سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله ..) .. ومعناه عند أهل النظر: إدخاله إياهم في رحمته ورعايته، كما يقال أسبل الأمير، أو الوزير ظله على فلان؛ بمعنى الرعاية. وقد قيل: المراد بالخبر ظل العرش، وإنما الإضافة إلى الله تعالى وقعت على معنى الملك"اهـ (الأسماء والصفات 2/226) وقال: "(خلق آدم من قبضة قبضها من جميع الأرض، فجاء بنو آدم على قدر الأرض: منهم الأحمر، والأسود، والأبيض، والسهل، والحزن، وبين ذلك، والخبيث، والطيب)؛ قوله: «من قبضة قبضها» يريد به الملك الموكل به بأمره"اهـ (الأسماء والصفات 2/257) وقال: "عن أبي موسى، رضي الله عنه قال: (الكرسي موضع القدمين وله أطيط كأطيط الرحل) .. معناه فيما نرى؛ أنه موضوع من العرش موضع القدمين من السرير، وليس فيه إثبات المكان لله سبحانه"اهـ (الأسماء والصفات 2/296) وقال: "وذهب أبو الحسن علي بن إسماعيل الأشعري؛ إلى أن الله تعالى جل ثناؤه فعل في العرش فعلاً سماه استواء؛ كما فعل في غيره فعلاً سماه رزقاً أو نعمة أو غيرهما من أفعاله؛ ثم لم يكيف الاستواء إلا أنه جعله من صفات الفعل؛ لقوله: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى}، وثم للتراخي، والتراخي: إنما يكون في الأفعال، وأفعال الله تعالى توجد بلا مباشرة منه إياها ولا حركة. وذهب أبو الحسن علي بن محمد بن مهدي الطبري في آخرين من أهل النظر؛ إلى أن الله تعالى في السماء فوق كل شيء مستو على عرشه؛ بمعنى أنه عال عليه، ومعنى الاستواء: الاعتلاء، كما يقول: استويت على ظهر الدابة، واستويت على السطح؛ بمعنى علوته، واستوت الشمس على رأسي، واستوى الطير على قمة رأسي؛ بمعنى علا في الجو، فوجد فوق رأسي، والقديم سبحانه عال على عرشه؛ لا قاعد ولا قائم ولا مماس ولا مباين عن العرش؛ يريد به: مباينة الذات التي هي بمعنى الاعتزال أو التباعد؛ لأن المماسة والمباينة التي هي ضدها، والقيام والقعود من أوصاف الأجسام، والله عز وجل أحد صمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد؛ فلا يجوز عليه ما يجوز على الأجسام تبارك وتعالى. وحكى الأستاذ أبو بكر بن فورك هذه الطريقة عن بعض أصحابنا؛ أنه قال: استوى بمعنى: علا، ثم قال: ولا يريد بذلك علواً بالمسافة والتحيز والكون في مكان متمكناً فيه، ولكن يريد معنى قول الله عز وجل: {أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ}؛ أي: من فوقها على معنى نفي الحد عنه، وأنه ليس مما يحويه طبق أو يحيط به قطر، ووصف الله سبحانه وتعالى بذلك بطريقة الخبر؛ فلا نتعدى ما ورد به الخبر. قلت: وهو على هذه الطريقة من صفات الذات، وكلمة (ثم) تعلقت بالمستوى عليه، لا بالاستواء، وهو كقوله: {ثُمَّ اللَّهُ شَهِيدٌ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ}؛ يعني: ثم يكون عملهم فيشهده، وقد أشار أبو الحسن علي بن إسماعيل إلى هذه الطريقة حكاية؛ فقال: وقال بعض أصحابنا: إنه صفة ذات، ولا يقال: لم يزل مستوياً على عرشه، كما أن العلم بأن الأشياء قد حدثت من صفات الذات، ولا يقال: لم يزل عالماً بأن قد حدثت، ولما حدثت بعد؛ قال: وجوابي هو الأول، وهو أن الله مستو على عرشه، وأنه فوق الأشياء بائن منها، بمعنى أنها لا تحله ولا يحلها، ولا يمسها ولا يشبهها، وليست البينونة بالعزلة تعالى الله ربنا عن الحلول والمماسة علواً كبيراً. قال: وقد قال بعض أصحابنا: إن الاستواء صفة الله تعالى تنفي الاعوجاج عنه، وفيما كتب إلي الأستاذ أبو منصور بن أبي أيوب؛ أن كثيراً من متأخري أصحابنا ذهبوا إلى أن الاستواء هو القهر والغلبة، ومعناه أن الرحمن غلب العرش وقهره، وفائدته الإخبار عن قهره مملوكاته، وأنها لم تقهره، وإنما خص العرش بالذكر لأنه أعظم المملوكات، فنبه بالأعلى على الأدنى، قال: والاستواء بمعنى القهر والغلبة شائع في اللغة، كما يقال: استوى فلان على الناحية إذا غلب أهلها، وقال الشاعر في بشر بن مروان: قد استوى بشر على العراق ... من غير سيف ودم مهراق يريد: أنه غلب أهله من غير محاربة. قال: وليس ذلك في الآية بمعنى الاستيلاء، لأن الاستيلاء غلبة مع توقع ضعف، قال: ومما يؤيد ما قلناه قوله عز وجل: {ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ}، والاستواء إلى السماء؛ هو القصد إلى خلق السماء، فلما جاز أن يكون القصد إلى السماء استواء جاز أن تكون القدرة على العرش استواء. أخبرنا أبو عبدالله الحافظ، ومحمد بن موسى، قالا: ثنا أبو العباس محمد بن يعقوب، ثنا محمد بن الجهم، ثنا يحيى بن زياد الفراء في قوله عز وجل: {ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ}؛ قال: الاستواء في كلام العرب على جهتين: إحداهما: أن يستوي الرجل وينتهي شبابه وقوته، أو يستوي من اعوجاج، فهذان وجهان؛ ووجه ثالث أن تقول: كان مقبلاً على فلان ثم استوى علي يشاتمني وإلي سواء، على معنى أقبل إلي وعلي، فهذا معنى قوله: استوى إلى السماء والله أعلم. قال: وقد قال ابن عباس رضي الله عنهما: «ثم استوى صعد» وهذا كقولك للرجل: كان قاعداً فاستوى قائماً، أو كان قائماً فاستوى قاعداً، وكل في كلام العرب جائز. قلت: قوله: استوى بمعنى أقبل صحيح، لأن الإقبال هو القصد إلى خلق السماء، والقصد هو الإرادة، وذلك هو الجائز في صفات الله تعالى. ولفظ (ثم) تعلق بالخلق لا بالإرادة"اهـ (الأسماء والصفات 2/307) وقال: "صعود الكلم الطيب والصدقة الطيبة إلى السماء؛ عبارة عن حسن القبول لهما، وعروج الملائكة يكون إلى مقامهم في السماء. وإنما وقعت العبارة عن ذلك بالصعود والعروج إلى الله تعالى على معنى قول الله عز وجل: {أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ}، وقد ذكرنا أن معناه: من فوق السماء على العرش، كما قال: {فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ}؛ أي: فوق الأرض، فقد قال: {يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ}، وقال: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى}؛ ثم قد مضى قول أهل النظر في معناه، وحكينا عن المتقدمين من أصحابنا ترك الكلام في أمثال ذلك، هذا مع اعتقادهم نفي الحد والتشبيه والتمثيل عن الله سبحانه وتعالى"اهـ (الأسماء والصفات 2/334) وقال: "أما الحكاية التي تعلق بها من أثبت لله تعالى جهة؛ فأخبرنا بها .. سمعت علي بن الحسن، يقول: سألت عبدالله بن المبارك؛ قلت: كيف نعرف ربنا؟ قال: في السماء السابعة على عرشه. قلت: فإن الجهمية تقول: هو هذا. قال: إنا لا نقول كما قالت الجهمية، نقول: هو هو. قلت: بحد؟ قال: إي والله بحد. لفظ حديث محمد بن صالح. قال الشيخ أحمد بن الحسين البيهقي: إنما أراد عبدالله بالحد: حد السمع، وهو أن خبر الصادق ورد بأنه على العرش استوى، فهو على عرشه كما أخبر، وقصد بذلك تكذيب الجهمية فيما زعموا أنه بكل مكان"اهـ (الأسماء والصفات 2/334-335) وقال: "قوله: «بائن من خلقه» يريد به ما فسره بعده من نفي قول الجهمية؛ لا إثبات جهة من جانب آخر؛ يريد ما أطلقه الشرع"اهـ (الأسماء والصفات 2/336) وقال: "وفي الجملة يجب أن يعلم أن استواء الله سبحانه وتعالى؛ ليس باستواء اعتدال عن اعوجاج، ولا استقرار في مكان، ولا مماسة لشيء من خلقه، لكنه مستو على عرشه كما أخبر بلا كيف بلا أين، وأن إتيانه ليس بإتيان من مكان إلى مكان، وأن مجيئه ليس بحركة، وأن نزوله ليس بنقلة، وأن نفسه ليس بجسم، وأن وجهه ليس بصورة، وأن يده ليست بجارحة، وأن عينه ليست بحدقة"اهـ (الاعتقاد ص 116) وقال: "فصح بهذا التفسير أن الغمام إنما هو مكان الملائكة ومركبهم، وأن الله تعالى لا مكان له ولا مركب، وأما الإتيان والمجيء؛ فعلى قول أبي الحسن الأشعري رضي الله عنه يحدث الله تعالى يوم القيامة فعلا يسميه إتياناً ومجيئاً، لا بأن يتحرك أو ينتقل، فإن الحركة والسكون والاستقرار من صفات الأجسام، والله تعالى أحد صمد ليس كمثله شيء. وهذا كقوله عز وجل: {فَأَتَى اللَّهُ بُنْيَانَهُمْ مِنَ الْقَوَاعِدِ فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِنْ فَوْقِهِمْ وَأَتَاهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُونَ}، ولم يرد به إتياناً من حيث النقلة، إنما أراد إحداث الفعل الذي به خرب بنيانهم وخر عليهم السقف من فوقهم، فسمى ذلك الفعل إتياناً، وهكذا قال في أخبار النزول: إن المراد به فعل يحدثه الله عز وجل في سماء الدنيا؛ كل ليلة يسميه نزولاً بلا حركة ولا نقلة؛ تعالى الله عن صفات المخلوقين"اهـ (الأسماء والصفات 2/370) وقال: "قوله صلى الله عليه وسلم: «تقذرهم نفس الله تعالى»؛ تأويله: أن الله عز وجل يكره خروجهم إليها ومقامهم بها؛ فلا يوفقهم لذلك؛ فصاروا بالرد وترك القبول في معنى الشيء الذي تقذره نفس الإنسان؛ فلا تقبله. وذكر النفس ههنا مجاز واتساع في الكلام، وهذا شبيه بمعنى قوله تعالى: {وَلَكِنْ كَرِهَ اللَّهُ انْبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقَاعِدِينَ}"اهـ (الأسماء والصفات 2/394) وقال: "المحبة والبغض والكراهية عند بعض أصحابنا من صفات الفعل؛ فالمحبة عنده بمعنى المدح له بإكرام مكتسبه، والبغض والكراهية بمعنى الذم له بإهانة مكتسبه، فإن كان المدح والذم بالقول، فقوله كلامه، وكلامه من صفات ذاته، وهما عند أبي الحسن يرجعان إلى الإرادة، فمحبة الله المؤمنين؛ ترجع إلى إرادته إكرامهم وتوفيقهم، وبغضه غيرهم، أو من ذم فعله يرجع إلى إرادته إهانتهم وخذلانهم، ومحبته الخصال المحمودة يرجع إلى إرادته إكرام مكتسبها، وبغضه الخصال المذمومة يرجع إلى إرادته إهانة مكتسبها"اهـ (الأسماء والصفات 2/467) وقال: "عن عائشة، رضي الله عنها قالت: «من أرضى الله بسخط الناس كفاه الله الناس، ومن أسخط الله برضا الناس وكله الله إلى الناس»؛ الرضا والسخط عند بعض أصحابنا من صفات الفعل، وهما عند أبي الحسن يرجعان إلى الإرادة؛ فالرضا: إرادته إكرام المؤمنين وإثابتهم على التأبيد، والسخط: إرادته تعذيب الكفار وعقوبتهم على التأبيد، وإرادته تعذيب فساق المسلمين إلى ما شاء"اهـ (الأسماء والصفات 2/474) وقال: "الكلام في الغضب كالكلام في السخط، وأما الولاية والعداوة؛ فقد قال الله عز وجل: {اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ}، وقال: {وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ}، وقال: {وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ}، وقال: {إِنَّ اللَّهَ عَدُوٌّ لِلْكَافِرِينَ}، وهما عند أبي الحسن الأشعري يرجعان إلى الإرادة، فولاية المؤمنين إرادته إكرامهم ونصرتهم ومثوبتهم على التأبيد، وعداوة الكافرين إرادته إهانتهم وتبعيدهم وعقوبتهم على التأبيد، وأما الاختيار فقد قال الله عز وجل: {وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ}، وهو عنده أيضاً يرجع إلى إرادته إكرام من يشاء من عبيده بما يشاء من لطائفه، وهو عند غيره من صفات الفعل، فلا يكون معناه راجعاً إلى الإرادة بمعنى؛ بل يكون راجعاً إلى فعل الإكرام"اهـ (الأسماء والصفات 2/479) وقال: "قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا أحد أصبر على أذى يسمعه من الله عز وجل، يشرك به ويجعل له ولداً ثم هو يعافيهم ويرزقهم»، والصبر في هذا أيضاً؛ يرجع إلى إرادته تأخير عقوبتهم، وهو عند بعضهم: يرجع إلى تأخيره عقوبتهم، وإمهاله إياهم"اهـ (الأسماء والصفات 2/481) وقال: "باب ذكر معاني الأسماء التي رويناها على طريق الإيجاز؛ الله: معناه من له الإلهية، وهي القدرة على اختراع الأعيان، وهذه صفة يستحقها بذاته"اهـ (الاعتقاد ص 59) وقال: "ولا يجوز تكييفها، فالوجه له صفة وليست بصورة، واليدان له صفتان وليستا الجارحتين، والعين له صفة وليست بحدقة"اهـ (الاعتقاد ص 71) وقال: "وأما صفات فعله: فهي تسميات مشتقة من أفعاله؛ ورد السمع بها مستحقة له فيما لا يزال دون الأزل؛ لأن الأفعال التي اشتقت منها لم تكن في الأزل"اهـ (الاعتقاد ص 72) وقال: "قال الشيخ الإمام أحمد رحمه الله: سمعت الشيخ الإمام أبا الطيب سهل بن محمد بن سليمان رحمه الله يقول فيما أملاه علينا في قوله: «لا تضامون في رؤيته» بضم التاء وتشديد الميم؛ يريد: لا تجتمعون لرؤيته من جهته، ولا يضم بعضكم إلى بعض؛ لذلك فإنه عز وجل لا يرى في جهة؛ كما يرى المخلوق في جهة"اهـ (الاعتقاد ص 128) وقال: "فثبت أن الأفعال كلها خيرها وشرها صادرة عن خلقه وإحداثه إياها؛ ولأنه قال: {فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى}، وقال: {أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ}؛ فسلب عنهم فعل القتل والرمي والزرع مع مباشرتهم إياه، وأثبت فعلها لنفسه ليدل بذلك على أن المعنى المؤثر في وجودها بعد عدمها هو إيجاده وخلقه، وإنما وجدت من عباده مباشرة تلك الأفعال بقدرة حادثة أحدثها خالقنا عز وجل على ما أراد؛ فهي من الله سبحانه خلق على معنى أنه هو الذي اخترعها بقدرته القديمة، وهي من عباده كسب على معنى تعلق قدرة حادثة بمباشرتهم التي هي أكسابهم، ووقوع هذه الأفعال أو بعضها على وجوه تخالف قصد مكتسبها؛ يدل على موقع أوقعها على ما أراد غير مكتسبها وهو الله ربنا خلقنا، وخلق أفعالنا لا شريك له في شيء من خلقه تبارك الله رب العالمين"اهـ (الاعتقاد ص 142) وقال: "وقوله «بين أصبعين من أصابع الرحمن»؛ أراد به كون القلب تحت قدرة الرحمن"اهـ (الاعتقاد ص 152)
ليست هناك تعليقات