Header Ads

عقيدة ابن العربي المالكي الأشعري المعطل


عقيدة ابن العربي



قال: "قلنا: الدليل في قول أبي هريرة؛ لأنه قال: (اقرأ بها في نفسك يا فارسي). والقراءة في النفس تسمى قرآناً حقيقة؛ كما قال الأخطل: إن الكلام لفي الفؤاد، وإنما جعل الكلام على اللسان دليلاً"اهـ (المسالك 2/374-375)


وقال: "اعلم أن القرآن لا يتحدد معناه، ولا يتقدر مقتضاه؛ فقد يراد به الكلام القديم الموجود بذات الرب تعالى، وقد يراد به القراءة الحادثة؛ كما قال تعالى: {فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ}، وقد يضاف إليه من حيث إنه موجود بذاته، وصفة من صفاته، وقد يراد به القراءة الحادثة؛ كما أنها 


توصف بأنها كلامه؛ قال الله تعالى: {فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ}، والثاني: أنها دلالة على كلامه الموجود بذاته"اهـ (المسالك 3/379-380)


وقال: "قوله: (على سبعة أحرف) والحروف هاهنا: هي القراءة بالأصوات، وهي ضد كلام البارئ سبحانه؛ لأن البارئ كلامه القديم الذي هو صفة من صفاته لا تفارقه؛ ليس هو بصوت، ولا حرف"اهـ (المسالك 3/380)


وقال: "اعلم أن معنى النزول في اللغة، والقرآن، والسنة؛ ينطبق على تسعة معان؛ منها معاني مختلفة، ولم يكن هذا اللفظ مما يخص أمراً واحداً؛ حتى لا يمكن العدول عنه إلى غيره؛ بل وجدناه مشترك المعنى؛ فاحتمل التأويل، والتخريج، والترتيب في ذلك؛ فمن ذلك: النزول بمعنى الانتقال، والبارئ تعالى؛ يتنزه عنه، وإنما ذلك في المخلوقات؛ مثل قوله تعالى: {وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا}؛ هذا على معنى النقلة، والتحويل"اهـ (المسالك 3/447)


وقال: "وهذه الوجوه من القرآن واللغة؛ على أن البارئ تعالى لا يجوز عليه النقلة، ولا الحركة، وأن نزوله بخلاف مخلوقاته؛ إنما نزوله نزول رحمة وإحسان، أو يكون كما قال بعض العلماء الصوفية: إن نزوله ثلث الليل؛ إنما هو نزول من حال الغضب إلى حالة الرحمة، وإلا إذا أضفت النزول إلى السكينة؛ لم يكن، وإذا أضفته إلى الكلام؛ لم يكن أيضاً تفريغ مكان، ولا شغل مكان،


 وإنما أراد به: إقباله على أهل الأرض بالرحمة، والاستعطاف بالتوبة، والإنابة. هذا تفسيره عند علمائنا من أهل الكلام. وأما من تعدى عليه بالتفسير، والقول النكير؛ فإنهم قالوا: في هذا الحديث دليل على أن الله تعالى في السماء على العرش من فوق سبع سماوات. قلنا: هذا جهل عظيم؛ إنما قال: (ينزل إلى سماء الدنيا)، ولم يقل في الحديث: من أين ينزل، ولا كيف ينزل"اهـ (المسالك 3/449-450)


وقال: "والذي يجب أن يعتقد في ذلك: أن الله كان ولا شيء معه؛ ثم خلق المخلوقات من العرش إلى الفرش؛ فلم يتغير، ولا حدثت له جهة منها، ولا كان له مكان فيها؛ فإنه لا يحول، ولا يزول؛ قدوس لا يحول، ولا يتغير"اهـ (المسالك 3/451)


وقال: "وأما قوله: (ينزل) و(يجيء) و(يأتي) وما أشبه ذلك من الألفاظ التي لا تجوز على الله في ذاته معانيها؛ فإنها ترجع إلى أفعاله، وههنا نكتة، وهي أن أفعالك أيها العبد؛ إنما هي في ذاتك، وأفعال الله لا يجوز أن تكون في ذاته، ولا ترجع إليه، وإنما تكون في مخلوقاته؛ فإذا سمعت أن الله يفعل كذا؛ فمعناه في المخلوقات؛ لا في الذات"اهـ (المسالك 3/452)


وقال: "وقوله: (ينزل ربنا) عبر به عن عبده وملكه الذي نزل بأمره باسمه؛ فيما يعطي من رحمته، ويهب من كرمه، ويفيض على الخلق من عطائه"اهـ (المسالك 3/453)


وقال: "الله سبحانه منزه عن الحركة، والانتقال؛ لأنه لا يحويه مكان؛ كما لا يشتمل عليه زمان، ولا يشغل جزءاً، ولا يدنو إلى مسافة بشيء، ولا يغيب عن علمه شيء؛ متقدس الذات عن الآفات؛ منزه عن التغير والاستحالات؛ إله في الأرض إله في السموات. وهذه عقيدة مستقرة في القلوب؛ ثابتة بواضح الدليل في المعقول"اهـ (المسالك 3/454)


وقال: "وقد ورد وراء هذا الحديث؛ أحاديث وآيات مشكلات، وإن قد خضنا معهم في البيان؛ رأينا أن نعطف عليها العنان؛ بالإشارة إلى التحقيق والتبيان؛ حتى لا يمر القلب بها عليلاً، أو يكون ما يراه منها عنده مبهماً مجهولاً؛ مثل قوله: {وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا} الآية، وقوله: 


{وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ} الآية، وقوله: {فَأَتَى اللَّهُ بُنْيَانَهُمْ مِنَ الْقَوَاعِدِ} الآية، ومثل قوله: {وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلَهٌ}، وقوله: {أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ} الآية، وقوله: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا} الآية، وقوله: {وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا}، وقوله فيه: و{بَيْنِ يَدَيْهِ}، و}إِلَيْهِ{، و{عَلَيْهِ}، وألفاظ كثيرة في القرآن والحديث؛ يحتاج إلى بيان شاف. أما {عَلَيْهِ}؛ ففي قوله تعالى: {إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ}، وقوله: {وَمَا ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ}، وقوله: }لَدَيَّ{؛ هو كقوله: {مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ}، وأما }بَينَ يَدَيْهِ{؛ فقوله:


 {لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ} الآية، وأما قوله: }إِلَيهِ{؛ ففي قوله: {تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ}، وقوله: {إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ}، وقوله: {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ}، وأما قوله: }عِنْدَ{؛ ففي قوله: {إِنَّ الَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ}، وقوله: {لَا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ}، وقوله: {وَلَدَيْنَا كِتَابٌ}، وقوله: {وَلَدَيْنَا مَزِيد}، وقوله: {وَلَدَيْنَا كِتَابٌ يَنْطِقُ بِالْحَقِّ}، وأمّا }مَعَ{؛ ففي قوله: {إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ}. وكل كلمة من هذه الكلمات؛ فعند ذكر نظائرها وتبيينها؛ يزول التشبيه والتلبيس عن قلب الجاهل بمعانيها، ويوقن بالصواب عند التثبيت عليها، والله يوفقنا للصواب؛ الآية الأولى: قوله: {وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا} الآية؛ اعلم أنه لم يرد به مجيء الانتقال والاتيان. وقال بعض العلماء: إن الواو هاهنا بمعنى الباء.


 ومنهم من قال: جاء أمر ربك وحكمه؛ يريد أمر الله في القيامة، وما يختص به ذلك. وقال آخر: يحتمل: وجاء ربك بالملائكة؛ فيكون المجيء للملائكة. وتحقيق القول في هذا: أن كل فعل يضاف إلى الله تعالى مما يتعلق بأبداننا؛ يتعالى الله عنه، وإنما المراد به مخلوقاته، وذلك جائز من وجهين: إما بأن يفعل فعلاً؛ فيسمى إتياناً، وإما أن تأتي الملائكة بأمره؛ كما قال الله تعالى: {هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ وَالْمَلَائِكَةُ}؛ بخفض الهاء وبرفعها؛ فبرفعها يكون الفعل المسمى إثباتاً مخصوصاً بالظلل، وبكسرها يكون الفعل المسمى إثباتاً عاماً فيه.


 الآية الثانية: قوله تعالى: {أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ}؛ قال علماؤنا: المراد به من فوقها؛ فإذا كان ظاهراً في اللغة استعمال (في) بمعنى (فوق)، وقد قال الله تعالى: {وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ}، وقال: {يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ} الآية، وقد أطلق المسلمون على أن الله تعالى فوق خلقه ومخلوقاته؛ كان حمله على ذلك أولى، وعليه يُتأول أيضاً قوله: {وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ} الآية، أي: هو فوق الأرض، وفوق السماء إله. وقيل: إنه بمعنى معبود في الأرض، ومعبود في السماء. وقال الإمام أبو بكر بن فورك: اعلم أن قولنا: إنه فوقها؛ يحتمل وجهين: أحدهما: أنه يريد أنه قاهر لها؛ مستول عليها؛ إثباتاً لإحاطة قدرته بها، وشمول قهره لها، وكونها تحت تدبيره؛ جارية على حسب علمه، ومشيئته.


 الوجه الثاني: أن المراد به: فوقها؛ على معنى أنه متباين عنها بالصفة، والنعت. قال الإمام: ويحتمل قوله: {أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ}؛ أن يراد به من فيها من الملائكة والزبانية وخزنة جهنم الموكلين بعذاب المجرمين، ولذلك قال: {أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ}. الآية الرابعة: قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ}، وقال: {يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ}؛ قال علماؤنا: معناه: يؤذون ويحاربون أولياءه وعباده المخلصين المؤمنين، وكذلك قوله: {فَلَمَّا آسَفُونَا}؛ معناه: آسفوا أولياءنا. الآية الخامسة: قوله: {إِنَّ الَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ}؛ يريد: أصفياءه والمختارين من عباده؛ كما يقال: إن العلماء عند السلطان بالمكان الرفيع، والمنزلة العالية .. ويجوز {عِنْدَ رَبِّكَ} بمعنى: في ملك ربك ..


الآية الحادية عشر: قوله: {لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ}؛ أي بقدرتي .. الآية الرابعة عشر: قوله: {فَأَتَى اللَّهُ بُنْيَانَهُمْ مِنَ الْقَوَاعِدِ}؛ قلنا: لفظ (أتى) ههنا إنما هو فعل الله فعلاً في بنيانهم سماه إتياناً"اهـ (المسالك 3/454-460)


وقال: "فصل في مفترقات من الآيات، ومجموع الوظائف من الأحاديث المشكلات، وهي ثمانية أحاديث: الحديث الأول: وقع في الصحيح لمسلم؛ قوله: (إن الله يمسك السماوات على إصبع، والشجر والثرى على إصبع، والخلائق على إصبع؛ ثم يقول: أنا الملك)؛ قال علماؤنا: قد استقر في عقائد المسلمين؛ أن البارئ تعالى منزه عن الجارحة؛ لأنه إنما يراد به القدرة، والاجتماع. وقال قوم: إن الإصبع هنا؛ هي النعمة. وقال آخرون: إنما أراد به؛ أن الله تعالى خلق السماوات والأرض، وما بينهما في ستة أيام،


 ولم يدركه في ذلك لغوب ولا نصب. وقال آخرون: يحتمل أن يريد بالإصبع: بعض خلقه. وهذا غير مستنكر في قدرة الله. وقال آخرون: قد يريد أن تكون المخلوقات؛ اسم: إصبع؛ فأخبر بخلق هذه الأشياء عليه. والغرض في هذا الحديث: إبطال أن تكون لله جارحة؛ لإحالة العقل"اهـ (المسالك 3/463-464)


وقال: "قوله: (إن الله يطوي السماوات يوم القيامة؛ ثم يأخذهن بيده اليمنى؛ ثم يقول: أنا الملك، أنا الجبار، أين المتكبرون، ثم يطوي الأرض بشماله، ثم يقول: أنا الملك، أين المتكبرون) قد تقدم الكلام في اليدين، واختلاف الأصوليين في ذلك، وإنهما بمعنى الصفة؛ لا بمعنى الجارحة"اهـ (المسالك 3/463)


وقال: "قوله: (يضحك الله إلى رجلين يقتل أحدهما الآخر، كلاهما يدخل الجنة، يقاتل هذا في سبيل الله فيقتل، ثم يتوب الله على القاتل فيقتل شهيداً)؛ معناه: يظهر لهما أدلة الكرامة وعلامات الرضا، كما يفعل الضاحك منا لما يسر به. قوله: (عجب ربكم من شاب ليست له صبوة)؛ معناه: فعل به من الكرامة فعل المتعجب من فعله.


 قوله صلى الله عليه وسلم: (لا تزال النار يلقى فيها، حتى يضع الجبار فيها قدمه) وفي بعض طرقه: (حتى يضع الجبار فيها قدمه، فتقول: قط قط)؛ قال علماؤنا: معنى (قدمه) خلق من خلقه يسمى قدماً؛ أضافه إضافة الملك إلى نفسه .. وقال آخر: معناه: أن البارئ تعالى يخلق خلقاً يسمى قدماً؛ يملأ بهم جهنم. قوله: (إذا ضرب أحدكم عبده فليتق الوجه، فإن الله خلق آدم على صورته)؛ معناه: على صورة المضروب، فالهاء عائدة على عبده، وغير ذلك من الأحاديث المشكلات، والتأويل عليها يطول"اهـ (المسالك 3/463-464)


وقال: "(أعوذ برضاك من سخطك، وبمعافاتك من عقوبتك، وبك منك، لا أحصي ثناء عليك، أنت كما أثنيت على نفسك)؛ قال علماؤنا: الرضا: هو تعلق الإرادة بالثواب، والسخط: هو تعلق الإرادة بالعقاب، والمعافاة: تعلق الإرادة بالسلامة، والعقوبة: تعلق الإرادة بالعذاب والمحن"اهـ (المسالك 3/467)


وقال: "قوله: (وأحينا على الإيمان، وتوفنا على الإسلام) فيه دليل على أنهما بمعنى واحد، وقد تقدم بيانه بأن الإيمان: هو التصديق، وأن الإسلام: هو الاستسلام، ولو كان الإسلام العمل، والإيمان الاعتقاد خاصة؛ لكان الأمر بالقلب أولى، ويقال: وأمتنا على الإيمان، وأحينا على الإسلام"اهـ (المسالك 3/537-538)


وقال: "كذلك قال أكثر الناس: إن معنى: (فتحت أبواب الجنة)؛ أي: كثرت الطاعات، و(غلقت أبواب النار) أي: انقطعت المعاصي وقلت، وضربت لذلك الأبواب في الوجهين مثلاً؛ هذا مجاز جائز لا يقطع الحقيقة، ولا يعارضها، وكلا المعنيين صحيح مليح موجودان"اهـ (المسالك 4/247)


وقال: "وقد فسره بعض أهل الزهد؛ فقال: إن السبعة الأمعاء؛ كناية عن الحواس الخمس، وعن الحاجة، والشهوة؛ فيسمع ذكر الطعام فيحدث له عنده شره، وعن الرؤية مثله إذا رآه ممدحاً، وعند رائحته قتارة بشمه، وعن لمسه، وعن ذوقه، ويأكل للحاجة، ويزيد بعد ذلك للشهوة؛ فيكون بعد ذلك سبعة أمعاء، وهي أسباب؛ فكنى عن الأسباب بالأمعاء؛ إذ المؤمن إنما يأكل بمعى واحد"اهـ (المسالك 7/342)


وقال: "ولقد مشيت يوماً بعسقلان إلى محرس باب غزة، وقد كان القاضي حامد المعتزلي الحنفي؛ ورد علينا بها؛ فاجتمع عليه الشيعة، والقدرية، وأهل السنة؛ على طريقتهم في قصد الواردين المتحلين بالعلم، والمنتسبين إليه، وكانت بيني وبينه معرفة في المسجد الأقصى؛ فقال له أصحابه : هل يُحكم بكفر الأشعرية في قولهم: إن الباري يُرى؟ فقال له القاضي حامد: لا يُحكم بكفرهم؛ لأنهم يقولون: إنه يرى في غير جهة؛ فيذكرون ما لا يعقل، ومن قال ما لا يعقل؛ لا يكفر. وفي هذا الكلام نظر يأتي بيانه إن شاء الله تعالى، وإنما ذكرته لكم لتعلموا قدرنا عندهم"اهـ (العواصم ص 33- 34)



وقال: "وأعطف على شيخنا (الغزالي) بالكلام دون غيره من الأنام؛ لما بيني وبينه من مجلس ومقام؛ فأقول له: سبحان الله؛ هل أخذنا عنك في كتاب، وقيدنا على كل باب؛ إلا أن الله منفرد بالإيجاد؛ متوحد بالاستبداد، وأن ما سواه لا ينسب إليه فعل، ولا يناط به حادث"اهـ (العواصم ص 35-36)


وقال: "فرأوا (الباطنية) من الكلام ما لا يمكنهم أن يقوموا معه بقائمة، وخرج البحث، وشاع به الحديث؛ فأراد رئيس الباطنية المسمين بالإسماعيلية أن يجتمع معي؛ فجاءني أبو الفتح إلى مجلس الفقيه الدبيقي، وقال لي: إن رئيس الإسماعيلية رغب في الكلام معك؛ فقلت: أنا مشغول، فقال: هاهنا موضع قريب قد جاء إليه، وهو محرس الطبرانيين؛ مسجد في قصر على البحر؛ شامخ البنا؛ مشيد البناء، وتحامل علي،


 فقمت ما بين حشمة، وحسبة، وللمحرس المذكور رائعة طويلة؛ فقطعتها، ودخلنا حشمة قصر المحرس، وصعدنا إليه فوجدتهم قد اجتمعوا في زاوية المحرس الشرقية، فرأيت النكر في وجوههم، فسلمت، ثم قصدت جهة المحراب، فركعت عنده ركعتين، لا عمل لي فيهما إلا تدبير القول معهم، والخلاص منهم؛ فلعمر الذي قضى علي بالإقبال إلى أن أحدثكم؛ أن كنت رجوت الخروج من ذلك المجلس أبداً، ولقد كنت أنظر في البحر يضرب في حجارة سود محددة تحت طاقات المحرس؛ فأقول: هذا قبري الذي يقذفون بي فيه، وأنشد في سري: ألا هل إلى الدنيا معاد، وهل لنا سوى البحر قبر أو سوى الماء أكفان. وهي كانت الشدة الرابعة من شدائد عمري التي أنقذني الله منها؛ فلما سلمت استقبلتهم، وسألتهم عن أحوالهم عادة، وقد اجتمعت إلي نفسي، وقلت: أهون ميتة، وأشرفها في أكرم موطن أناضل فيه عن الدين؛ فقال لي أبو الفتح، وأشار إلى فتى حسن 



الوجه: هذا سيد الطائفة، ومقدمها، فدعوت له؛ فسكت، فبداني وبدرني، وقال لي: قد بلغتني مجالسك، وانتهى إلي كلامك، وأنت تقول: قال الله، وفعل الله؛ فأي شيء هو الله الذي تدعو إليه، وتكثر من ذكره؟ أخبرني، وبين لي، واخرج عن هذه المخرقة التي جازت لك على هذه الطائفة الضعيفة. وقد احتد نفساً، واحتدم حلباً، وامتلأ حنقاً وغيظاً، وجثا على ركبتيه؛ كما عاث بقولته، ولم أشك أنه لا يتم الكلام إلا وقد اختطفني أصحابه قبل الجواب، وعمدت بتوفيق الله إلى كنانتي، واستخرجت منها سهماً صائباً كان من عددي؛ فضربت به حبة قلبه؛ فسقط لليدين وللفم، ولم تبق له كلمة تجري على القلم، وشرح ذلك: أن الإمام أبا بكر أحمد بن إبراهيم الإسماعيلي الجرجاني؛ قال: كنت أبغض الناس في من يقرأ علم الكلام، وذلك لأنه كان مقدماً في علم الحديث؛ عارفاً به؛ قال: فدخلت يوماً إلى الري؛ فعمدت إلى جامعها؛ فدخلته، واستقبلت سارية أركع عندها، وإذا فيما يجاورني؛ رجلان وهما يتذاكران علم الكلام، فتطيرت بهما، وقلت في نفسي:


 أول ما دخلت هذا البلد سمعت فيه ما أكره، وجعلت أخفف الصلاة حتى أبعد عنهما، فعلق بي من قولهما: إن هؤلاء الباطنية أسخف خلق الله عقولاً، وينبغي للنحرير ألا يتكلف لهم دليلاً، ولكن يطالبهم بـ لم؛ فلا قبل لهم بها، ولا معدل لهم عنها. وسلمت مسرعاً، وشاء الله بعد ذلك؛ أن يكون رجل من الإسماعيلية، ولفهم القرامطة؛ يلقون الأمر إلى معرفيهم؛ فكشف القناع في الإلحاد، وجعل يكاتب وشمكير الأمير يدعوه إلى الإلحاد، ويقول: إني لا أقبل دين محمد إلا بالمعجزة؛ فإن أظهرتموها رجعنا إليكم، وانجرت الحال إلى أن اختاروا رجلاً جلداً منهم له دهاء ومنة؛ فورد على وشمكير رسولاً؛ فقال له: إنك أمير، ومن شأن الأمراء والملوك أن تتخصص عن العوام، ولا تقلد في عقيدتها، وإنما حقهم أن يفحصوا عن البراهين؛ فقال له وشمكير: اختر رجلاً من أهل مملكتي،


 ولا أنتدب للمناظرة بنفسي؛ فيناظره بين يدي؛ فقال له الملحد: اخترت أبا بكر الإسماعيلي؛ لعلمه بأنه ليس من أهل علم التوحيد، وإنما كان إماماً في الحديث، ولكن كان وشمكير يعتقد فيه أنه أعلم أهل الأرض بأنواع العلوم؛ فقال له وشمكير: (تيك مرد)؛ أي رجل جيد؛ فأرسل الملك إلى أبي بكر الإسماعيلي بجرجان؛ ليرحل إليه إلى غزنة؛ حتى يناظر الإسماعيلي لما كان يسمع من ذكره، وإمامته في الحديث، والملك بعاميته يعتقد أنه قائم على كل علم، وأنه ليس فوقه أحد، ولا وراءه مطلب فلم يبق أحد من العلماء إلا يئس من الدين، وقال: سيبهت الإسماعيلي الكافر مذهباً؛ الإسماعيلي الحافظ نسباً، ولم يمكنهم أن يقولوا


 للملك: إنه لا علم عنده بذلك لئلا يتهمهم بالحسد؛ فلجأوا إلى الله أن ينصر دينه، وعولوا عليه؛ قال الإسماعيلي: فلما جاءني البريد، وأخذت في المسير، وتدانت الدار قلت: إنا لله. وكيف أناظر فيما لا أدري، وأتكلم بما لا أعلم؟ هل أتبرأ عند الملك أولاً، وأرشده إلى من يحسن الجدل، ويعلم حجج الله في خلقه على صحة دينه؟ وندمت على ما سلف من عمري، ولم أنظر في شيء من علم الكلام، ثم أذكرني الله ما كنت سمعته من الرجلين بجامع الري، فقويت نفسي، وعولت على أن أجعل ذلك عمدتي، وبلغت البلد، وتلقاني الملك، واستراح؛ ثم جميع الخلق، وحضر الإسماعيلي المذهب مع الإسماعيلي النسب، وقال الملك للإسماعيلي الباطني: اذكر قولك يسمعه الإمام؛ فلما أخذ في ذكره، واستوفاه، قال له الحافظ: لم؟ فلما سمعها الملحد؛ قال: هذا إمام قد عرف مقالتي؛ فبهت. فقال له الملك (إذا ناشمند وضين) ورجع إلى أصحابه، وهو يشير إلى الإسماعيلي، ويقول: (أجور مردد أنشمند)، وروي أنه قال: (يا كشنخان خوستي كوه بيك)؛ فرد مناظره، وطرده قال الإسماعيلي: فخرجت من ذلك، وأمرت بقراءة علم الكلام، وتحققت أنه عمدة من عمد الإسلام"اهـ (العواصم ص 47-51)



وقال: "ولم يتعرض لحماية الدين إلا آحاد اختارهم الله له، ونصبهم للذب عنه؛ فأولهم أبو الحسن الأشعري .. وتواتر بعده الأصحاب في الأحقاب على الأعقاب؛ فحفظ الله دينه على من أراد هدايته؛ فلم يبق وجه من البيان إلا أوضحوه، ولا سبيل من الأدلة إلا نهجوها، وانتدب أبو الحسن إلى كتاب الله؛ فشرحه في خمسمئة مجلد، وسماه بـ (المختزن) فمنه أخذ الناس كتبهم، ومنهم أخذ عبدالجبار الهمذاني كتابه في تفسير القرآن الذي سماه بـ (المحيط) في مئة سفر .. فعليكم بكتب القوم؛ فهي الشفاء من الداء العياء"اهـ (العواصم ص 71-72)


وقال: "وقد جاء الله -كما قدمنا - بطائفة عاصمة؛ تجردت لهم، وانتدبت بتسخير الله وتأييده للرد عليهم؛ ممن قدمنا ذكره من أعيان الأئمة؛ إلا أنهم لم يكلموهم بلغتهم، ولا ردوا عليهم بطريقتهم .. فانتدب للرد عليهم بلغتهم، ومكافحتهم بسلاحهم، والنقض عليهم بأدلتهم: أبو حامد الغزالي؛ فأجاد فيما أفاد، وأبدع في ذلك ما أراد الله وأراد، وبلغ في فضيحتهم المراد"اهـ (العواصم ص 77-78) وقال: "وعلى كل حال؛ فالذي أراه لكم على الإطلاق؛ أن تقتصروا على كتب علمائنا الأشعرية، وعلى العبارات الإسلامية، والأدلة القرآنية"اهـ (العواصم ص 80)



وقال: "وقد قام بحمد الله وتوفيقه؛ الدليل على أن الله وحده خالق الأجسام، والأعراض، وتبين أن العبد مكتسب غير فاعل"اهـ (العواصم ص 88)
وقال: "فليس يخفى على ذي لب؛ أن العقل والشرع صنوان، وقد قال بعضهم: إن العقل مزكي الشرع، ولا يصح أن يأتي الشاهد بتجريح المزكي، ولا بتكذيبه؛ فإن ذلك إبطال له"اهـ (العواصم ص 112)


وقال: "وقد بينا في غير موضع؛ أن الكائدين للإسلام كثير، والمقصرون فيه كثير، وأولياؤه المشتغلون به قليل؛ فممن كاده: الباطنية، وقد بينا جملة أحوالهم. وممن كاده: الظاهرية، وهم طائفتان: أحدهما: المتبعون للظاهر في العقائد والأصول. الثانية: المتبعون للظاهر في الأصول. وكلا الطائفتين في الأصل خبيثة، وما تفرع عنهما خبيث مثلهما؛ فالولد من غير نكاح لغية، والحية لا تلد إلا حية، وهذه الطائفة الآخذة بالظاهر في العقائد؛ هي طرف التشبيه؛ كالأولى في التعطيل، وقد بليت بهم في رحلتي، وتعرضوا لي كثيراً دون بغيتي، وأكثر ما شاهدتهم بمصر والشام وبغداد؛ يقولون: إن الله تعالى أعلم بنفسه وصفاته وبمخلوقاته منا؛ فإذا أخبرنا بأمره؛ آمنا به كما أخبر، واعتقدناه كما أمر، وقالوا حين سمعوا {هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ وَالْمَلَائِكَةُ}، {وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا}، {فَأَتَى اللَّهُ بُنْيَانَهُمْ مِنَ الْقَوَاعِدِ}، و(ينزل ربنا كل ليلة إلى سماء الدنيا)؛ أنه يتحرك وينتقل، ويجيء ويذهب من موضع إلى موضع، ولما سمعوا قوله {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى}؛


 قالوا: إنه جالس عليه؛ متصل به، وإنه أكبر بأربع أصابع؛ إذ لا يصح أن يكون أصغر منه لأنه العظيم، ولا يكون مثله لأنه {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ}؛ فهو أكبر من العرش بأربع أصابع. ولقد أخبرني جماعة من أهل السنة بمدينة السلام؛ أنه ورد بها الأستاذ أبو القاسم عبدالكريم بن هوازن القشيري الصوفي من نيسابور؛ فعقد مجلساً للذكر، وحضر فيه كافة الخلق، وقرأ القارئ {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى}؛ قال لي أخصهم: فرأيت - يعني الحنابلة - يقومون في أثناء المجلس، ويقولون: قاعد قاعد؛ بأرفع صوت، وأبعده مدى، وثار إليهم أهل السنة من أصحاب القشيري، ومن أهل الحضرة، وتثاور الفئتان، وغلبت العامة؛ فأجحروهم المدرسة النظامية، 


وحصروهم فيها؛ فرموهم بالنشاب؛ فمات منهم قوم، وركب زعيم الكفاة، وبعض الدارية؛ فسكنوا ثورتهم، وأطفوا نورتهم .وقالوا : إنه يتكلم بحرف وصوت، وعزوه إلى أحمد بن حنبل، وتعدى بهم الباطل إلى أن يقولوا: إن الحروف قديمة! وقالوا: إنه ذو يد، وأصابع، وساعد، وذراع، وخاصرة، وساق، ورجل يطأ بها حيث شاء، وأنه يضحك، ويمشي، ويهرول .. ولو كانت لهم أفهام، ورزقوا معرفة بدين الإسلام؛ لكان لهم من أنفسهم وازع؛ لظهور التهافت على مقالاتهم، وعموم البطلان لكلماتهم، ولكن الفدامة استولت عليهم؛ فليس لهم قلوب يعقلون بها، ولا أعين يبصرون بها، ولا آذان يسمعون بها؛ أولئك كالأنعام بل هم أضل"اهـ (العواصم ص 208-211)


وقال: "وأنبئكم بغريبة؛ أني ما لقيت طائفة، إلا وكانت لي معهم وقفة في مقالاتهم؛ عصمني الله بالنظر بتوفيقه منها؛ إلا الباطنية، والمشبهة؛ فإنها زعنفة تحققت أنه ليس وراءها معرفة؛ فقذفت نفسي كلامها من أول مرة"اهـ (العواصم ص 211)
وقال: "وسائر الطوائف؛ لا بد أن يقف الفكر عقلاً، وشرعاً؛ من أي وجه طلبت الدليل؛ حتى يرشده العقل والشرع إلى مأخذ النجاة"اهـ (العواصم ص 211-212)


وقال: "وقبل، وبعد: فينبغي أن تعلموا أن هذه الطائفة؛ في حفظ ظاهر هذه الأخبار؛ لا يقال: إنها بنت قصراً، أو هدمت مصراً؛ بل هدمت الكعبة"اهـ (العواصم ص 213)
وقال: "رأيت غريبة مغربية؛ دفعها إلي عبدالله بن منصور القاضي؛ فيها كلام لبعض منتحلي صناعة الكلام بالمغرب؛ يقول فيها: إن الباري في جهة، وأنه فوق العرش، وإن العرش هو الذي يليه من مخلوقاته؛ فرأيت قوماً قد استولت عليهم الغفلة، وغلبهم الجهل"اهـ (العواصم ص 214-215)
وقال: "الله تعالى لا يوصف إلا بما وصف به نفسه؛ شرعاً، وعقلاً"اهـ (العواصم ص 215)


وقال: "فإن قيل: فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم لسعد بن معاذ؛ حين حكم في بني قريظة بأن يقتل مقاتلهم، وتسبى ذراريهم: (لقد حكمت فيهم بحكم الملك من فوق سبعة أرقعة). قلنا: لم يصح، ومع حاله؛ فلا متعلق فيه؛ لأن قوله: (من فوق سبعة أرقعة) حرف جر يتعلق بـ (حكمت)، أو بحكم المصدر المتصل؛ لا بقوله (الملك)؛ فاهموا ذلك فهو من الصناعة، 


وقد استوفينا بيانه في (الإملاء) و(المشكلين). وأما قوله: (ينزل ربنا كل ليلة إلى سماء الدنيا) فإن الحركة والانتقال، وإن كان محالاً عليه عقلاً؛ فإنه يلزمهم على محالهم أن يكون محالاً؛ فإنهم قد قالوا: إنه أكبر من العرش بمقدار يسير؛ فكيف ينزل إلى السماء، وهو أكبر من جميعها؟ أي حتى بحمله تعالى على الوجهين، ولم يفهموا أن النبي إنما خاطب بذاك العرب، والفصحاء اللسن، وقد ثبت فيها أن التنزيل على الوجهين: نزول حركة، ونزول إحسان وبركة، فإن من أعطاك فقد نزل إليك"اهـ (العواصم ص 116-117)

وقال: "نبغت طائفة قالت: إن المعول المرجوع إليه؛ هو قول الله، وحكمه، وإن الموصل له إلينا؛ واسطته، وهم رسله الذين أولهم آدم، وآخرهم محمد صلى الله عليه وسلم. وهذه كلها دعوى؛ فإن العقول ترشد إلى السياسة الأيالية، والقوانين الحكمية، وقانون التدبير الجامع للمصالح المنتظمة لعامة الخلق، وإصلاح الأخلاق، وتطهير الأبدان عن أوصاف النجاسات، والقلوب عن أخلاق الدناءات، حتى يطرد الاصلاح في الباطن والظاهر، ويستمر البقاء على العيش الطيب، واستقامة الخاصة والعامة، 


وهذه كتب الحكماء بسيرهم في أنفسهم، ووصاياهم لغيرهم؛ تتضمن جميع ذلك؛ فمن أراد النظر فيها؛ فقد جليت له في منصتها، وكفى بعد ذلك بإيضاح العقول رسلاً، وبمقتضياتها أدلة؛ مادة إلى الغني الذي لا يصحبه فقر، والنعيم الذي لا يقترن به كدر، والكمال الذي لا يتطرق إليه نقصان، ولو عولنا في درك الحقائق على الأنبياء؛ ما كنا نقف على حقيقة أبداً؛ فإنهم: يقولون نحن رسل الله، ويأتون بأفعال غريبة تخرج عن حد العادة؛ فيتحدون بها على صدقهم؛ بطريق أنها فوق طوق البشر؛ يأتي الله بها على جهة العضد لهم، والتصديق لقولهم، وتلك الأمور الغريبة التي يأتون بها؛ داخلة في طوق البشر؛ محمولة إما على خاصة أدركوها، أو على وجوه من الحيل نظموها على بعد، وجمعوها؛ حتى انتهت إلى هذه الحالة التي أشهدوها للخلق، وأبرزوها، ولو لم يكن في الدنيا إلا حجر المغناطيس الذي يجذب الحديد من بعد، 

ولا يجذب الذهب، ولا هدبة الثوب، ونحن نرى السحرة يأتون بالغرائب؛ حتى إن الواحد منهم ليهزم الجيش، ويرد الجم الغفير فلاً، ويجري الماء على الأرض سيحاً، وينزل المطر صيباً، ويريك الجدب خصباً، ولا يحسب في الحقائق فعله، ولا يقبل قوله؛ هذا إلى ما في الوصول إلى حالة القبول من الرسول من العقاب التي لا يقطعها بازل، ولا يكون الفكر عنها أبداً إلا نازل؛ منها معرفة حقيقة النبوة، وإثبات كلام الله تعالى الذي يترتب عليه إرسال الرسل؛ جواز بعثة الله الرسول، ومنها تعيين ما تأتي به؛ فإنها إن قالت ما يعلم فلا يحتاج إليها، وإن قالت ما لا يعلم؛ فلا يقبل منها؛ مع أنا رأيناهم يقولون أشياء يردها العقل، وأكثر الخلق لا يقبلونها، وأي فائدة في مخاطبة من يعلم أنه لا يقبل. ومنها وجه المعرفة بأنه رسول، وقد بينا أن ذلك يعسر؛ لاشتباه الأفعال؛ 

لا سيما وأنتم تقولون: إنه جائز على الله أن يعم الخلق بالضلال؛ فما يؤمنكم أن يكون ما يأتي به الرسول سبباً لإضلال الخلق، وقد قلتم: إن للمعجزة ستة شروط، وعلى كل شرط منها من الأشكال ما يملأ القراطيس؛ فكيف يخلص من هذا؟ وهذا وأنتم بعد إلى الآن؛ لا تدرون هل دلالة المعجزة عقلية، أو عادية؛ فمتى تقطع هذه العقاب العشرة، ويرتقي إلى يفاع المعرفة؟ والناس ضعفاء، والشعوب كثيرة، والعمر قصير، والذي يدعي أنه وصل قليل، والآلات معدومة، أو متعذرة، والسفر طويل؛ لقد أبعدتم النجعة على الخلق في المطلوب. والذي يمكن أن ينظر الإنسان في أمهات الفضائل، وهي الحكمة والشجاعة والعفة والعدالة؛ فإذا حصل عليها؛ فما وراءها مرمى، ولا بعدها مطلب، ولا يحتاج في ذلك إلى رسالة؛ قد أدركها خلق دون نبي"اهـ (العواصم ص 167-169)

وقال: "فكما أن ذكر الصورة محمول على المعنى؛ كذلك النداء بصوت؛ محمول على المعنى؛ فإن قالوا بالصوت والصورة والتعبير بالحوادث؛ لم يكونوا من أهل القبلة، وحكم بخروجهم أصلاً وفرعاً من الملة"اهـ (العواصم ص 218)


وقال: "وأما قولهم: إنه يتكلم بحرف وصوت؛ فهو معنى أصلته القدرية؛ لقولها بخلق القرآن، وأن الله خلق في الشجرة كلاماً فهمه موسى؛ كما يفهم كلام الإنسان؛ فجرى أولئك على فصل من البدعة فاسد الأصل؛ معلوم المعنى؛ فلما جاءت هذه الطائفة، ووجدت القول بخلق القرآن كفراً؛ أقروا الحرف والصوت، وأنكروا الخلق، وقضوا بقدم الحرف والصوت، فجاءوا بما لا يعقل، ولا هو في حد النظر والمجادلة، ولهم ظواهر لا أصل لها في الصحة، ليس فيها ما يعول عليه، ولا ثبتت صفة به؛ 



أمثله: حديث عبدالله بن أنيس (يجمع الله الناس يوم القيامة في صعيد واحد فيناديهم بصوت) ذكره البخاري في التراجم مقطوعاً، ومعناه: أن مناديه ذو صوت؛ ليس هو الذي له الصوت صفة، وقد يضاف إلى الباري ملكه؛ كما تضاف إليه صفته؛ فما جاز عليه؛ حمل الأخبار عنه على الصفة، وما كان غير جائز؛ حمل الأخبار عنه به على الملك، وإلا ففي الخبر (ينادي بصوت)، وليس فيه: يتكلم بصوت .. وقد ورد في الصحيح؛ حديث صحيح (إذا قضى الله في السماء أمراً؛ سمعت الملائكة كهيئة السلسلة على الصفوان؛ فيخرون سجداً؛ حتى إذا فزع عن قلوبهم؛ قالوا: ماذا قال ربكم؟ قالوا: الحق. فيقولون: الحق؛ الحق) فتعلق به بعض هؤلاء المبتدعة، وقالوا: هذا نص في أن كلام الله صوت"اهـ (العواصم ص 218-219)

وقال: "لو كان كلام الله صوتاً؛ لما كان صوت جبريل لمحمد صلى الله عليه وسلم؛ كالجرس"اهـ (العواصم ص 220)


وقال: "وأما كونه له يد، ويمين؛ فإنه له ثابت قطعاً؛ إذ هو نص القرآن. وكذلك: ذو عين؛ فإنه ثابت قطعاً، ولما جاء في القرآن كلاهما؛ قال علماؤنا المتقدمون: إن اليدين صفة ثابتة في القرآن ليس لها كيفية، وحملها المتأخرون من أصحابنا على القدرة، والذي قال في آدم: {لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ}؛ قال: {تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ}، وقال: {بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ}، وقال: }وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ{، وفي الحديث الصحيح: (وكلتا يديه يمين)، والذي خلق به آدم، ويطوي به السموات؛ هو الذي به الملك، وهو يقبض به الأرض؛ في البخاري: (يقبض الله الأرض، ويطوي السماء بيمينه) وذكر الحديث. وذلك كله عبارة عن القدرة، وضرب الله اليد مثلاً؛ إذ هي آلة التصرف عندنا، والمحاولة؛ فإنهما المراد هنا، وأوضح العلم لنا منا، وذلك تصديق قوله: {وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ}. وأما بعض أصحابنا؛ فقد قال: }وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ{؛ أي: بقسمه أن يفني الخلق. فقول ضعيف، وإنما هي كناية عن القدرة؛ كما بينا"اهـ (العواصم ص 220)


وقال: "ولعلمائنا نكتة بديعة، وذلك أنه ما جاء في القرآن من أحوال الصفات الثابتة نقلاً قطعاً؛ قالوا: إنها صفات لا تتأول، وما جاء في أخبار الآحاد؛ أولوها، ولم يوجبوا لله منها صفة"اهـ (العواصم ص 220-221)


وقال: "وأما الساعد؛ فليس في حديث صحيح، وكذلك ذكر الذراع؛ فلم يصح .. وأراد بساعد الله - إن صح - الذي ينتقم الله به؛ كما أن سيف الله؛ الذي ينتقم به من الكفار، ويستوفي به القبض، وأراد بالذراع: مملوكة كبيرة المساحة؛ فأمر أن يذرع بها ما عنده من المساحة .. وأما ذكر الأصابع؛ فصحيح، ولكن لم ترد مضافة إليه، وإنما ورد: (أنه يضع السموات على إصبع والأرضين على إصبع ثم يهزهن) الحديث. ولا ينكر أن يكون لله أصابع، ولكن ليست صفات له، ولا متصلة له، ولا يقتضي الظاهر ذلك؛ فلا نرده باطناً فيضيفوها إلى الله، وقولوها مطلقة كما جاءت؛ تكونا آخذين بالظاهر. والمعنى فيه: أن الجامع للمخاطب الأصابع فضرب له المثل به؛ فاحفظوا نكتة بديعة، وهي أن الشرع جاء باليدين واليد والكف والأصابع، وقل بالساعد والذراع؛ مفردات؛ فلا تصلوها،


 وتجعلوها عضواً، وتضيفوها، وتركبوها بعضها إلى بعض؛ فإنكم تخرجون من الظاهر إلى باطن التشبيه والتمثيل؛ الذي نفاه عن نفسه .. وأما ذكر القدم والرجل فصحيح؛ وردا مضافين إلى الله، وأما الساق؛ فلم يرد مضافاً إليه؛ لا في حديث صحيح، ولا سقيم، وإنما قال الله }يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ{؛ ما الساق؟ وأي ساق؟ ولمن من ذوي السوق؟ 

وأما الوطء بالقدم فلم يرد في حديث صحيح .. ثم يقال لهم: قوله: (يضع السموات على أصبع، وتقلب القلوب بأصابع الرحمن)؛ من أين لكم أن أصابع الوضع المطلقة؛ هي أصابع التفليب المضافة إليه؟ ثم إنه قال: {وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي}، وقال: {تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا}؛ من قال لكم : إنها عينان ؟ وقال:}بِيَدَ يَّ{، و}يَدَيَّ{؛ من قال لكم: إنها أيدي"اهـ (العواصم ص 221-223)

وقال: "وتحقيق المسألة: أن أحداً لم يقل قط: إن الأصابع والكف؛ صفة، وإنما اختلفوا فيما جاء به القرآن؛ فأما ما جاء من طريق الآحاد؛ فلا يثبت العلماء بها صفة، وإنما اقتحم ذلك؛ هذه الطائفة العوجاء"اهـ (العواصم ص 224)


قال: "وأما الضحك والفرح؛ فحديث صحيح، ولكن أجمعت الأمة على أنها ليست بصفات، وإنما الضحك عبارة عما يكون من فضله، ويفيض من عطائه؛ كما يقال: ضحكت الأرض؛ إذا أبرزت زينتها .. والفرح عبارة عما يظهر عنده من الجود والسخاء، والبشر والقبول"اهـ (العواصم ص 224)


وقال: "فإن العقل يزكي الشرع، والشاهد بعدالته، ومن المحال أن يأتي الشاهد بجرحه المزكي، وتكذيبه"اهـ (العواصم ص 227)
وقال: "فأما الذي ورد كمالاً محضاً؛ كالوحدانية، والعلم، والقدرة، والإرادة، والحياة، والسمع، والبصر، والإحاطة، والتقدير، والتدبير؛ فلا كلام فيه، ولا توقف"اهـ (العواصم ص 228)


وقال: "إذا جاء ما ينفي العقل ظاهره؛ فلا بد أيضاً من تأويله"اهـ (العواصم ص 231)


وقال: "قوله (ابن حزم): كلام الله هو علمه. لا عقل، ولا شرع؛ من أين أخذ هذا؟ أدلة العقول تنفيه، والشرع لم يرد به"اهـ (العواصم ص 269)
وقال: "وما خرج إليه أحد إلا بتأويل، ولا قاتلوه إلا بما سمعوا من جده المهيمن على الرسل؛ المخبر بفساد الحال؛ المحذر من الدخول في الفتن، وأقواله في ذلك كثيرة: منها قوله صلى الله عليه وسلم: «إنه ستكون هنات وهنات؛ فمن أراد أن يفرق أمر هذه الأمة، وهي جميع؛ فاضربوه بالسيف كائناً من كان»؛ فما خرج الناس إلا بهذا، وأمثاله، ولو أن عظيمها وابن عظيمها، وشريفها وابن شريفها الحسين؛ وسعه بيته أو ضيعته أو إبله، ولو جاء الخلق يطلبونه ليقوم بالحق، وفي جملتهم ابن عباس وابن عمر؛


 لم يلتفت إليهم، وحضره ما أنذر به النبي صلى الله عليه وسلم، وما قال في أخيه، ورأى أنها خرجت عن أخيه، ومعه جيوش الأرض، وكبار الخلق يطلبونه؛ فكيف ترجع إليه بأوباش الكوفة، وكبار الصحابة ينهونه وينأون عنه؟ ما أدرى ما هذا إلا التسليم لقضاء الله، والحزن على ابن بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم بقية الدهر، ولولا معرفة أشياخ الصحابة، وأعيان الأمة بأنه أمر صرفه الله عن أهل البيت، وحال من الفتنة لا ينبغي لأحد أن يدخلها؛ ما أسلموه أبداً"اهـ (العواصم ص 338-339) ([1])

وقال: "اعلموا وفقكم الله أنه لا بد من التأويل في هذه الأحاديث؛ فإنه قد يأتي منها ما لا سبيل الى حمله على ظاهره، ولا إلى الايمان به كما ورد؛ كقوله: {وَجَاءَ رَبُّكَ}، وقوله: {فَأَتَى اللَّهُ بُنْيَانَهُمْ مِنَ الْقَوَاعِدِ}، وكقوله: (عبدي مرضت فلم تطعمني، وعطشت فلم تسقني)"اهـ (عارضة الأحوذي 3/28-29)


وقال: "وأما الذين يقولون: إن اليد هي القدرة. فهم طائفة من أهل السنة"اهـ (عارضة الأحوذي 3/32)
وقال: "فما ورد من صفة الضحك والفرح مضافاً إليه؛ فإنما يرجع إلى فائدة ذلك وثمرته، وهي سعة العطاء وكثرة الجود؛ فعبر به عنه مجازاً"اهـ (عارضة الأحوذي 4/271-272)


وقال: "واختلف الناس في هذا الحديث، وأمثاله؛ على ثلاثة أقوال: فمنهم من رده؛ لأنه خبر واحد ورد بما لا يجوز ظاهره على الله. وهم المبتدعة. ومنهم من قبله، وأمره كما جاء، ولم يتأوله، ولا تكلم فيه؛ مع اعتقاده أن الله ليس كمثله شيء. ومنهم من تأوله وفسره، وبه أقول؛ لأنه معنى قريب عربي فصيح. أما إنه قد تعدى اليه قوم ليسوا من أهل العلم بالتفسير؛ فتعدوا عليه بالقول بالتكثير؛ قالوا: في هذا الحديث دليل على أن الله في السماء على العرش من فوق سبع سموات. قلنا: هذا جهل عظيم، وإنما قال: ينزل الى السماء. ولم يقل في هذا الحديث من أين ينزل، ولا كيف ينزل .. قالوا: اجتمعت الموحدة على أنهم يرفعون أيديهم في الدعاء الى السماء، 


ولولا ما قال موسى: إلهي في السماء؛ لفرعون؛ ما قال: يا هامان ابن لي صرحاً. قلنا: كذبتم على موسى؛ ما قالها قط .. إنما انتم أتباع فرعون الذي اعتقد أن الباري في جهة"اهـ (عارضة الأحوذي 5/40-43)

وقال: "وأما قوله: ينزل، ويجيء، ويأتي، وما أشبه ذلك من الألفاظ التي لا تجوز على الله في ذاته؛ فإنها ترجع إلى أفعاله، وههنا نكتة، وهي أن أفعالك أيها العبد؛ إنما هي في ذاتك، وأفعال الله سبحانه تكون في ذاته، ولا ترجع اليه، وإنما تكون في مخلوقاته؛ فإذا سمعت الله يقول: كذا. فمعناه في المخلوقات؛ لا في الذات"اهـ (عارضة الأحوذي 5/46-47)


وقال: "كذلك قوله (ينزل ربنا) عبر عن عبده وملكه الذي ينزل بأمره باسمه؛ فيما يعطي من رحمته، ويهب من كرمه، ويفيض على الخلق من عطائه .. والنزول قد يكون في المعاني، وقد يكون في الأجسام. والنزول الذي أخبر الله عنه؛ إن حملته على أنه جسم؛ فذلك ملكه ورسوله وعبده. وإن حملته على أنه كان لا يفعل شيئاً من ذلك، وفعله عند ثلث الليل؛ فاستجاب وغفر وأعطى وسمي ذلك نزول عن مرتبة إلى مرتبة، ومن صفة الى صفة؛ فتلك غريبة محضة؛ خاطب بها أعرف منكم وأعقل وأكثر توحيداً وأقل؛ بل أعدم تخليطاً. قالوا بجهلهم: لو أراد نزول رحمته لما خص بذلك الثلث من الليل؛ لأن رحمته تنزل بالليل والنهار. قلنا: ولكنها بالليل ويوم عرفة وفي ساعة الجمعة يكون نزولها أكثر، وعطاؤها أوسع"اهـ (عارضة الأحوذي 5/48-49)


وقال: "وقوله: (الذي في السماء) يعني: الذي في العلو، والجلال، والرفعة؛ لأن الله تعالى لا يحل بمكان؛ فكيف أن يكون فيه محيطاً به، وهذا كرضاه من السوداء؛ بأن تقول في جواب قوله: أين الله؟ فأشارت إلى السماء؛ معبرة به عن الجلال والرفعة؛ لا عن المكان"اهـ (عارضة الأحوذي 5/97)


وقال: "إذا ذكر أصبع الله، أو قدم الله؛ فذلك فى قول من يتأول، وهو الأصح لمن قدر أنه ضرب مثل، وتلك الأمثال نضربها للناس، وما يعقلها إلا العالمون"اهـ (عارضة الأحوذي 8/400-401)


وقال: "قوله: (قريب من الله) ليس يريد به قرب المسافة؛ فقد تبينتم وبينا لكم؛ أن ذلك محال على الله؛ إذ لا يحل الجهات، ولا ينزل الأماكن، ولا تكتنفه الأقطار"اهـ (عارضة الأحوذي 8/195-196)


وقال: "الحياء بالمد؛ صفة تقوم بالقلب يكون عندها ترك الإقدام علي المعنى الذي يريد أن يفعله، وهو تغير من سمات الحدوث لا يجوز على الله تعالى؛ فإن عبر به سبحانه عن نفسه؛ عاد المعنى إلى مجازه،، وهو الإخبار عن ثمرته وهي التبرك به على ما بيناه في أصول الفقه من قسمي المجاز الذي هذا أحدهما، وليس لهما ثالث بالتقدير؛ أن الله لا يترك ولا يمنع أو ما أشبه ذلك من التقديرات التي تجوز عليه سبحانه"اهـ (عارضة الأحوذي 9/22-23)


وقال: "قوله: (ثم يعرفهم نفسه) يعنى: يقول لهم ما كان الرسول قد بلغهم من الحق اليهم، أو يخلق لهم - كما تقدم - ما كان قدم من العلم لهم"اهـ (عارضة الأحوذي 10/11)


وقال: "قوله: (حتى يضع الرحمن قدمه فيها) قد بيناه في الأحاديث المشكلة، وما للناس في نحوه من الطرائق .. ومهما اختلف الناس في اليدين؛ هل هي صفة أم لا؟ فلا يختلفون في القدم أنها ليست بصفة"اهـ (عارضة الأحوذي 10/14)


وقال: "والذي أقطع عليه؛ أن اليد عبارة عن القدرة، وأن القدم عبارة عن مقدمة سبقت في علم الله علي جمع أنهم من أهل النار .. وقد روي فيها (حتي وضع الرحمن فيها رجله) وإلى الأول يعود، وإنما المراد به جملة من الخلق؛ فتارة عبر عنهم بلفظ القدم؛ من تقدم العلم فيهم بذلك، وتارة عبر عنهم بالرجل؛ أي: الجماعة من الناس، وغيرهم"اهـ (عارضة الأحوذي 10/15-16)


وقال: "قوله: (غلظ جلد الكافر أربعون ذراعاً بذراع الجبار) يعنى به: ذراع الله المخلوقة التي لها من القدر ما لا يعلمه الا الله، ولم يعلم بذلك الخلق تخويفاً لهم"اهـ (عارضة الأحوذي 10/16)


وقال: "القران كلام الله ليس بخالق، ولا مخلوق، ولا محدث، ولا صفة لمخلوق؛ صفة من صفات الله سبحانه؛ ليست له كيفية، ولا يشبه كلام مخلوق، ولا يوصف بأنه حرف، ولا صوت؛ علمه جبريل محمداً صلى الله عليه وسلم؛ فعلمه محمد لأمته. ولا تفاضل فى حقيقته ولا تفاوت فى مرتبته، وخبر الله بأن بعضه أفضل من بعض؛ إنما يعود إلى ما يفضل عليه من الأجر،


 أو بما فيه من المعنى"اهـ (عارضة الأحوذي 11/1-2)
وقال: "وأما قوله: (لن ترجعوا إلي الله بأفضل مما خرج منه) فإن ذكر الخروج والدخول والنزول في القرآن؛ إنما يرجع إلي أحوال مبلغيه؛ فجبريل علمه في العلو، وعلمه النبي عليه السلام في الأرض؛ فسمي ذلك نزولاً، وخرج به من السماء؛ فسمي ذلك خروجاً، وأعمال العباد التي هي أعراض؛ لا توصف بعلو، ولا استفال؛ فكيف صفات الرب، ولكن الباري سبحانه يضرب الأمثال للخلق، وما يعقلها إلا العالمون"اهـ (عارضة الأحوذي 11/34)


وقال: "(لقى الله وهو عليه غضبان) قد بينا أن الغضب يرجع الى إرادة العقاب؛ تارة بالخبر عنه، وتارة يرجع الى نفس العقاب"اهـ (عارضة الأحوذي 11/142)

وقال: "قوله: (لهبط على الله)؛ قال أبو عيسى: على علم الله. وأن علم الله لا يحل فى مكان، ولا ينتسب إلى جهة؛ كما أنه سبحانه كذلك؛ لكنه يعلم كل شيء فى كل موضع، وعلى كل حال؛ فما كان فهو بعلم الله ....



ليست هناك تعليقات